الميثاق نت -

الخميس, 23-يونيو-2022
طه‮ ‬العامري -
يحتار المراقب المحايد للسياسة الآزدواجية السافرة التي تكرسها بعض او غالبية الأنظمة العربية المرتهنة لمحاور النفوذ الدولية والعاجزة عن تبني مواقف سياسة مستقلة تعبر عن ذاتها وعن رؤيتها المستقلة وقراها الوطني الذي يعبر بدوره -افتراضاً- عن مصالحها الاستراتيجية والجيوسياسية فيما يتصل بعلاقة هذه الأنظمة ببعضها أَو بعلاقتها بدول الجوار أو مع دول العالم، ويمكن أن نقف هنا أمام قضية (البرنامج النووي الإيراني) وموقف بعض الأنظمة العربية من هذا البرنامج الذي أصاب بعض العرب أو غالبية الأنظمة العربية بالسعار حد الجنون والهيستيريا‮ ‬فيما‮ ‬تقف‮ ‬هذه‮ ‬الأنظمة‮ ‬موقفاً‮ ‬مختلفاً‮ ‬من‮ ‬القدرات‮ (‬النووية‮ ‬الصهيونية‮)‬؟‮!!‬
عام‮ ‬1955م‮ ‬قدمت‮ ‬فرنسا‮ ‬وبدعم‮ ‬ومباركة‮ ‬الدول‮ ‬الغربية‮ ‬وأمريكا‮ ‬مفاعلاً‮ ‬نووياً‮ ‬متكاملاً‮ ‬للكيان‮ ‬الصهيوني‮ ‬هو‮ ‬ماعرف‮ ‬بمفاعل‮ (‬ديمونة‮) ‬ولم‮ ‬يحل‮ ‬عام‮ ‬1960م‮ ‬إلا‮ ‬وكان‮ ‬الكيان‮ ‬الصهيوني‮ ‬يمتلك‮ (‬20‮ ‬قنبلة‮ ‬نووية‮)..!! ‬
لم نسمع نظاماً عربياً يتخذ موقفاً مناهضاً للقدرات النووية الصهيونية باستثناء نظام الرئيس الخالد جمال عبدالناصر الذي بدأت مصر في عهده وتحديدا عام 1956م بتأسيس مركز الأبحاث النووية ونعرف ويعرف العالم كيف حوربت مصر عبدالناصر وكيف تآمر على هذا القائد العربي الأصدقاء قبل الأعداء، ولم تمر فترة طويلة بعد رحيل الرئيس ناصر حتى تم إخراج مصر من معادلة الصراع مع العدو وابرمت اتفاقية (سلام) هي في الحقيقة (استسلام) مهما حاول البعض التطبيل لتلك الاتفاقية، فبدت العراق تتجه نحو امتلاك قدرات علمية ذات خصائص بحثية متصلة بهذا المجال العلمي الذي ليس بالضرورة أن يكون هدفه امتلاك قدرات عسكرية نووية بقدر ما يتصل بامتلاك قدرات علمية ومعرفية ذات علاقة بالمجالات العلمية المتعددة مثل الطب وصناعة الأدوية وفي مجال الطاقة وتوليد الكهرباء، ومع ذلك أقدم الكيان الصهيوني وأمام ومرأى من العالم‮ ‬باستهداف‮ ‬العراق‮ ‬وضرب‮ ‬المفاعل‮ ‬النووي‮ ‬العراقي‮ ‬ومركز‮ ‬الأبحاث،‮ ‬قبل‮ ‬أن‮ ‬يتم‮ ‬تدمير‮ ‬العراق‮ ‬وكل‮ ‬قدراته‮ ‬ليعود‮ ‬العراق‮ ‬إلى‮ ‬الوراء‮ ‬نصف‮ ‬قرن‮..‬؟‮! ‬
بعدها تمت إثارة زوبعة حول قدرات ليبيا وسورية وتكالب العالم بما في ذلك غالبية الأنظمة العربية مطالبين كلاً من (دمشق وطرابلس الغرب) بالتخلص من كل قدراتهم المتصلة بهذا الجانب بل والتخلص من المعدات والأجهزة البحثية المتصلة بهذا الجانب وهذا ما حدث..؟!!
المؤسف‮ ‬أن‮ ‬زوبعة‮ ‬ولو‮ ‬محدودة‮ ‬واعتراضات‮ ‬وانتقادات‮ ‬ولو‮ ‬عابرة‮ ‬أو‮ ‬موسمية‮ ‬لم‮ ‬تحدث‮ ‬تجاه‮ ‬القدرات‮ ‬النووية‮ ‬الصهيونية‮ ‬التي‮ ‬تمتلك‮ ‬اليوم‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬450‮ ‬قنبلة‮ ‬نووية‮..‬؟‮! ‬
لا أحد اعترض أو يعترض أو دان أو عبر عن رفضه للقدرات النووية الصهيونية أو طالب بإزالتها أو التخلص منها، أو حتى إخضاع هذا الكيان ومفاعلاته لسلطة وكالة الطاقة الذرية التي دمرت قوانينها مصر وسورية وليبيا وقبل كل هذه الدول كانت العراق ضحية نفاق هذه الوكالة الدولية التي لم تجرؤ يوماً في مطالبة الكيان الصهيوني بالخضوع لقوانينها بل إن هذا الكيان هو الكيان الوحيد في العالم الذي لم يوقع اتفاقاً ملزماً ولم يلتزم بقوانين وأنظمة الوكالة الدولية رغم أنه منح عضويتها ولديه مندوبون وممثلون فيها ويتابع أنشطة الوكالة وعلاقتها مع بقية الدول الأعضاء فيها في جميع قارات العالم ويطلع على أدق التفاصيل السرية المتصلة بعلاقة الوكالة مع هذه الدول في مختلف القارات دون أن يكون خاضعاً لقوانين الوكالة أو يحترم قوانينها أو مطبقاً لتعاليمها..؟!
حين كانت الوكالة تعبث بالمشهد العراقي كان مسئولو الوكالة يقومون بزيارات دورية لهذا الكيان وينقلو له كل التفاصيل المتصلة بالعراق وبرامجه واسلحته، وهكذا فعلوا مع ليبيا ومع سورية واليوم تفعل الوكالة ومسئولوها الشيء ذاته مع الملف النووي الإيراني..؟!
طيب‮ ‬إذا‮ ‬افترضنا‮ ‬أن‮ ‬الوكالة‮ ‬هذه‮ ‬صهيونية‮ ‬غربية‮ ‬استعمارية‮ ‬وبنت‮ ‬ستين‮ ‬كلب‮..‬؟‮! ‬
ألا يفترض أن يكون لدى النظام العربي رؤية وموقف من القدرات النووية الصهيونية وان يخصص لها ما نسبته حتى 10٪ من موازناتهم التي خصصت لشيطنة البرنامج النووي الإيراني؟ وان يفتحا في وسائل إعلامهم المختلفة مساحة ولو نسبية تخصص للحديث عن القدرات النووية الصهيونية..؟‮! ‬
لماذا‮( ‬تشيطن‮ ‬إيران‮) ‬عربياً‮ ‬ويترك‮ (‬الشيطان‮) ‬الأساسي‮ ‬بعيداً‮ ‬لا‮ ‬يقترب‮ ‬منه‮ ‬أحد‮ ‬من‮ ‬فرسان‮ ‬الخيبة‮ ‬العربية‮..‬؟‮! ‬
لست متشيعاً لإيران وان كنت أحترم سيادتها ومشروعها الاستراتيجي وتطلعاتها المشروعة في تحقيق طموحاتها الوطنية والاستراتيجية وهذه التطلعات حق مشروع لكل دولة ذات سيادة تسعى للانتصار لمشروعها وتحقيق أهدافها الوطنية وكنت أرجو أن أرى أي دولة عربية لديها رؤية ومشروع‮ ‬نهضوياً‮ ‬يتجاوز‮ ‬المحاولات‮ ‬التنموية‮ ‬السفسطائية‮ ‬التي‮ ‬تتفاخر‮ ‬بها‮ ‬بعض‮ ‬الأنظمة‮ ‬العربية‮ ‬وتستخدمها‮ ‬كأدوات‮ ‬لتضليل‮ ‬شعوبها‮..!‬
والمؤسف أن النظام العربي الذي يخوض اليوم معركة حضارية ووجودية ضد (إيران) ومشروعها (النووي) وقدراتها العسكرية إنما يقوم بهذه المعركة ويخوض غمارها نيابة عن الكيان (الصهيوني) ومحاور النفوذ الاستعمارية مخاطراً بهذا السلوك بكل تخومه الجيوسياسية وعلاقة الجوار والشراكة الحضارية والثقافية التي تجمع المكونات العربية بدول الجوار التي يرتبط أمنها القومي بالأمن القومي العربي ارتباطاً وثيقاً ناهيكم عن شراكة الجغرافية والتاريخ والقيم العقائدية والثقافية المشتركة الأمر الذي يحتم على النظام العربي إعادة ترتيب أولوياته بما يتسق مع مصالحه الوجودية، لكن إذا كان النظام العربي المعني بكل هذه الحقائق قد فرط وتخل عن كل مقومات الأمن القومي العربي ذاته وعمل خلال السنوات القليلة الماضية على نحر أبسط مقومات هذا الأمن الذي يمثل تجاهله والتنكر له مخاطر جسيمة سوف يحصدها هذا النظام بصورة‮ ‬فردية‮ ‬أو‮ ‬جماعية‮ ‬عاجلاً‮ ‬أو‮ ‬آجلاً‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬نغفل‮ ‬حقيقة‮ ‬أن‮ ‬هذا‮ ‬النظام‮ ‬يدفع‮ ‬اليوم‮ ‬ثمن‮ ‬هذا‮ ‬التنكر،‮ ‬فإن‮ ‬الرابح‮ ‬الوحيد‮ ‬يكون‮ ‬هو‮ ‬العدو‮ ‬الصهيوني‮..‬
هذا العدو الذي يحتل أرضاً عربية مقدسة ويقتل ويعربد ويدوس على كل القرارات الدولية وعلى الشرعية الدولية التي ليس لها أثر في قاموس هذا العدو الذي جعل من النظام العربي وهو العدو المفترض له يقف في وجه إيران الدولة الإسلامية وشريكة العرب في الجغرافية والتاريخ بصورة تثير السخرية والاشمئزاز من سلوك النظام العربي المرتهن لأعداء الأمة الحقيقيين، هذا النظام العربي الذي تؤكد سلوكياته ومواقفه الراهنة أنه عدو نفسه وعدو وجوده القطري والقومي وعدو أمنه واستقراره وكل مقومات أمنه وهو عدو حاضره ومستقبله لأنه استبدل عدو الأمة ووجودها بآخر لا يجب أن يكون عدواً للأمة بل رافدا من روافد القدرات المعززة لوجود الأمة والمساهم في إعادة الحقوق العربية المغتصبة من كيان استيطاني إستعماري التطبيع معه خيانة لله ولرسوله ولكل قيم الأمة واخلاقياتها وحقوقها ومقدساتها، عدو لم يكن يوماً مع الله سبحانه وتعالى ولا مع انبيائه ورسله، فكيف له أن يكون وفياً مع بعض الحكام العرب الذين لم يكلفوا أنفسهم إحترام إرادة ورغبات شعوبهم الذين جعلوا منهم مجرد اقنان من العبيد المملوكين لهم والمجبرين قهراً وقسراً وعنوة أن يسبّحوا بحمد هؤلاء الحكام ويباركوا كل جريمة يرتكبونها‮ ‬بحق‮ ‬الأمة‮ ‬ووجودها‮ ‬وحقوقها‮ ‬وبحق‮ ‬حاضرها‮ ‬ومستقبلها‮..!!‬
لقد تخلى هذا النظام العربي عن فلسطين الأرض والإنسان وتنكروا لكل الحقوق العربية المشروعة في فلسطين ومقدساتها بزعم (السلام) المستحيل مع عدو لا يؤمن بلغة السلام ولا يحترم المسالمين الذين يهرولوا إليه بل يتعامل معهم بتعالٍ وسخرية واستهجان حد الازدراء والتحقير‮ ‬ولا‮ ‬يرى‮ ‬فيهم‮ ‬إلا‮ ‬مجرد‮ (‬علوج‮ ‬وأوباش‮) ‬متخلفين‮ ‬خلقهم‮ ‬الله‮ ‬ليكونوا‮ ‬خدماً‮ ‬وعبيداً‮ ‬للصهاينة‮..‬؟‮!‬
كنت سأحترم هذا النظام العربي لو كان فعلاً عربياً كما يزعم رموزه ومهرجه لو كان لديهم مشروع عربي جامع يتعاملون به مع كل الأخطار المهددة لوجودهم القومي وبمواقف متساوية تتساوى فيها مواقفهم من (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) بالتساوي مع مواقفهم مع عدو الأمة الكيان‮ (‬الصهيوني‮) ‬هذا‮ ‬في‮ ‬أقل‮ ‬تقدير‮ ‬إذا‮ ‬افترضنا‮ ‬صحة‮ ‬زعمهم‮ ‬بالخطورة‮ ‬التي‮ ‬تمثله‮ ‬عليهم‮ ‬إيران‮..‬؟‮!‬
لكن ان تصبح إيران هي العدو ومصدر الخطر على (أنظمة العهر العربية) و(الكيان الصهيوني) هو الصديق والحليف المأمون الجانب وكأن إيران هي من تحتل فلسطين وتقتل وتشرد أبناءها وهي من تدنس المقدسات وتنتهك الحرمات وتستبيح الفضاءات العربية..!!
مع العلم ان النظام العربي الذي يقف مناهضا لإيران نيابة عن الصهاينة والأمريكان ومحاور الاستعمار هو من تخلى عن فلسطين وعن شعبها ومقاومته وحقوقه المشروعة وصنفهم كإرهابيين وقتلة لأنهم يدافعون عن حقوقهم ووجودهم، وبقدر جرائم المحتل الصهيوني بحق شعبنا العربي الفلسطيني تأتي جرائم النظام العربي أكثر قبحاً وبشاعة بحق هذا الشعب الذي وقفت إيران إلى جواره وناصرت حقوقه وساعدته ومدته بما تيسر من عوامل ومقومات القوة لكي يواصل مقاومته ويواجه بها عدوه وعدو الأمة.
إذاً‮ ‬من‮ ‬يستحق‮ ‬الاحترام‮ ‬والتقدير‮ ‬إيران؟‮ ‬أم‮ ‬أنظمة‮ ‬الذل‮ ‬والعار‮ ‬التي‮ ‬سيلعنها‮ ‬التاريخ‮ ‬ويلعن‮ ‬الصامتين‮ ‬عليها‮ ‬وعلى‮ ‬مواقفها‮ ‬من‮ ‬اليوم‮ ‬حتى‮ ‬يوم‮ ‬الدين‮.. ‬
دعوني هنا أكُنْ أكثر صدقاً وإخلاصاً بالقول باعتباري قومياً عربياً متعصباً لعروبتي وهويتي القومية ومستعداً أن أقف في صف من يناهض إيران ويعتبرها خطراً وجودياً على أمتنا بشرط وحيد هو أن نقف جميعاً في مواجهة إيران تحت راية مشروع قومي عربي صادق ومخلص للأمة ووجودها وحقوقها، وليس تحت راية المشروع (الصهيوني _الأمريكي _الاستعماري) كما هو حاصل اليوم من قبل أنظمة الذل العربية وابواقها واجرائها الذين لا يخدمون أمتهم ولا اقطارهم ولا أنظمتهم ولاشعوبهم ولا وجودهم الحضاري قطرياً وقومياً، بقدر ما يخدمون المخططات الصهيونية الاستعمارية‮..‬؟‮! ‬
ختاماً‮ ‬اقول‮ ‬إننا‮ ‬نعيش‮ ‬في‮ ‬كنف‮ ‬أسوأ‮ ‬أنظمة‮ ‬عربية‮ ‬حاكمة‮ ‬وأكثرها‮ ‬قبحاً‮ ‬وعمالة‮ ‬وارتهاناً‮ ‬في‮ ‬سابقة‮ ‬غير‮ ‬معهودة‮ ‬في‮ ‬تاريخ‮ ‬أمتنا‮ ‬ولم‮ ‬يعرف‮ ‬لها‮ ‬التاريخ‮ ‬مثيلاً‮ ‬حتى‮ ‬في‮ ‬عهود‮ ‬الاستعمار‮ ‬والأزمنة‮ ‬الغابرة‮..‬؟‮!! ‬

ameritaha@gmail‭.‬com
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:48 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-62522.htm