محمد محمد السادة - لم تكن نيات قيادة تحالف العدوان على اليمن حسنة في سعيها للتهدئة مع صنعاء، وتقديم الهدنة كمبادرة أممية إنسانية، وليس كمصلحة للسعودية وتحالفها، ليتضح أنها مجرد تكتيك يوفر أجواء هادئة عسكرياً وسياسياً وإعلامياً لتحالف العدوان لتنفيذ ورقته الأخيرة المتمثلة باستضافة الرياض ما سُمي مشاورات يمنية، وتتويجها بإزاحة الرئيس غير الشرعي عبد ربه منصور هادي عن المشهد اليمني واستبدال ما يُسمى مجلس القيادة الرئاسي الذي يضم أمراء الحرب من الأطراف والفصائل العسكرية الممولة من الرياض وأبو ظبي به، في محاولة أخيرة لتوحيد صفوف تلك الأطراف المتشظية وإظهارها بثقل أكبر في مواجهتها مع صنعاء التي لم تتردد بدورها في قبول الهدنة، حرصاً منها على تخفيف حدة المعاناة الإنسانية لأبناء الشعب اليمني العزيز جراء استمرار الحصار غير المشروع.
ويتّضح حُسن نيات صنعاء في قبولها الهدنة، رغم افتقارها إلى الآليات التنفيذية لإعادة فتح مطار صنعاء ودخول مشتقات الوقود إلى ميناء الحديدة، وفتح الطرق لمدينة تعز، وهو الأمر الذي مكَّن التحالف من التنصّل والمماطلة في تنفيذ التزاماته في جانبها الإنساني، إضافة إلى خروقاته الهدنة في جانبها العسكري وعدم التزاماته بوقف إطلاق النار.
وبالقدر الذي مثلت الهدنة مصلحة سعودية-إماراتية، فقد مثلت أيضاً مصلحة أميركية - غربية، من خلال ضمان التزام قوات صنعاء بتنفيذ بنود الهدنة، ومنها وقف استهداف العمقين السعودي والإماراتي ومصالحهما الحيوية في البر والبحر، ولا سيما المنشآت النفطية، وبالتالي ضمان عدم تفاقم أزمة إمدادات الطاقة وأسعارها عالمياً، في ظل أزمة الطاقة التي تُعانيها أوروبا جراء العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا وإيقاف إمدادات الطاقة الروسية للدول الأوروبية التي تعتمد عليها بشكل كبير.
كما أنّ الدعم الأميركي للتهدئة في اليمن وإمكانية التوجه نحو تمديد الهدنة يرتبط بحالة التوتر والاستنفار للتحالف الأميركي ضد روسيا، الأمر الذي يستحوذ على كل اهتمام السياسية الخارجية الأميركية، إضافة إلى محاولات إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تجاوز حالة الفتور في علاقاتها مع السعودية والإمارات، والتجاوب مع تزايد المخاوف العسكرية والأمنية لكلا البلدين، جراء تعرضهما لعدد من الضربات العسكرية النوعية التي قامت بها قوات صنعاء مؤخراً.
لم تُحقق الهدنة أغلب بنودها المُعلنة، فقد كانت بالنسبة إلى تحالف العدوان مجرد حاجة لتمرير بعض أهدافه العسكرية والسياسية، إضافة إلى تظليل المجتمع الدولي عبر استخدام الأمم المتحدة ومبعوثها إلى اليمن هانس غراندبرغ، فيما حقيقة الأمر تؤكد مجدداً عدم الاكتراث لما يتسبب به الحصار المستمر من تفاقم لمعاناة الشعب اليمني العزيز، في حين اختزل الجانب الإنساني موقف صنعاء وقبولها بالهدنة، مع إظهارها حُسن نياتها المصحوبة بالإرادة المتوجهة نحو إحلال السلام العادل والشامل، إذ قامت صنعاء من جانب واحد بالإفراج عن الطاقم الأجنبي للسفينة الإماراتية "روابي" التي احتجزتها أثناء قيامها بأعمال عدائية داخل المياه الإقليمية اليمنية، وصادرت شحنتها العسكرية، فيما استمرت قيادة تحالف العدوان في الخداع والتضليل، من خلال استخدام الصليب الأحمر الدولي والأمم المتحدة في تمرير ادعاءاته بالإفراج عن 163 شخصاً من أسرى الجيش واللجان الشعبية لصنعاء، ليتضح للصليب الأحمر الدولي أن المفرج عنهم هم من المواطنين المحتجزين والمختطفين من قبل السعودية، ولا ينطبق عليهم وصف أسرى حرب وفقاً للقانون الدولي الإنساني، وأن عددهم 117 شخصاً، 5 منهم أسرى يتبعون قوات صنعاء.
حتمية فشل ما يُسمى مجلس القيادة الرئاسي
إن ما تُعانيه قيادات الأطراف المكونة لما يُسمى مجلس القيادة الرئاسي ليس ضعفاً ناجماً عن محدودية الإمكانيات المادية والبشرية، بل هو ضعف في القيم والمبادئ والولاء للوطن، فهم كأشخاص مُثقلون بإرث الفشل، ويتعاملون بندية فيما بينهم. وفي إطار الأطراف التي ينتمون إليها والقضية التي يدعون النضال من أجلها، لا يملكون القرار، ويُملى عليهم ما يفعلون، كما أن لديهم ثأرات بينية وحسابات ومصالح متناقضة، ولا يجمعهم شيء سوى الممول السعودي-الإماراتي الذي يُحاول خلق وفرض روابط مصيرية مشتركة لكل أطراف المجلس ومصالحها التي لن تتحقق إلا عبر صنعاء حرباً أو سلماً.
الدعم المالي والعسكري السعودي-الإماراتي المقدم للمجلس لا يقل أهمية عن الدعم السياسي الأميركي-البريطاني، من خلال طرح فكرة المجلس ودفع الأطراف التي تملك السلاح إلى توحيد صفوفها والعمل في إطار المجلس، كما وصل مستوى دعم هذا المجلس إلى درجة أصبحت فيها بريطانيا، حاملة قلم اليمن في مجلس الأمن الدولي، جاهزة بمسودة قرار أممي جديد بدلاً من القرار رقم 2216، لكنها تنتظر اتضاح الصورة للمجلس، راجية أن يُقدم أي مؤشرات نجاح في عمله عسكرياً وسياسياً واقتصادياً على حساب صنعاء، من أجل عكسها في القرار الأممي الجديد، بما يُعزز مواقف تلك الأطراف المكونة للمجلس.
لا يُمكن توحيد صفوف من بلغوا في الفشل عتياً ليقدموا نموذجاً ناجحاً، وإن قُدم لهم كل أنواع الدعم. لذا، إن واقع تشظي الأطراف المكونة للمجلس وإنهاكها وارتمائها مؤشر على صعوبة عملها بانسجام وإدارتها المناطق التي تدعي أنها تحت سيطرتها، ناهيك بقدرتها على تحقيق نجاح عسكري.
كما أنَّ تعارض توجهات الأطراف المكونة للمجلس ومصالحها يحد من فرص استمراره المرتبطة أيضاً بمصالح الممول السعودي-الإماراتي، وبالعلاقة الطردية بين المجلس والممول التي يحكمها مستوى الفشل أو النجاح للمجلس، إذ يؤسس فشل المجلس للتخلي عنه، فيما يؤسس النجاح لعلاقات وثيقة بين الطرفين. إضافة إلى ذلك، إن أي خلافات سعودية-إماراتية ذات صلة باليمن أو على مستوى العلاقات الثنائية ستنعكس سلباً على المجلس وبقائه.
قد يكون تحالف العدوان نجح في تنفيذ ورقته الأخيرة في جانبها الإجرائي الشكلي من خلال مشاورات الرياض وتشكيل ما يُسمى المجلس القيادي الرئاسي، مع توفير دعم مالي واعتراف سياسي دولي به رغم عدم شرعيته.
ومع ذلك، يبدو أن المجلس سيكون المسمار الأخير في نعش ما يُسمى الشرعية ومن يحتضنها، وما على المشككين إلا انتظار حالة الاحتقان والصراع العلني بين أطراف ذلك المجلس الذي ستكون فيه الأطراف المحسوبة على الشمال هي الخاسر الأكبر.
المعطيات السابقة، وما فرضته صنعاء من واقع جديد، ولا سيّما حفاظها على تفوقها الميداني عسكرياً، مع أفضلية في الجانب الأمني والاقتصادي، تجعل ذلك المجلس ورقة أخيرة متأخرة تفقد جدواها، ويمكن النظر إليها كخطوة إلى الوراء تُقر بالفشل العلني للسعودية والإمارات وأدواتهما، الأمر الذي يُعزز مكاسب صنعاء، وإن كان بالقدر ذاته يُشرعن التوجهات الانفصالية ويسرعها.
ختاماً، على صنعاء في تعاطيها مع الدعوات الدولية لإحلال السلام والاستقرار في اليمن والمنطقة أن تستحضر رصيد المكاسب التي حققتها والتضحيات التي قدمتها، فالقبول بمفاوضات مع الأدوات من أمراء الحرب في المجلس المزعوم لا بد من أن يكون مدروساً بعناية، لكونه تنازلاً يمنح الحياة لمجلس أغلب أطرافه تحتضر، بعد أن فشلت وفقدت كل أوراقها، لتصبح اليوم مُجتمعةِ مجرد ورقة أخيرة بيد المشغل الذي لا يقل فشلاً عن أدواته، فبعد 7 سنوات من العدوان على اليمن، استنفدت فيها الرياض كل أوراقها وحلفائها وأدواتها، أصبحت المملكة ومصالحها الحيوية في حالة انكشاف، وفي مرمى استهداف قوات صنعاء. لذا، على الرياض اليوم الإقرار بأنَّ التوجه نحو صنعاء هو أقصر الطرق وأكثرها ضماناً لتأمين مصالحها ومعالجة هواجسها ومخاوفها، ولا سيما الأمنية منها.
|