الميثاق نت -

الإثنين, 27-يونيو-2022
‮ ‬إبراهيم‮ ‬ناصر‮ ‬الجرفي -
‮* ‬نظراٌ‮ ‬لأهمية‮ ‬هذا‮ ‬الموضوع‮ ‬وتشعباته‮ ‬وحتى‮ ‬نعطيه‮ ‬حقه‮ ‬في‮ ‬التوضيح‮ ‬لم‮ ‬نجد‮ ‬بداً‮ ‬من‮ ‬كتابة‮ ‬الجزء‮ ‬الثاني‮ ‬منه‮ ‬والذي‮ ‬نضعه‮ ‬بين‮ ‬أيديكم‮ ‬وهو‮ ‬كالتالي‮..‬
إن الفكر الاستبدادي والتسلطي عندما يسيطر على تفكير الإنسان يتحول إلى منهج حياة ، ولا يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل إن الإنسان وتحت تأثير هذا الفكر لا يتوقف عن صناعة الكثير من المبررات لأعماله وتصرفاته الاستبدادية والعدوانية سواء أمام نفسه أو أمام الآخرين ، فقد يرى المستبد في قتل الآخرين وسفك دمائهم والاعتداء عليهم ونهب أموالهم وانتهاك حقوقهم وحرياتهم جهاداً دينياً مقدساً ، ليمارس استبداده وعدوانيته باسم الله ، وهذا ما يعرف بالاستبداد الديني ، وهو أبشع أنواع الاستبداد على الإطلاق ، لأن المستبد الديني يقوم بتلك الأفعال العدوانية ويظن من عند نفسه أنه ينال بذلك رضى الله وينفذ أوامره وتوجيهاته ، رغم تعارض ما يقوم به مع الشرع الإلهي الوارد في الكتب المقدسة ، وأن ما يقوم به ليس أكثر من آراء واجتهادات وتفسيرات بشرية ، ناتجه عن أشخاص واقعين تحت سيطرة الفكر الاستبدادي ،‮ ‬لينفذوه‮ ‬ويمارسوه‮ ‬باسم‮ ‬الدين‮ ‬،‮ ‬والدين‮ ‬منهم‮ ‬براء‮ ‬وبهذه‮ ‬الطريقة‮ ‬الملتوية‮ ‬حولوا‮ ‬الاستبداد‮ ‬السلبي‮ ‬والعدواني‮ ‬والارهابي‮ ‬إلى‮ ‬استبداد‮ ‬ديني‮ ‬مقدس‮ ..!! ‬
لأن الأديان السماوية التي أنزلها الله تعالى لهداية وخير وصلاح وسعادة البشرية ، من غير الممكن أن تصبح مناهج ووسائل وأدوات استبداد وعدوان وبطش وتطرف وتشدد وارهاب ، والحقيقة أن الفكر الاستبدادي البشري هو من قام بليّ أعناق التشريعات والأفكار السماوية السامية والعظيمة عن طريق تفسيرها وتأويلها وتحويرها بما يتناسب مع منهج وفكر أتباعه وأنصاره ، وليجعل منها وسيلة لممارسة عدوانيتهم واستبدادهم ضد الآخرين وهذه المرة ليس باسمهم ولا من عند أنفسهم بل بإسم الدين ، ولن أبالغ إذا قلت بأن البشرية لم تعانِ ولم تتجرع المآسي والكوارث من أي استبداد بقدر معاناتها من الاستبداد الديني البشري المتطرف والمتشدد ، والذي أصبح يعرف بالاستبداد المقدس (الحروب الصليبية إنموذجاً) ، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد بل إن أتباع الديانة الواحدة لم يترددوا عن ممارسة الاستبداد الديني فيما بينهم بإسم الاستبداد‮ ‬المذهبي‮ ‬والطائفي‮ ..!! ‬
وكذلك الحال بالنسبة للاستبداد الأسري والمجتمعي فلم يتردد الذكر الأب والأخ والزوج عن ممارسة الاستبداد والظلم والقمع ضد الأنثى ، التي أصبحت مع مرور الأيام الضحية الأكثر عرضة للاستبداد الأسري والمجتمعي ، ليصل الحال في بعض المجتمعات الاستبدادية إلى دفن البنات أحياء ، لتدفع الأنثى ثمن طيش ونزوات وغرائز وعنجهية وهمجية الكثير من الذكور خصوصاً القائمين منهم على الفكر الاستبدادي ومؤيديه وأتباعه ، ولم يتوقف الأمر عند ذلك الحد فقد أفقد الفكر الاستبدادي المجتمعي والسياسي الأنثى إنسانيتها وحرمها من حقوقها وحرياتها الانسانية ، لتصبح عبارة عن سبية وغنيمة حرب تباع وتشترى في سوق النخاسة ، ولن إبالغ إذا قلت إن الأنثى كانت وما تزال أكبر ضحايا الاستبداد بكل أنواعه ، حتى أنها لم تسلم من الاستبداد الديني الاجتهادي البشري الذي لم يتردد عن انتقاص شأنها والالتفاف على حقوقها وحرياتها الانسانية التي كفلتها لها الشرائع السماوية ، كما أن الأنثى لم تتردد عن ممارسة الاستبداد بكل صوره ضد بنات جنسها وضد من هم أضعف منها أو تحت رحمتها ، فالفكر الاستبدادي وللأسف الشديد هو من حول حياة البشر إلى جحيم لا يطاق ، وإلى غابة متوحشة القوي فيها يعتدي على‮ ‬من‮ ‬هو‮ ‬أضعف‮ ‬منه‮ ‬ليستبد‮ ‬به‮ ‬ويستعبده‮ ‬ويخضعه‮ ‬لمشيئته‮ ..!! ‬
والفكر الاستبدادي هو نتاج تعاظم نزعة الطمع والجشع والهوس العشق الجنوني للمناصب والأموال والثروات داخل النفس البشرية ، ففي سبيل الحصول على المنصب والجاه والسلطان لا يتردد صاحب هذا الفكر عن ارتكاب أبشع الجرائم في حق الآخرين ، وعن انتهاك حقوقهم ومصادرة حرياتهم ونهب أموالهم ، وليس هناك من حل لذلك سوى اقناع النفس بالابتعاد عن اللهث بعد المناصب والجاه والسلطان ، ولا يصل لهذه القناعات إلا الأنبياء والرسل والحكماء والعقلاء والصالحين ، فعشق السلطة واللهث بعدها وسفك الدماء من أجلها ليست من صفاتهم لا من قريب ولا من بعيد ، فهم قد طلقوا السلطان والمناصب وكل إغراءات الحياة ، وكم ذلك التناقض فيمن يدعون الزهد والإيمان والحكمة وهم لا يتورعون عن القتل والبطش وخوض الحروب وإزهاق الأنفس البريئة في سبيل معشوقتهم المفضلة وهي السلطة ، تحت مبررات قد تكون دينية أو سياسية أو عنصرية أو‮ ‬مناطقية‮ ‬أو‮ ‬طائفية‮ ‬،‮ ‬والحديث‮ ‬حول‮ ‬هذا‮ ‬الموضوع‮ ‬لا‮ ‬يمكن‮ ‬حصره‮ ‬في‮ ‬مقال‮ ‬أو‮ ‬مقالين‮ ‬بل‮ ‬في‮ ‬كتب‮ ‬ومجلدات‮ ‬ولكل‮ ‬مجتهدٍ‮ ‬نصيب‮..‬

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:40 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-62556.htm