الرياض-محمد صالح الجرادي: -
تسارعت خطى المشهد الثقافي السعودي بشكل ملفت خلال السنوات القليلة الماضية، عزز ذلك الحضور المكثف للأندية الثقافية والأدبية في مختلف مدن المملكة وبروز كيانات أدبية منتظمة ومنظمة تنتمي الى معظم حقول الثقافة والابداع.
ويبدو هنا الدور الرسمي لوزارة الثقافة والإعلام واضحاً في اتاحة الفرص أمام الأفكار والمشروعات في هذا الاتجاه، واعتماد الدعم والتمويل والرعاية التي تكفل التأسيس والتواصل واستمرارية الفعل والفاعلية في أداء هذه الكيانات والأندية والمؤسسات.
وتترافق هذه الخطوات مع الاشتغال الملحوظ على تنمية المشروعات الثقافية، والتشجيع على تنمية المشروعات الثقافية، والتشجيع على زيادة اشكالها، والمدوامة على رعاية التقاليد الثقافية الكبرى التي تمثل التتويج المؤسسي لاستمرارية وانتظام وفاعلية وابداع الفعل الثقافي، أبرزها مهرجان الجنادرية، الذي لم نتمكن من حضور دورته الحالية ومعرض الرياض الدولي للكتاب.
^كنت محظوظاً وزملائي من الصحفيين اليمنيين بحضور افتتاح معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته لهذا العام.. كان ذلك على هامش برنامج تدريبي إعلامي أنجزناه في الرياض لمدة ثلاثة أسابيع نفذته وزارة الثقافة والاعلام السعودية والمجموعة السعودية للبحوث والتسويق بمعهد الأمير أحمد بن سلمان للإعلام التطبيقي.
انفتاح ثقافي فكري
^ اللافت في طبيعة الفعالية هو إدراك أهمية أن تكون متميزاً عما هو سابق وقادراً على اثارة الجديد في تقليد سنوي معروف بطبيعته من أنه موسم للكتاب وعرضه.
أعني أن معرض الرياض الدولي للكتاب هذه المرة وصل سقفاً غير مسبوق في عدد العناوين المعروضة والتي تجاوزت الـ500 ألف عنوان.
جل هذا المعروض من المؤلفات يمثل جديد الموضوعات المثارة في مجالات الفكر والثقافة والابداع والعلوم والتكنولوجيا.
وهناك من المعروض ما يؤكد الانفتاح الثقافي والفكري ويبدد الشكوك في استمرار عقبات الرقابة، التي تعيق التواصل والتفاهم الحضاري قبل أن تؤسس المزيد من الانغلاق والجمود والعزلة في فكر وتفكير المجتمعات.
عدد من دور النشر المشاركة في المعرض.. أكدت هذا الأمر.. وأكدت زيادة التسهيلات المقدمة من قبل المعنيين في الحكومة لمشاركتهم في المعرض.. كما لفتت الى مناسبة أسعار الكتب المعروضة في هذه الدورة.
دور النشر السعودية هي الأخرى ظهرت مشاركتها في المعرض على نحو واسع.. وتأكد لي أن تخفيضات سعر الكتاب المعروض بلغ النصف من سعره في المكتبات العامة الكبيرة والثرية التي تنتشر في العاصمة الرياض.. في صورة تعكس تظاهرة قرائية صحية تعيشها، طبقاً لمظاهر الارتياد الكبير لهذه المكتبات الذي لا يبدو أنه أقل شأناً في صورته من ارتياد المحلات والمراكز التجارية.
- وطبيعي أن تدلل مظاهر الاحتفاء السعودي بالكتاب.. رؤية تنطلق من كون الحضارة الاسلامية هي «حضارة الكتاب والمكتبات»، وهو ما أكدته كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز خادم الحرمين الشريفين في افتتاح المعرض، وألقاها نيابة عنه وزير الاعلام والثقافة الدكتور إياد مدني.. «الحضارة الاسلامية هي حضارة الكتاب والمكتبات.. وقد أعلت من شأن الكتاب والثقافة».
^ وفي اتجاه عصري يجري التأكيد على أن الثقافة والكتاب -بحسب الملك عبدالله بن عبدالعزيز- هما الطريق لتحقيق التسامح وحوار الحضارات.
الحوار الثقافي
هذه الرؤية جعلت من معرض الرياض الدولي للكتاب في دورته الجديدة يسجل سبقاً عربياً في اطار تمكين التظاهرات الثقافية الكبيرة من التلاقي والتواصل المباشر مع «الآخر»، أو الثقافات الأخرى.. على طريق التحقيق الفعلي لمقولات ومفاهيم الحوار الحضاري والثقافي.
^«الثقافة اليابانية» كانت ضيف شرف معرض الرياض الدولي للكتاب.. وهذا حدث يحسب للرياض، كونه أنموذجاً لحوار الحضارات، حضرت «الثقافة اليابانية» إرتكازاً على اللغة التي قالت عنها اليابان في كلمتها خلال افتتاح المعرض «أنها الأداة الفعالة للتغلب على الحواجز الثقافية».
^ قدمت اليابان في معرض الرياض نماذج من ثقافتها وعرضتها مترجمة الى العربية، ضمن برنامج ثقافي هو التتويج الفعلي لأيام المعرض الذي انقضت فعالياته نهاية الأسبوع الماضي.
^ وبدا التخطيط لفعالياته وأنشطته ناجحاً بحكم عنايته الشديدة بالموضوعات والقضايا المثارة على صعيد الثقافة والكتاب والقراءة في وطننا العربي.
^ «الثقافة والأنترنت»، «صناعة القارئ»، «الثقافة والمال»، «حوار مفتوح مع الناشرين»، المجالات الثقافية في الوطن العربي»، هذه الموضوعات احتفى بمناقشتها معرض الرياض للكتاب بمشاركة كبار الأدباء والمثقفين والمفكرين العرب.
هذا الى جانب تمييز المعرض بإماطة اللثام عن مسيرة مهمة في الإعلام السعودي هي «صحافة الأفراد» التي ابتدأت بها رحلة الاعلام السعودي منذ منتصف القرن الماضي.
كرم المعرض أعلام هذه الصحافة وروادها ومؤسسيها الأحياء، والراحلين.
كما أطلق أسماءهم على ممرات المعرض.