حاوره / إبراهيم الحجاجي - تغرق الاسواق اليمنية بالكثير من السلع المهربة والمغشوشة والمقلدة ، نتيجة ممارسات بعض التجار دخلاء المهنة ضعفاء النفوس الذين يريدون تحقيق الغنى والثراء على حساب عموم المستهلكين مع ضعف الرقابة على الاسواق وغياب دعم وتشجيع المنتج المحلي للحد من إغراق السوق المحلية بالمنتجات الخارجية، كل هذه الامور تؤثر بشكل مباشر على المستهلك صحياً وتسبب عدم ثقته بالمنتج الوطني، وهو ما يؤثر إجمالاً على المستهلك والاقتصاد الوطني بشكل عام.
المزيد من التفاصيل والمفردات في هذا الحوار الصريح مع رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك الدكتور فضل مقبل منصور.
* بدايةً حدّثنا عن نشاط الجمعية اليمنية لحماية المستهلك حالياً؟
- الجمعية تعمل بجدية رغم الظروف الصعبة، نتيجة ما تمر به البلاد من حرب وحصار مما تسبب بوضع غير طبيعي في السوق، حيث إن هناك الكثير من السلع سواء كانت غذائية او الكترونية أو ملابس وقطع غيار السيارات أو أدوية وغيرها تملأ الاسواق، الكثير منها مغشوش ومقلد بالإضافة الى أن التهريب انتشر بشكل كبير جداً، وهذا لم يؤثر على المستهلك فقط بل على الاقتصاد بشكل عام.
* فيما يتمثل هذا التأثير؟ وماذا عملت الجمعية لمواجهة ذلك؟
- هناك جوانب متعددة في هذا التأثر.. سواء أكانت صحية ونفسية أو مادية، والضرر بالمستهلك والوطن بشكل عام، واثر على اقتصاديات المستهلك وصحته من خلال شراء سلع أياً كان نوعها إما مغشوشة او مقلدة أو مهربة وأثرت على المستهلك كونه يدفع قيمة السلعة التي اشتراها دون معرفة عواقبها كونها مغشوشة او مقلدة وما سيترتب عليه بعد ذلك، وانتم تشاهدون وتسمعون كم حالات تسممات غذائية او وفيات او حوادث سيارات او حريق بسبب أجهزة كهربائية وكم وكم ، وهذه الحالات اسبابها الغش والتقليد والتهريب ، والجمعية سعت جاهدة لمواجهة ذلك من خلال إقامة العديد من الدورات التدريبية والبرامج التوعوية وورش العمل لمختلف القطاعات والسلطات وإصدار بروشورات وملصقات، واسكتشات إذاعية وانموشن وفلاشات تلفزيونية لمختلف القضايا ، كما تم الاستفادة من وسائل التواصل الاجتماعي ونشر التوعية عبرها وهي اسرع انتشاراً من الإذاعي او التلفزيوني ،هذه كلها لعبت دوراً في التوعية للحد من هذه الاضرار.
* ما المشاكل التي تواجهها الجمعية، وكيف تسير انشطتها في ظل المعوقات إن وُجدت؟
- تواجه الجمعية مشاكل ومعوقات عدة، تتعلق بشحة أو عدم توافر الموارد المالية بما فيها المصاريف التشغيلية للجمعية ، والتي تؤثر سلباً على أدائها بالشكل المطلوب والمؤمل ، لأن الجمعية بحاجة الى تحرك وأعمال توعوية اكبر مما نقوم به حالياً ، لأننا بحاجة الى استمرارية التوعية بشكل يومي واسبوعي وشهري وهذا يتطلب تكاليف مادية حتى على مستوى شبكات التواصل الاجتماعي.. بحاجة الى تكاليف كتصاميم ومونتاج وطباعة واعلانات ممولة ونفقات تشغيلية أخرى وغيرها، خاصة مع توقف الدعم للجمعية منذ 2014م، إلا أن الجمعية نفذت في ظل هذه الظروف الصعبة أعمالاً وانشطة وبرامج مختلفة بما يعادل ما قامت به منذ تأسيسها.
* كيف ترى أو تقيم وضع السوق اليمنية؟
- للأسف هناك فوضى في السوق اليمنية، وهذه اشكالية كبيرة يعاني منها المستهلك، ومن أبرز تلك الاشكاليات عدم التخصص وتدني مستوى الرقابة نتيجة عدم توافر الكادر الكافي والمؤهل في الجهات الرقابية ، لأن الغالبية حالياً غير مؤهلين، كما أن هناك تداخلاً بالاختصاصات والمهام بين العديد من الوزارات وهذا يسبب إرباكاً، حتى صحة البيئة نقلت من تبعية وزارة الاشغال الى تبعية وزارة الصحة دون ان يتم تعديل اللوائح والقوانين وعطل دورها الرقابي على الغذاء استنادا الى قانون الرقابة على الغذاء.
* ما الحل لإيقاف هذه الفوضى من وجهة نظركم؟
- الحل.. يجب إيجاد هيئة رقابية تكفلها تشريعات خاصة وتمنح اختصاصات وصلاحيات أوسع بما فيها الضبط القضائي، وكذلك تعديل الغرامات على المخالفات ورفعها بحسب نوع المخالفة ، وكذلك التنسيق بين كافة الجهات ذات العلاقة لتكاتف الجهود من الجميع حتى نصل الى سوق نقية من كل الشوائب التي تنهك المستهلك والاقتصاد بشكل عام.
* حماية المستهلك ومحاربة الغش والتهريب والتزوير يتطلب العمل من جهات عدة.. ماذا عملت الجمعية لتوحيد الجهود في هذا الجانب؟
- عملنا في الجمعية نوعاً من التشبيك والترابط مع مختلف الاجهزة المعنية، فقد تمت إقامة الندوات وورش العمل المتعلقة بالغش والتقليد التجاري والاستيراد من بلد المنشأ وغيرها إضافة لبرامج التدريب واللقاءات التشاورية للجهات ذات العلاقة وكذلك القضاء التجاري والنيابات والمواصفات والمقاييس والجمارك، حول إنفاذ حقوق الملكية الفكرية وعلاقتها بحماية المستهلك وتكللت تلك البرامج بالنجاح، وجميعها ستؤتي ثمارها في ضبط السوق والحد من الغش والتزوير التجاري، أما التهريب فهو متعدد الأوجه ولم يقتصر على السلع ذات القيمة العالية كما يحدث في بعض البلدان بل التهريب اصبح بكل السلع الغذائية والدوائية وغيرها، وهناك اللجنة العليا للتهريب الا انها غير مفعلة ولم تجتمع وكانت الجمعية عضواً في هذه اللجنة منذ فترة طويلة وتم استبعاد الجمعية من عضوية اللجنة بسبب القضايا والمواضيع التي كانت تطرحها اللجنة.
طبعاً ظاهرة الغش التجاري وغيرها من الممارسات التي تضر المستهلك والاقتصاد لها علاقة بفتح السوق للكثير من السلع الخارجية..
* أنت كمراقب اقتصادي ورئيس جمعية تعمل لحماية المستهلك، هل يمكن أن تلعبوا دوراً بما يسهم في تشجيع الانتاج المحلي للحد من الاستيراد من الخارج على اعتبار ان المنتج المحلي أقرب وأسهل للرقابة؟ أو على الأقل تعزيز ثقة المستهلك بالمنتج المحلي؟
-الإنتاج المحلي يشكل رافاداً اقتصادياً ويساهم بزيادة الناتج المحلي الإجمالي ويخفف من الاعتماد على الخارج لكن هذا يتطلب وضع خارطة بتحديد الأولويات: ماذا نريد ان ننتج، وهل مقومات ومدخلات الإنتاج متوافرة لدينا، وما هي السلع التي نريد زيادة الإنتاج فيها هل الحبوب او البقوليات او الفواكه والخضروات ،هل الثروة الحيوانية الأسماك وغيرها؟ ،وتحديد خطط وبرامج مزمنة وان تكون مدروسة وعدم الاعتماد على العشوائية.. وهذه السلع التي نريد التوسع فيها يجب ان تأخذ بالاعتبار العوامل المناخية والبيئية والمياه سواء الجوفية او الامطار، أو نريد تحقيق الاكتفاء الذاتي دون ان نعمل شيئاً وكذلك تقديم الدعم بمدخلات الإنتاج لكافة القطاعات.. الجمعية تعتبر احد الداعمين للإنتاج المحلي لانه يساهم بخلق فرص عمل كبيرة والحد من البطالة وزيادة الناتج المحلي وتقليل الضغط على العملات الصعبة وتصدير الفائض، ولدينا حملة توعوية فيما يتعلق بالإنتاج الوطني خلال الفترة القادمة، نسعى من خلالها إلى الاسهام بتعزيز ثقة المستهلك بالمنتج الوطني، لأن الكثير من المستهلكين يفضل المنتج الخارجي على المنتج الوطني.
* ما سبب هذه الاشكالية وعدم الثقة من قبل المستهلك؟
- الثقة معدومة لدى الكثير من المستهلكين، ولا أخفي عليك هناك من ضعفاء النفوس هم سبب زعزعة ثقة المستهلك بالمنتج الوطني، نتيجة ما يقومون به من غش وتزوير وتقليد وهذه اشكالية كبيرة جداً، ولو تمكنت جميع الاجهزة ذات العلاقة من ضبط هذه الممارسات غير الاخلاقية وغير الوطنية، وكذا منح المنتج المحلي والمستثمر مزايا في كافة الجوانب، لتعززت الثقة بالمنتج المحلي من قبل المستهلك.
* فيما تتمثل هذه المزايا؟
- مثلاً تخفيض الجمارك والضرائب ولو بشكل جزئي، كما يجب أن تتم إعادة النظر في بعض القوانين ذات العلاقة، لان السلع المستوردة يؤخذ عليها جمارك وضرائب وهي منتج نهائي، بينما مدخلات الإنتاج للصناعة المحلية يؤخذ عليها جمارك وضرائب وضرائب مبيعات وغيرها وهذه تؤثر على التكلفة النهائية للمنتج مقابل ذات السلعة المستوردة، إضافة الى ان الاستثمار يتطلب بيئة وحاضنة متكاملة ومناسبة للمستثمر حتى يتمكن من الانتاج بالشكل المطلوب سواء في الزراعة أو الصناعة.
* اليمن تشتهر بإنتاج بعض المنتجات التي تُعد من أفضل المنتجات على مستوى العالم، مع ذلك السوق اليمنية غارقة بالمنتجات الخارجية من نفس الاصناف، مثل العسل والبن وغيرهما.. كيف يمكن أن نتغلب على هذه المشكلة التي تحارب عدداً من أهم المنتجات الوطنية ذات الجودة العالمية؟
- صحيحٌ ما ذكرت.. لدينا منتجات تضاهي منتجات ذات جودة عالية وشهرة ، وفي مقدمتها البن والعسل، لكن دخلت عملية الغش، مثلاً هناك مستوردون للبن والعسل من الخارج، ويتم خلطه من قبل بعض ضعفاء النفوس، ما يتسبب برداءة المنتج وتراجع ثقة المستهلك والإضرار بسمعة المنتج اليمني عالمياً خاصة العسل والبن، لذلك يجب أن تكون هناك معايير وضوابط ويجب ان يتم تسجيل المؤشرات الجغرافية للمنتج الوطني وكذلك وضع علامة جودة للمنتجات الوطنية وتوصيفها بحسب منشئها الجغرافي على مستوى كل مناطق اليمن، كما أطالب بإنشاء جمعيات بالمناطق المنتجة للعسل او البن وتكون لديها علامات تجارية لهذه السلع التي تنتجها بهدف الحفاظ على جودتها ، حتى نحمي المنتج الوطني من الغش ونحافظ على جودته، ومن خلالها نستعيد ثقة المستهلك ونعزز سمعة المنتج الوطني في الخارج، ويستفيد الاقتصاد بشكل عام.
* رسالة أخيرة تودون قولها؟
- نأمل أن تتوحد الجهود لحماية المستهلك، ودعم المنتج الوطني، خاصة فيما يتعلق بالحبوب والبقوليات ولو على مراحل، وأطالب الجهات المختصة بتشديد الرقابة على الاسواق والمنافذ، والتركيز على موضوع الأدوية، لأن هناك من ضعفاء النفوس من يقومون بتزوير وتهريب الأدوية وهذه كارثة كبيرة، والمفترض أن مهرب أو مزور الدواء يعامل بعقوبة القاتل (القصاص) لأنه يقتل مع سبق الإصرار والترصد، وكذلك مهرب المبيدات الممنوعة والمحرمة دولياً لأنه يقتل الانسان والبيئة والحيوان.
|