الأربعاء, 20-أبريل-2022
الميثاق نت - نادية صالح : -
ليس بمقدورنا أن ننصب أنفسنا قضاة لمحاكمة أي شيء في بلادنا بمعيار طبيعي، دون أن نأخذ بالظروف الواقعية التي نعيشها بعين الاعتبار، كما لا يمكن تحميل الظروف كل شيء فذلك أمر غير مقنع ومبرر لا يفسّر سبب تردّي الدراما اليمنية، وعدم تمكّنها من تحقيق قفزة في الأداء‮ ‬والتقييم‮ ‬الكلي‮ ‬للإنتاج‮.‬
اليوم ومنذ بداية الشهر الكريم، يتنافس أحد عشر عملاً دراميًّا يمنيًّا للفت أنظار المشاهدين من خلال سبع قنوات فضائية يمنية، وهو عدد مرتفع مقارنة بسنوات ما قبل العدوان والحرب، التي لم يتعدّ الإنتاج الدرامي فيها أكثر من ثلث هذا العدد، وكالعادة لم تلمس الدراما اليمنية في شهر رمضان هموم الناس بصورة أكبر أو كما هو يتوقع من الدراما التي يفترض بها أن تعالج قضايا مجتمعية وتنتقد أموراً وسلوكيات وممارسات خاطئة، إلا أنه وكالمعتاد روجت لقضايا سياسية تهم طرفاً معيناً ضد آخر في هذا البلد الذي يعاني من اضطرابات منذ اندلاع العدوان‮ ‬والحرب‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬منذ‮ ‬سبعة‮ ‬أعوام،‮ ‬هكذا‮ ‬يرى‮ ‬متابعون‮ ‬الدراما‮ ‬من‮ ‬فنانين‮ ‬وصحفيين‮ ‬ومواطنين‮ ‬وما‮ ‬يقدم‮ ‬من‮ ‬مسلسلات‮ ‬على‮ ‬شاشات‮ ‬الفضائيات‮ ‬رسمية‮ ‬كانت‮ ‬او‮ ‬خاصة‮ ‬في‮ ‬اليمن‮.‬

‮ ‬السياسة‮ ‬تطغى‮ ‬على‮ ‬القضايا‮ ‬المجتمعية‮ ‬
اتسمت معظم الأعمال الدرامية التي تعرض على القنوات اليمنية في رمضان هذا العام بالطابع السياسي والابتعاد عن قضايا المجتمع ومعالجة آثار العدوان والحرب كما الموسمين الماضيين، علاوة على السمة الكوميدية المبتذلة، التي ما زالت هي الطاغية كما السنوات الماضية، باستثناء بعض الملاحظات الإيجابية لبعض الأعمال الدرامية، لكن لا ينفي ذلك خلوها من المشاكل الرئيسية التي تعاني منها الدراما اليمنية، سواءً من حيث تقديم صورة نمطية سلبية عن اليمني كشخصية "سخيفة وغريبة الأطوار"، والأخطاء الإخراجية كعدم تجانس الشخصيات مع أدوارها، ووجود‮ ‬نوع‮ ‬من‮ ‬الانفصام‮ ‬بين‮ ‬رسالة‮ ‬العمل‮ ‬الدرامي‮ ‬وسياقه‮ ‬الزماني‮ ‬والمكاني‮.‬
فجوهر عملية الإبداع يكمن في القدرة على تخطي كل الظروف، مع عدم إغفال تأثيرات الواقع على المستوى العام للإنتاج. غير أن المقصود هنا أن بالإمكان تقديم منتج جيّد، وفقا لتلك الظروف ذاتها التي أتاحت إنتاج ما هو متوافر الآن.
هذا‮ ‬العام،‮ ‬يمكن‮ ‬للمشاهد‮ ‬اليمني‮ ‬رصد‮ ‬عدد‮ ‬كبير‮ ‬من‮ ‬المسلسلات،‮ ‬غير‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬التطور‮ ‬الكمي‮ ‬ظل‮ ‬في‮ ‬مستواه‮ ‬الكيفي‮ ‬نفسه،‮ ‬أي‮ ‬أننا‮ ‬أمام‮ ‬توسع‮ ‬في‮ ‬الانتاج‮ ‬دونما‮ ‬تصاعد‮ ‬في‮ ‬نوعية‮ ‬المنتج‮ ‬الدرامي‮.‬

علاقة‮ ‬الدراما‮ ‬اليمنية‮ ‬بالجمهور
وصف الكاتب اليمني المعروف حسين الوادعي في أحد مقالاته، علاقة الجمهور اليمني بالدراما بأنها علاقة تائهة مخيبة للآمال دوماً، قال: علاقة المشاهد اليمني بالدراما اليمنية مثل علاقته بمنتخبه الوطني لكرة القدم. ولا شيء يعبّر عنها بصدق أكثر من أغنية فريد الأطرش "الحب‮ ‬من‮ ‬غير‮ ‬أمل‮ ‬أسمى‮ ‬معاني‮ ‬الغرام‮".‬
يعطي المشاهد اليمني كل حبه ودعمه للدراما اليمنية ويدعمها بلا حدود مع أنه لا يتلقى منها بالمقابل إلا أقل القليل.. ويتجدد الجدل السنوي حول تواضع مستوى الدراما اليمنية رغم اننا ننتج اعمالاً درامية منذ اكثر من 50 سنة. ويزداد إيماني كل مرة ان السبب الرئيسي هو النص‮/‬السيناريو‮/‬الكاتب‮.‬
مشكلة السيناريو الدرامي في اليمن انه عمل من لا عمل له، او هو العمل الذي يقوم به الممثل او المخرج او المنتج في أوقات الفراغ. لهذا نجد عندنا المخرج-الكاتب والممثل-الكاتب والمنتج-الكاتب لكن لا نجد كاتب السيناريو المحترف الذي يتم الإعتداء المستمر على حقه في الوجود‮.‬
العيوب الكبيرة في السيناريو، وتشعب القصة في مسارات بلا رابط، والانفصال بين السيناريو والإخراج والتعثر الفني في تقديم مشاهد الفلاش باك تعيدنا الى نقطة البداية.. السيناريو الناجح، والقصة المرسومة بذكاء، والحوار الدرامي وكل هذه العوامل لا تزال غائبة عن الدراما‮ ‬اليمنية‮.‬

إشكاليات‮ ‬بناء‮ ‬شخصية‮ ‬البطل‮ ‬في‮ ‬الدراما‮ ‬الكوميدية‮ ‬اليمنية
يقول الفنان ياسر العظمة في إحدى مقابلاته بأن هنالك فنانين كبارا قد حصدوا الشهرة في الوطن العربي هم ومسرحياتهم فقط لأنهم يضحكون لمجرد الاضحاك. فهم يخاطبون الغرائز الدنيا عند الإنسان وليس المثل العليا.. ووفق رأيه فإن الضحك يبدأ من العقل، العقل يصنف الموقف ويضبطه‮ ‬ثم‮ ‬يضحك‮. ‬يشبه‮ ‬بعد‮ ‬ذلك‮ ‬عملية‮ ‬الاضحاك‮ ‬دون‮ ‬وعي‮ ‬وهدف‮ ‬بموقف‮ ‬ترمى‮ ‬فيه‮ ‬قشرة‮ ‬موز‮ ‬في‮ ‬طريق‮ ‬رجل‮ ‬عجوز‮ ‬ثم‮ ‬يكون‮ ‬الضحك‮ ‬على‮ ‬ذلك‮.‬
ونتبين من هذا وبحسب تقرير مطول نشرته "مجلة المدنية" للباحث - جهاد جار الله - بأن مشكلة البناء الهش للنكتة والشخصية الكوميدية هي مشكلة غير محصورة بإطارنا الجغرافي اليمني. لكن هذا لا يشكل مبرراً للتكاسل عن رفع مستوى النص المقدم.
وفي‮ ‬هذا‮ ‬السياق،‮ ‬فلا‮ ‬بد‮ ‬من‮ ‬الكف‮ ‬عن‮ ‬الاعتقاد‮ ‬بأن‮ ‬الكوميديا‮ ‬هي‮ ‬مرادف‮ ‬للتهريج‮ ‬الفارغ،‮ ‬فنحن‮ ‬نرى‮ ‬أن‮ ‬الكثير‮ ‬من‮ ‬شخصيات‮ ‬الابطال‮ ‬في‮ ‬الكوميديا‮ ‬اليمنية‮ ‬مازالت‮ ‬تعاني‮ ‬من‮ ‬الضحالة‮ ‬في‮ ‬الفكر‮ ‬والمضمون‮.‬
مع العلم أن النكتة الذكية أشد وقعاً من كل الحركات الطفولية الساذجة المضحكة. إن رسالة الكوميديا كفن هي رفع الذائقة وتنمية الفكر وليس العكس.. يؤكد الدارسون للكوميديا أن الممثل في الكوميديا يقدم محتوى عقلياً وعاطفياً يستهدف عقول المتفرجين وقلوبهم قاصداً بذلك‮ ‬تحقيق‮ ‬المتعة‮ ‬الذهنية‮ ‬والوجدانية‮ ‬لدى‮ ‬جمهوره‮. ‬وإذا‮ ‬ما‮ ‬خلت‮ ‬الكوميديا‮ ‬من‮ ‬تلك‮ ‬المتعة‮ ‬الذهنية‮ ‬والوجدانية،‮ ‬فإنها‮ ‬تتحول‮ ‬إلى‮ ‬مجرد‮ ‬تهريج‮. ‬
ونلاحظ أيضا أن هنالك نمطية في بناء الشخصية الكوميدية في الأعمال اليمنية. وهي في الغالب تظهر تأثرها بشخصية "دحباش" حيث تعتمد في مظهرها الخارجي على الغرائبية في الملبس أو طريقة الحديث والتعبيرات المفتعلة بشكل واضح، وكذلك إظهار العلل الجسدية واللازمات غير المبررة. كما يظهر في لغتها الكوميدية التنكيت المباشر والسطحي. ومن الناحية الاجتماعية، فالشخصية الدرامية اليمنية عادة ما تكون متواضعة من حيث مستوى الثقافة والتعليم أو تعاني من مشكلة عقلية. وكأن الكوميديا اليمنية مرتبطة بالبله وبطء البديهة أو محدودية الثقافة.
تعتمد الشخصية الدرامية اليمنية غالباً على جسدها أكثر من مضمون النكتة.. يجب أن تأخذ روحُ الدعابة واقعًا أعمق، وأذكى يعتمد على قوة الكلمة لا على الحركات الجسدية، فقد غادرت الكوميديا العالمية، الاعتماد على لغة الجسد وإمكاناته إلى قوة النص وذكاء العبارة وسرعة البديهة‮.‬
إن استمرار تكوين شخصية البطل الكوميدية بهذه الركاكة يؤثر سلباً على ذائقة المشاهد المحلي خصوصا ذاك الذي لا يتعامل مع المنتجات العالمية والذي يتأثر بشكل ملحوظ، فنراه يردد تفاهات الشخصيات بدون وعي وقد يقوم بتقليد الحركات غير اللائقة اعتقادا منه بأن هذا هو جوهر‮ ‬الكوميديا‮. ‬بينما‮ ‬تتمثل‮ ‬الكوميديا‮ ‬الراقية‮ ‬في‮ ‬ذكاء‮ ‬الكلمة‮ ‬وقوة‮ ‬المعنى‮. ‬كما‮ ‬لهذا‮ ‬لها‮ ‬القصد‮ ‬هدفاً‮ ‬محدداً،‮ ‬وهو‮ ‬تحسين‮ ‬الذائقة‮ ‬العامة‮ ‬ورفع‮ ‬مستوى‮ ‬المتابع‮ ‬فنيا‮ ‬وثقافيا‮.‬
يذكر الناقد قائد غيلان أن "المهرِّجين والشخصيات الممسوخة ساعدت في بعض أعمالها على إفساد أذواق الناس وتشويه مفهوم الفن، إلى درجة أن المواطن العادي أصبح يعتقد أن الكوميديا هي البهدلة والتشوُّهات الجسدية والغرابة في الملابس والإكسسوارات.
ويمكن قياس هذا التأثير من خلال متابعة المحتويات المرئية الأخرى. فنجد كثيرا من الشباب اليمني الهاوي يقدمون محتوى كوميديا على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر فيه، غالبا، شخصية المخبول غريب المظهر او المهرج، محدود الثقافة والفكر.
من المهم أن نتنبه للانطباع الذي تقدمة الشخصية الدرامية عن مجتمعها للخارج. فقد تعزز من مظهره الإيجابي وقد تفعل العكس. ففي عالمنا المعاصر، في الغالب، لا يتوجه الناس في فهم ثقافات غيرهم من الشعوب الى مؤلفاتهم الموثوقة أو مخالطتهم بل أصبح المحتوى البصري الذي تقدمه‮ ‬البلدان‮ ‬عن‮ ‬نفسها‮ ‬هو‮ ‬أول‮ ‬ما‮ ‬يشكل‮ ‬الصورة‮ ‬الذهنية‮ ‬لدى‮ ‬الآخرين‮ ‬عن‮ ‬هذا‮ ‬البلد‮.‬
في الأخير، يُجمع النقاد والمهتمون بالدراما اليمنية على حاجة الدراما اليمنية لبنية تحتية يتوافر لها إمكانات تقنية ومادية تُمكّن من استمرار وتواصل الإنتاج في أجواء من الحرية تُتيح لها الاقتراب من قضايا المجتمع وفق رؤية إنتاجية وإخراجية منافسة، انطلاقا من وعي‮ ‬مؤسسي‮ ‬يولي‮ ‬الفنون‮ ‬أولوية؛‮ ‬باعتبارها‮ ‬أبرز‮ ‬عوامل‮ ‬صناعة‮ ‬وعي‮ ‬المجتمع‮ ‬وثقافته،‮ ‬حينها‮ ‬ستتجاوز‮ ‬الدراما‮ ‬اليمنية‮ ‬أزمتها‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 02:19 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-62265.htm