جلال علي الرويشان* - تتقسَّم البلدان ، وتتفكَّك الأمم ، وتنهار الحضارات إما بفعل عدوان ومؤامرات خارجية ، تقودها وتمولها دول وأمم أخرى تزعم أن في ذلك حماية للأمن القومي لبلدانها ، وإما بفعل خلافات داخلية يكون محورها الأساسي هو الصراع على السلطة والثروة بين أبناء البلد والشعب والأمة الواحدة .
ومع الأخذ في الاعتبار ، أن التحولات في حياة الدول والشعوب والأمم حتمية ، ولا تنفك عن حركة التاريخ المستمرة وصراعات المصالح والأغيار .. فإنه - وبلا شك ولا جدال - فإن الاتحاد والوحدة من أهم عوامل القوة ، وأن الانفصال والتفكك هما أهم عوامل الضعف .. وهذا واضح من خلال قراءة وتحليل السياق التاريخي لصعود الحضارات وتراجعها وانهيارها .. فلا يمكن القول - على سبيل المثال - إن أمة من الأمم تفككت ، ثم ازدهرت ونهضت بشعبها .. ولا يمكن القول إن أمة من الأمم توحدت واتحدت ، ثم ضعفت وانهارت .. هذا لا يتفق لا مع العقل ولا المنطق ولا استقراء التاريخ وحركة الحياة .
ومن هذا المنطلق ، فنحن حين نتحدث عن الوحدة اليمنية التي نحتفي بالذكرى الــ32 لإعلانها بين شطري اليمن في الــ22 من مايو عام 1990م .. إنما نتحدث عن القيمة الدينية والوطنية والأخلاقية لمفهوم الوحدة ، نتحدث عن مفهوم أن الاتحاد قوة وأن التفكك ضعف .. أن الاتحاد تقدم وتنمية ، وأن التفكك تخلف وانهيار ، وأي حديث أو تنظير يعكس هذه القواعد الفيزيائية المُثبتة والقريبة من العقل والمنطق ، فلابد أن يكون للاستهلاك السياسي ليس إلا .
عندما نخلط بين الوحدة اليمنية كقضية دينية ووطنية وأخلاقية ، وبين ما وقع من ممارسات خاطئة ، أو ما لحق ببعض المحافظات من إقصاء وتهميش ، فنحن كمن يرفض الفكرة النبيلة لمجرد أن أولئك الذين عهد إليهم بحمايتها والحفاظ عليها لم يكونوا نبلاء !!
الوحدة والاتحاد من الثوابت المقدسة المرتبطة بالدين والوطن .. قال تعالى : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) .. ولا يمكن تحميل الدين والوطن أوزار المتدينين والحكام والساسة الذين ينخرطون في صراعات وتجاذبات لا علاقة لها بالمقاصد العليا المتمثلة بالدين والوطن .
وشتان بين الفكرة النبيلة (الوحدة) وبين ما يُحسب عليها - بدون وجه حق - من صراعات وتباينات غالباً ما تحدث بعيداً عن حسابات الوطن ومصالح الأمة .
عندما نتحدث عن الوحدة ، أو نحتفي بها في ذكراها ، فإننا نتحدث عن المتن وليس عن الهامش .. نتحدث عن الاستراتيجي وليس عن التكتيكي .. نتحدث عما يجب أن يكون وليس عما هو كائن .
ومن هذا المنطلق أيضاً .. فالوحدة ليست الحكام ، وليست الأحزاب والمكونات السياسية ، وليست مراكز القوة ومصادر صنع القرار .. الوحدة هي ملك الشعب ، وهو صانعها ، وهي أمله في الحياة الحرة الكريمة ، وعليه تقع مسؤولية حمايتها .. الوحدة ليست هبة يمنحها طرف لطرف ، ولا سلطة يتنازل عنها طرف لطرف ، الوحدة ليست المحاصصة ولا التقاسم .. الوحدة بمفهومها الديني والوطني والأخلاقي هي الرابطة التي تجمع اليمنيين في الشمال والجنوب والشرق والغرب على حد سواء .
إذا توحدت الشعوب ، قامت الوحدة ودامت واستمرت وحققت آمال الشعوب وطموحاتها .. وإذا توحدت الأنظمة السياسية فقط ، خضعت تلك الوحدة لمصالح وصراعات النخب السياسية الحاكمة .. ونحن هنا نتحدث عن الوحدة اليمنية التي جمعت اليمنيين تحت راية واحدة ، وهي التي نحتفي بها ، ويجب أن يحتفي بها كل من كان في قلبه اليمن أو ألقى السمع وهو شهيد ..
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
* نائب رئيس الوزراء- عضو اللجنه العامة للمؤتمر |