الميثاق نت -

الخميس, 31-مارس-2022
راسل‮ ‬القرشي‮ ‬‬‬ -
* اليوم ونحن نعيش أولى أيام العام الثامن للعدوان الغاشم الذي شنه النظامان السعودي والإماراتي وحلفاؤهما الرئيسيون وفي مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تذكرت حكاية طفلة التقيتها أثناء مروري في أحد شوارع العاصمة صنعاء قبل حوالي خمسة أعوام.
هذه‮ ‬الطفلة‮ ‬واحدة‮ ‬من‮ ‬عشرات‮ ‬الآلاف‮ ‬الذين‮ ‬دفعتهم‮ ‬الحرب‮ ‬والمواجهات‮ ‬المسلحة‮ ‬التي‮ ‬شهدتها‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬المناطق‮ ‬اليمنية‮ ‬إلى‮ ‬الفرار‮ ‬من‮ ‬منازلهم‮ ‬والنزوح‮ ‬إلى‮ ‬مناطق‮ ‬أخرى‮ ‬أكثر‮ ‬أمناً‮ ‬ليستمروا‮ ‬في‮ ‬الحياة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮* ‬سنوات‮ ‬سبع‮ ‬مرت‮ ‬عانى‮ ‬خلالها‮ ‬اليمنيون‮ ‬وخصوصاً‮ ‬من‮ ‬فروا‮ ‬ونزحوا‮ ‬من‮ ‬مناطقهم‮ ‬وتركوا‮ ‬منازلهم‮ ‬بحثاً‮ ‬عن‮ ‬الملاذ‮ ‬الآمن‮ ‬ليعيشوا‮ ‬بعيداً‮ ‬عن‮ ‬أزيز‮ ‬الرصاص‮ ‬ودوي‮ ‬المدافع‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
إنها‮ ‬الحرب‮ ‬التي‮ ‬فُرضت‮ ‬على‮ ‬هذا‮ ‬الشعب‮ ‬بهذا‮ ‬العدوان‮ ‬الذي‮ ‬قتل‮ ‬الأحلام‮ ..‬حرب‮ ‬قاسية‮ ‬لم‮ ‬يشهد‮ ‬لها‮ ‬اليمنيون‮ ‬مثيلاً‮ ‬في‮ ‬تاريخهم‮ ‬المعاصر‮ ‬،‮ ‬لتحدِّث‮ ‬كل‮ ‬هذا‮ ‬الدمار‮ ‬والخراب‮ ‬الذي‮ ‬عم‮ ‬كل‮ ‬الأمكنة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
كيف‮ ‬لا‮ ‬تكون‮ ‬مؤلمة‮ ‬وقد‮ ‬أذلت‮ ‬عزيز‮ ‬النفس‮ ‬وهوت‮ ‬به‮ ‬إلى‮ ‬القاع‮ ‬بوجع‮ ‬ليس‮ ‬له‮ ‬شبيه‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
هي‮ ‬الحرب‮ ‬لها‮ ‬بداية‮ ‬فيما‮ ‬نهايتها‮ ‬تبقى‮ ‬مفتوحة‮ ‬إلى‮ ‬أن‮ ‬يشاء‮ ‬المتحاربون‮ ‬التوقف‮ .. ‬لا‮ ‬شيء‮ ‬يأتي‮ ‬منها‮ ‬سوى‮ ‬الموت‮ ‬من‮ ‬كل‮ ‬اتجاه‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
تحرق‮ ‬سنابل‮ ‬القمح‮ ‬وتقود‮ ‬للجوع‮ ‬وتفشي‮ ‬الأمراض‮ ‬والأوبئة‮ .. ‬ولا‮ ‬تفتح‮ ‬سوى‮ ‬الغرف‮ ‬المظلمة‮ ‬التي‮ ‬لا‮ ‬نور‮ ‬فيها‮ ‬ولا‮ ‬حياة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
* أعود لحكاية الطفلة خيرية التي كان عمرها عندما التقيتها لا يتجاوز الثلاثة عشر عاماً .. دفعتها المواجهات العسكرية العنيفة التي شهدتها منطقتها إلى الهروب من جحيمها والنزوح مع والدتها وأخويها الصغيرين "عمرو خمسة اعوام ومحمد أربعة أعوام" إلى صنعاء.
اوقفتني هي وأخوها الأصغر محمد وأنا أمر في في أحد الشوارع وطلبت مني تقديم المساعدة .. فبادرت الى امساك محفظتي لأخرج لها ما تيسر .. سألتها بعد ان تعرفت على اسمها واخيها عن الاسباب التي دفعتها للتسول وترك المدرسة فقالت لي قصتها.
اغرورقت‮ ‬عيناي‮ ‬وانا‮ ‬استمع‮ ‬لحديثها‮ ‬والمعاناة‮ ‬الشديدة‮ ‬التي‮ ‬واجهت‮ ‬والدتها‮ ‬منذ‮ ‬مغادرتهم‮ ‬منطقتهم‮ ‬وصولاً‮ ‬إلى‮ ‬صنعاء‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
تقول‮ ‬خيرية‮ ‬كنت‮ ‬حينها‮ ‬في‮ ‬الحادية‮ ‬عشرة‮ ‬من‮ ‬عمري‮ ‬واخوايّ‮ ‬اصغر‮ ‬مما‮ ‬هما‮ ‬عليه‮ ‬الآن‮ ‬بعامين‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
خرجنا‮ ‬من‮ ‬منزلنا‮ ‬وسط‮ ‬قصف‮ ‬شديد‮ .. ‬كانت‮ ‬والدتي‮ ‬حينها‮ ‬تركض‮ ‬في‮ ‬الشارع‮ ‬وعلى‮ ‬كتفيها‮ ‬اخوايّ‮ ‬الصغيران‮ ‬وانا‮ ‬اركض‮ ‬بجوارها‮ ‬ودموعي‮ ‬تسبق‮ ‬خطواتي‮ ‬مصحوبة‮ ‬بصراخ‮ ‬مليئ‮ ‬بالخوف‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
توقفت‮ ‬خيرية‮ ‬عن‮ ‬اكمال‮ ‬حديثها‮ ‬بسبب‮ ‬دموعها‮ ‬الحراء‮ ‬المنسكبة‮ ‬على‮ ‬خديها‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
لم‮ ‬أشأ‮ ‬حينها‮ ‬ان‮ ‬اطلب‮ ‬من‮ ‬خيرية‮ ‬المليئة‮ ‬بالوجع‮ ‬والألم‮ ‬والمسكونة‮ ‬بالمعاناة‮ ‬مواصلة‮ ‬حديثها‮ .. ‬مددت‮ ‬لها‮ ‬ما‮ ‬تيسر‮ ‬وتركتها‮ ‬وعيناي‮ ‬تدمعان‮ ‬لتواصل‮ ‬رحلة‮ ‬الشقاء‮ ‬والمعاناة‮ ‬برفقة‮ ‬اخيها‮ ‬محمد‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮* ‬خيرية‮ ‬واخواها‮ ‬ووالدتها‮ ‬ليسوا‮ ‬الوحيدين‮ ‬ممن‮ ‬شردتهم‮ ‬الحرب‮ ‬ودفعتهم‮ ‬للنزوح‮ ‬من‮ ‬منطقتهم‮ ‬الى‮ ‬منطقة‮ ‬اخرى‮ .. ‬بل‮ ‬هناك‮ ‬الآلاف‮ ‬الذين‮ ‬يعيشون‮ ‬نفس‮ ‬الحالة‮ ‬التي‮ ‬تعيشها‮ ‬خيرية‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
الشوارع‮ ‬مليئة‮ ‬بتلك‮ ‬الصور‮ ‬المحزنة‮ ‬والمؤلمة‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬تجد‮ ‬من‮ ‬يمسح‮ ‬عن‮ ‬عينيها‮ ‬الدموع‮ ‬المنسكبة‮ ‬كزخات‮ ‬المطر‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
سبع‮ ‬سنوات‮ ‬مضت‮ ‬من‮ ‬هذا‮ ‬العدوان‮ ‬وما‮ ‬تسبب‮ ‬به‮ ‬من‮ ‬حرب‮ ‬احرقت‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬في‮ ‬طريقها‮ .. ‬حرب‮ ‬مجنونة‮ ‬منزوعة‮ ‬العينين‮ ‬وفاقدة‮ ‬الإنسانية‮ ‬وعديمة‮ ‬الأخلاق‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
حرب‮ ‬إذا‮ ‬دخلت‮ ‬قرية‮ ‬أو‮ ‬مدينة‮ ‬دمرت‮ ‬كل‮ ‬شيء‮ ‬واشعلت‮ ‬الحرائق‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬الاتجاهات‮ .. ‬ويصبح‮ ‬المواطن‮ ‬المسكين‮ ‬هو‮ ‬الضحية‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
فهل‮ ‬آن‮ ‬لهذا‮ ‬العدوان‮ ‬أن‮ ‬يتوقف‮ ‬ويرحل‮ .. ‬وهل‮ ‬آن‮ ‬لأصوات‮ ‬الرصاص‮ ‬والمدافع‮ ‬والصواريخ‮ ‬أن‮ ‬تهدأ‮ ‬وتنام‮ ‬،‮ ‬أم‮ ‬أن‮ ‬اليمنيين‮ ‬سيستمرون‮ ‬وللعام‮ ‬الثامن‮ ‬في‮ ‬العيش‮ ‬وسط‮ ‬الموت؟‮!‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 17-يوليو-2024 الساعة: 10:26 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-62205.htm