استطلاع: جمال الورد - تُعد ظاهرة تفشي المخدرات في صفوف الشباب والاطفال في بلادنا، معضلة تهدد مستقبل أجيال وتضع مستقبل البلد على المحك, مما صعد موجة الانتقاد للحكومة والجهات المسؤولة لفشلها في اتخاذ تدابير لمكافحة الآفة في ظل شح مراكز العلاج و اعادة التأهيل للمدمنين، وسرعة انتشار بيع وترويج وتعاطي المخدرات بين الشباب وما تخلفه من مآسٍ وجرائم لا حصر لها، ويوما بعد آخر تتفاقم ظاهرة انتشار المخدرات خصوصاً مادة "الشابو" والتي لها أكثر من اسم منها "الكريستال، الميث، الشيطان" في بعض المحافظات اليمنية،حتى وصلت إلى تهديد صريح ينذر بانهيار مجتمعي شبه كامل.
وعلى الرغم من تعدد أنواع المواد المخدرة ذات الأصول النباتية، إلا أن هذا المخدر "الشابو" تفوق خطورته جميع أصناف المواد المخدرة مجتمعة، بما في ذلك الهيروين، كما يرتبط تعاطي هذا المخدر بجرائم اغتصاب وقتل وانتحار.
طبيعة الشابو وخطورته
وعن طبيعة تكوين هذا المخدر، يقول الأطباء المتخصص في علاج الإدمان، إن "مخدر (الكريستال) المعروف شعبياً بـ(الشابو) مخدر كيميائي من أصل غير نباتي، وأول من أجرى تجارب حول المادة ونشاطها المخدر هو الياباني ناغايوشي ناغي عام 1893م، إذ يستخلص هذا المخدر من مادة (الأمفيتامين) الكيميائية، وازدهر استخدامه بشكل كبير في الحرب العالمية الثانية، حين طلبت ألمانيا النازية من عملائها صناعة منشطاً بكميات كبيرة، لتحسين أداء الجنود والجيوش في الحروب بشكل يمكنهم من هزيمة الأعداء".
وعرف آنذاك "الكريستال" باسم "المنشط النازي"، بعدها ظهر كمنشط يتناوله بعض الرياضيين الخارجين عن القانون لتعزيز نشاطهم، إلى أن جرى حظر تداوله عالمياً بعد أبحاث دقيقة أفادت بأنه يدمر الجهاز العصبي.
وتفوق خطورة "الشابو" جميع المواد المخدرة، لكونه مخرباً لجميع أجهزة جسم الإنسان، وعلى رأسها الخلايا العصبية، فمع بداية تعاطي الشباب له يشعرون بإحساس بالنشوة والسعادة، لكن سرعان ما لا تدوم سعادة تلك البدايات المميتة، حيث يعاني المتعاطي سلوكاً عدوانياً مفرطاً تجاه جميع من حوله، وحتى نفسه، نتيجة هلاوس سمعية وبصرية، وفقدان الوزن، وسقوط الأسنان، وارتفاع معدلات دقات القلب، مع التدمير المتواصل للخلايا العصبية، وعبر شهور قليلة يتحول مظهر متعاطي "الشابو" من شاب من العشرينيات إلى عجوز في السبعينيات.
شباب اليمن مستهدفون
تزايدت في الآونة الأخيرة التقارير عن تنامي انتشار مخدر "الشابو" بين أوساط المجتمعات المحلية في عدد من محافظات الجمهورية اليمنية، لا سيما المحافظات الشرقية، شبوة وحضرموت والمهرة.
وتتحدث معلومات عن وجود مصانع ومعامل كيماوية لتصنيعه وتجهيزه محلياً، فيما يقدر سعر الغرام من الشابو بـ20 ألف ريال يمني (33دولاراً).
وتصدرت محافظة شبوة انتشار الشابو منذ مطلع عام 2018م، تليها حضرموت والمهرة وبقية المحافظات الجنوبية.
وضبطت قوات الامن كميات كبيرة من المخدرات وخصوصاً الشابو والحشيش، بعضها يصل إلى مائة كيلو، بخاصة من مخدر الحشيش"، أما في ما يخص الشابو فـ"تم ضبط عدة قضايا وتقدر الكميات ما بين مائة غرام وربع كيلوغرام".
وتتحدث تقارير اعلامية عن توسع معامل تحضير إنتاج مادة الشابو المخدر والقاتل في وادي حضرموت، والاتجار به في المحافظة وعدد من المناطق اليمنية الأخرى وبعض الدول العربية.
وتحذر مصادر في إدارة مكافحة المخدرات من خطورة تعاطي الشابو وانتشاره بين الشباب خاصة، مؤكدة ان "آثاره كارثية وتتعدى كل التوقعات، لأن متعاطيه يقوم بأبشع الجرائم التي تبدأ بالأسرة وتنتهي بالمجتمع، من جرائم القتل والسرقة وغيرها، نتيجة اختلال الجهاز العصبي للمتعاطي ونظام الاتصال وإفراز النواقل العصبية، واضطراب عقلي يتميز بأعراض ذهانية مثل الهلوسة وجنون العظمة والتفكير غير المنظم والسلوك غير المنظم، وآثار نفسية كالأرق والقلق والاكتئاب.
الشابو يقف وراء جرائم القتل
ويقول خبراء الطب النفسي والإدمان ،أن أضرار مخدر "الكريستال ميث أو الشابو" لا تقل خطورة عن باقي المخدرات، موضحين أنها تسبب القتل السريع، حيث أن الخلافات الأسرية لها دور كبير في اتجاه الشباب إلى الإدمان، بسبب المشكلات النفسية التي يتعرضون لها جراء الظروف المادية .
ويؤكد خبراء الطب النفسي والإدمان، أن الحل الوحيد لتعافى المدمن من المخدرات هو اللجوء إلى المصحات العلاجية، لكي يتم عمل خطوات تمهيدية للتوقف عن الإدمان، موضحين أن المدمن دائماً ما يسعى للجديد في عالم المخدرات، بهدف الوصول لحالة "اللاوعي" من أقصر الطرق، بالإضافة إلى أن تلك المواد الكيميائية تُستخدم في الأساس لتهدئة الحيوانات المفترسة كالأسود والثيران في السيرك ليتم ترويضها، بالرغم من كتابة خلف الكيس جمل تحذّر من الاستخدام إلا أن هناك من يستخدمه .
وأضافوا: أن مؤشر المحصلة سوف يكون دائما في حالة من الميل المستمر نحو الغرائز ونحو تحقيق ما تصبو إليه النفس وحتى دون الشعور بالذنب أو التأنيب الإنساني إذا ما وقع في منطقة الخطأ، ويرى الأطباء أن 255٪ من المجرمين والمخالفين هما نتاج الشخصية السيكوباتية العنيدة التي تحصل على ما تريد حتى ولو وصل الأمر إلى إلحاق الضرر بالآخرين .
ويتحدث عن أضرار المخدرات عدد من الأكاديميين والمسؤولين، في الوقت الذي تواصل فيه الأجهزة الأمنية حملاتها في عدة محافظات.
وقد أشار عضو هيئة التدريس بكلية الاقتصاد والعلوم السياسي بجامعة عدن أسامة محمد السقاف في لقاء تلفزيوني أجراه في وقت سابق ، الى أن انتشار المخدرات في أوساط الشباب يمثل ظاهرة خطيرة تدمر مستقبل الأجيال.
وحذّر السقاف من الآثار السلبية المترتبة على الأسرة والمجتمع جراء تعاطي مادة الشبو في أوساط الشباب، داعياً لبذل المزيد من الجهود من قبل قيادة الدولة والمجتمع لمحاربة ظاهرة تفشي المخدرات والوقوف أمامها بكل مسؤولية واقتدار.
وأرجع مدير التثقيف الصحي بوادي حضرموت أحمد بامدحج انتشار الشابو في المحافظة إلى سهولة وصوله إلى الشباب بشكل غير مباشر من خلال دمجه مع مواد أخرى قد لا يدركها المتعاطي الذي يشعر بالارتياح منذ البدايات الأولى لمضغه.
وأبدى بامدحج استعداد مكتب التثقيف الصحي لتنظيم الكثير من الندوات والأعمال التوعوية التي تحد من تفشي الظاهرة وفقاً للإمكانات المتاحة.
كما تحدث نائب مدير مستشفى الغيضة بالمهرة سالم عسي القميري عن الشابو قائلاً: "يعود انتشار الشابو في المهرة، وعدد من المحافظات إلى رخص ثمنه وسهولة الحصول عليه من قبل الشباب، وهذا المخدر يقود متعاطيه إلى الانتحار، واكتساب السلوك العدواني بحق الآخرين نتيجة لشكوك الهلوسة السمعية والبصرية التي يصاب بها المتعاطي".
وأكّد القميري على ضرورة وجود مراكز متخصصة لمعالجة المدمن والمتعاطي بعيدة عن الأسرة والمجتمع.
إحصاءات
وبحسب إحصائية إدارة مكافحة المخدرات، فإن الكميات المضبوطة منذ العام 2015م حتى نهاية مايو من العام الجاري 2022م، في اليمن كانت كالتالي:
- في 2015م تم ضبط 996 كجم من الحشيش المخدر، بالإضافة إلى 984 حبة مخدرة.
- في 2016م ضبطت الأجهزة الأمنية 5 أطنان و303 كجم من الحشيش المخدر، بالإضافة إلى أكثر 6700 حبة مخدرة.
- في العام 2017م جرى ضبط 10 أطنان و589 كجم من الحشيش المخدر، إلى جانب أكثر من 85 ألف حبة مخدرة.
- وفي العام 2018م كانت حصيلة الضبط 40 طنا و894 كجم من الحشيش المخدر، كما ضبط أكثر من 46 ألف حبة مخدرة.
- في العام 2019م تم ضبط 41 طناً، و133كجم من الحشيش المخدر، وكذا تم ضبط أكثر من 917 جراماً من مخدر الشابو، وهي المرة الأولى التي يُضبط فيها هذا المخدر في البلاد.
- في العام 2020م ضبطت الأجهزة الأمنية 65 طنا، و369 كجم من الحشيش المخدر، إلى جانب 5كجم من مخدر الشابو.
- وفي العام 2021م حتى نهاية مايو من العام الجاري تمكنت أجهزة الأمن من ضبط 36 طناً، و220 كجم من الحشيش المخدر، بالإضافة إلى أكثر من 15700 كجم من مخدر الشابو.
القضايا المتصلة بالمخدرات في اليمن منذ العام 2015 حتى 2022م
دفع انتشار المخدرات في اليمن، الجهات الحكومية إلى محاولة التصدي لهذه الظاهرة والحد منها، من خلال شن العديد من الحملات التي نفذتها أجهزة الأمن في عدة محافظات.
وتظهر عمليات المداهمات والضبط، ارتفاع عدد قضايا المتاجرة بالممنوعات والمضبوطين في جرائم تهريب المخدرات والسّموم باليمن.
- في العام 2015م بلغ عدد القضايا المتصلة بالمخدرات في اليمن 109 قضايا، ووصل عدد المضبوطين إلى 159 متورطاً يمنياً و4 من جنسيات أخرى.
- في العام 2016م بلغ عدد قضايا المخدرات 168 قضية، وجاوز عدد المضبوطين 340 متورطاً يمنياً، و5 أشخاص من جنسيات أخرى.
- في العام 2017م وصل عدد قضايا الممنوعات الى 513 قضية وفاق عدد المضبوطين 860 متورطاً يمنياً و68 من جنسيات أخرى.
- في العام 2018م بلغ عدد القضايا المتصلة بالمخدرات أكثر من ألف قضية، ووصل عدد المضبوطين الى 1726 متورطاً يمنياً، وأكثر من 230 من جنسيات أخرى.
- في العام 2019، وصل عدد قضايا الممنوعات إلى 1325 قضية، وجاوز عدد المضبوطين 1800 متورط يمني، و823 من جنسيات أخرى.
- في العام 2020م بلغ عدد قضايا المتاجرة بالمخدرات وتهريبها، 1914 قضية، فيما وصل عدد المضبوطين الى أكثر من 2600 متورط يمني، ونحو 1500 شخص من جنسيات أخرى.
- في العام 2021م حتى نهاية مايو الماضي، بلغ عدد القضايا المتصلة بالمخدرات 1450 قضية، ووصل عدد المضبوطين الى 1350 متورطاً يمنياً، ونحو 1100 شخص من جنسيات أخرى .
لابد من جهد مجتمعي لمواجهة هذه الآفة
ولمواجهة هذه الآفة الخطيرة والقاتلة ينبغي أن يكون هناك تضافر في الجهود بين جميع المؤسسات المعنية في المجتمع من أجل التصدي لها، كما ينبغي في الوقت ذاته معرفة مصادر هذه المخدرات وتشديد الرقابة عليها حتى تكون المواجهة فاعلة.
ولكي يتوصل الجهد الحكومي والمجتمعي لنتيجة ايجابية في مواجهة هذه الآفة لابد من اجراء دراسات علمية لمعرفة حجم وجوده في المجتمع، وضرورة تعاون جميع أفراد المجتمع مع الجهات المعنية في الدولة عبر إبلاغها بأي جرائم من هذا النوع.
بالإضافة إلى وجوب قيام الأسرة بمتابعة أبنائها ورصد أي تغيرات سلوكية قد تحدث لحمايتهم من مثل هذه الآفة، ولهذا ينبغي توعية الأسر بمثل هذه الملاحظات، وكذلك ينبغي أن يكون هناك دور للمدارس والجامعات والمساجد في هذا الشأن.
|