جمال الورد - لاشك مطلقاً أن الوحدة اليمنية شكلت لحظة فارقة في تاريخ اليمن السياسي، وكانت نقطة ضوء مميزة في خضم عتمة التشظي والتمزق والخلاف الذي لحق بالأقطار العربية، وأفقد الشعب العربي الأمل في تحقيق الوحدة العربية الشاملة، نتيجة للمؤامرات التي انصبت على أمتنا، والمحاولات الحثيثة لزرع الفتنة والخلاف والاختلاف بما يضمن بقاء الأقطار العربية في حالة عداء ونفور، إلا أن الوحدة اليمنية والتي جاءت في خضم كل تلك الصراعات والمؤامرات والمتغيرات الدولية مثلت الأمل للعرب عموماً وفخراً لليمنيين ودليلاً أخر على الحكمة التي يتحلى بها اليمني، خصوصاً وأن اليمن موحد عبر التاريخ بجغرافيته وشعبه، لولا تلك الحقبة المظلمة من الاستعمار والأنظمة الرجعية التي كرست التشطير وأرادت أن يكون قدراً محتوماً على أبناء شعبنا اليمني.
لم تكن الوحدة اليمنية وليدة ليلة وضحاها ،بل كانت مطلباً جماهيرياً منذ الأزل وقد قدم أبناء شعبنا اليمني قوافل تلو القوافل في سبيل إعادة الوحدة اليمنية منذ بداية ثورة 1948م وحتى ثورة 1955م وصولاً إلى ثورة 26 سبتمبر 1962م التي انتصرت على الحكم الإمامي وسجلت في جبين التاريخ هنا اليمن الجديد ،هنا أرض الحضارة ،هنا مهد العروبة، ثم تلتها ثورة 14 أكتوبر 1963م التي تجسدت بالنصر المبين على القوات البريطانية الاستعمارية حتى أجبرتها على الرحيل وهي تجر أذيال الهزيمة بفضل صمود المناضلين الأشاوس من أبناء اليمن شمالاً وجنوباً ، الذين شاركوا آنذاك بتدعيم مراكز الثورتين السبتمبرية والأكتوبرية وهبوا للانخراط في صفوف المتطوعين من الأرياف والقرى والمدن والوديان ومن خارج الوطن، فلم يبق لشعبنا إلا تحقيق الهدف الخامس من أهداف الثورة وهو الوحدة اليمنية التي ظلت محل نقاش وتقارب وتفاهم عبر محطات عدة حتى 22 مايو 1990م الذي تحقق فيه حلم اليمن السعيد على يد قيادة حزبي "المؤتمر الشعبي العام، والحزب الاشتراكي اليمني" بقيادة كلٍّ من الشهيد الزعيم علي عبدالله صالح، والرئيس علي سالم البيض وكل المخلصين لليمن والمؤمنين بتطلعات شعبه..
الوحدة في ذكراها الثانية والثلاثين
تمر علينا الذكرى الثانية والثلاثون للوحدة اليمنية، واليمن ذاته يمر بكثير من الإشكالات والحروب والتشظيات الكبيرة، والمحاولات المستمرة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء، وفرض التشطير من جديد، بل إن المخطط التآمري على اليمن وشعبه لم يقف عند محاولات إعادة اليمن إلى ما كان عليه قبل 22 مايو 1990م، بل العودة به - خصوصاً المحافظات الجنوبية- إلى حقبة السلطنات والكنتونات التي اوجدها وفرضها المحتل البريطاني من اجل تمزيق لُـحمة ابناء المحافظات الجنوبية وإعلاء النعرات القبلية والمناطقية بما يضمن تسيُّد بريطانيا وسيطرتها على مقدرات شعبنا .
اليوم لابد أن ندرك جميعاً حساسية المرحلة وخطورتها كنتيجة طبيعية لما يتعرض له اليمن من عدوان خارجي وحصار مستمر منذ 26 مارس 2015م وحتى اليوم، وما أفرزه العدوان وادواته من تمزيق وتشظٍّ للنسيج المجتمعي في بلادنا، وما يسعى إليه الأعداء من تقسيم لليمن والقضاء على الوحدة اليمنية، وهذا ليس مستغرباً على من يقود العدوان علينا اليوم، فالسعودية لم تتوان يوماً عن إبداء رغبتها في زعزعة أمن اليمن وتحطيم وحدته، لعل ما قدمته من دعم مشهود لقوى الانفصال في 1994م خير دليل على نيتها المبيتة ومحاولاتها الحثيثة لإبقاء اليمن ممزقاً ورغم أنها فشلت في ذاك الوقت، الا أنها اليوم تحاول عن طريق عملائها في الداخل إحياء تلك المخططات، وما نراه ماثلاً أمر يؤكد ذلك، فمحاولة تقسيم اليمن تجري على قدم وساق وكما خطط لها الأعداء وللأسف يتم تنفيذها عبر أيادٍ يمنية.
الانفصال وشمَّاعة الفساد والمظلومية
لا يختلف إثنان على إن مسألة الانفصال والضجة الإعلامية التي تثيرها القوى المناطقية والانتهازية تزداد فترة بعد أخرى،وإذا ما تحدثنا عن مكونات سياسية تعتبر حاملة لمشروع الانفصال، حتماً نتحدث عن المجلس الانتقالي الجنوبي والذي حظي باختبار حقيقي على أرضية الواقع، وهو الحامل لهذا المشروع وسقط عند أول اختبار، من خلال فشله في إدارة مدينة كعدن تزخر بكل مقومات النهوض والاستقرار، لكنه فشل وفرط بفرصة ذهبية لإثبات جدوى قضية الانفصال، وكشف للناس أن فكرة الانفصال ليست فكرة مثالية بقدر ما هي فكرة وظيفية لتحقيق أهداف مموِّلها.
فضلاً عن ذلك، كان ثمة سردية انفصالية تقوم على مقولة إن جنوب اليمن محتل، وإن كل شيء فيه تمت مصادرته ونهبه من قبل نظام صالح كما كانوا يسوّقون ومن معهم من العملاء ومن دار في فلكهم من الخصوم السياسيين ، الآن بعد عودة كل شيء يبرز سؤال جوهري وهو أين تلك الممتلكات المنهوبة لدى نظام صالح السابق؟ وأين هي الآن؟ ومَن وراء كل ما يجري من فساد لا حدود له في عدن؟ ولماذا لا يتم الحديث عن هذا الموضوع بالذات، وهو موضوع جوهري في سردية الانفصال؟ هذا ملمح بسيط عن نوعية الحامل السياسي لمشروع الانفصال، وأنه أكثر فساداً وفشلاً .
هذا الفشل الذريع لمشروع الانفصال دفع الناس اليوم مجدداً إلى سؤال الوحدة، وإنْ بصيغة أخرى وهو: إن كان هذا هو مشروع الانفصال الذي خرج الناس من أجله، فمن حق الناس أن تقول رأيها فيه، وبمقارنة بسيطة بين فشلي مشروعي الوحدة والانفصال، فإن الناس ستجد فشل الوحدويين أهون وأقل بكثير من فشل وعبثية حاملي مشروع الانفصال الموعود، وخاصة في ظل تعاظم تناقضات البنية السياسية للقوى الاجتماعية داخل الجنوب اليمني ذاته.
دور المثقفين والنخب في الحفاظ على الوحدة
لاشك أن إنجازات الاوطان تظل فخراً لشعوبها جيلاً بعد جيل، وتتحول إلى مقدسات لا يجوز المساس بها، كما تحتاج إلى وعي فكري، ونقد سياسي وتصويب للأخطاء وسد للثغرات ومعالجة للاختلالات بما يضمن بقاء ودوام تلك المنجزات التي هي مصير شعب وليست خاضعة لمزاجيات الجماعات والاحزاب والنخب السياسية، ولذلك لابد على المثقفين ونخب المفكرين والأدباء المؤمنين بالوطن والمتمسكين بالقيم والمبادئ الوطنية أن يعوا جميعاً مسؤوليتهم في الدفاع عن الثقافة الوطنية، وتعزيزها وجعلها سلاحاً عقلياً وحجة قوية في وجه مختلف التحديات التي تواجهها، ومن هذا المنطلق لا بد أن يتجه الأدباء والمثقفون في وطننا الحبيب إلى الدفاع عن الوطن ووحدته أرضاً وإنساناً، ومن الضروري أن يضع المثقف على رأس جدول اهتمامه ونضاله الربط بين تحقيق الأمن والاستقرار والوحدة في سياق ثقافة وطنية تستند إلى النضال بالكلمة وبكل الطرق والأساليب في اتجاه بلوغ الغايات والأهداف العظيمة للوطن.
إن وطننا الغالي يستحق منا الكثير في هذه الظروف الصعبة، وربما قليل من الوعي كافٍ لتحريك الركود وإعادة المهابة للوطن من خلال اجتراح الأفكار الإنسانية الكبرى كالتسامح والتعايش والمواطنة والعمل على تجفيف ينابيع الثأرات والحقد والاحتراب ونبذ كل ثقافة تعمل على تعميق الاختلاف والتنازع والكراهية، والاهتمام بالأجيال الجديدة في المدارس والجامعات وتغذية عقولهم بالمعرفة الصادقة التي تعزز فكرة التكامل والتعاضد باتجاهات البناء والتشييد، والنأي بهم عن كل الوسائط والوسائل التي تُعنى ببث الأفكار العدمية واللاوطنية او تلك التي تعلي المناطقية والعرقية وتدَّعي الأفضلية لهذة الفئة او تلك.
ولاشك أبداً أن دور الثقافة مهم، ودور الفكر والإعلام مهم جداً في تذويب الخلافات بين فرقاء السياسة، وممارسة دور المقرِّب لوجهات النظر بينهم من خلال رسائلهم الإبداعية المختلفة التي تحظى باحترام وقبول في أوساط مختلف الشرائح الاجتماعية، وبما يسهم في رفع مستوى وعي وإدراك المجتمع والرقي به نحو الأفضل في مختلف المجالات وخصوصاً ذات الصلة بالولاء والانتماء للوطن وثوابته ومكتسباته وفي مقدمتها الوحدة الوطنية، وحدة الأرض والإنسان.
|