د. طه حسين الهمداني - مضت أربعة عقود على انطلاق المؤتمر الشعبي العام، التنظيم السياسي الرائد في اليمن، ورغم اتساع مساحة الحديث عن كل ما تحقق في عهد المؤتمر، سوف نركز على أبرز المحطات السياسية.
أولها: انتهاج الحوار طريقاً وأسلوباً لتحقيق المصالحة الوطنية والتحول الديمقراطي والتنمية، ومن نتائجها توقف الحرب في المناطق الوسطى وتحقيق الأمن والاستقرار.
ثانياً: تشكل المؤتمر الشعبي العام من مختلف القوى والاتجاهات السياسية وتم إنجاز الميثاق الوطني والاستفتاء عليه شعبياً لتوسيع قاعدة المشاركة الشعبية، وتنمية الثقافة السياسية، وتحول الأحزاب من العمل السري إلى العمل العلني تحت مظلة المؤتمر الشعبي.
ثالثاً: النهضة التنموية التي شهدها البلد من خلال بسط سيادة الدولة على كامل التراب اليمني، بعد أن كان نفوذ وسلطة الدولة محصورة على عدد من المحافظات؛ وهو ما ساعد على استخراج الثروة النفطية، وكذلك إعادة بناء سد مأرب العظيم، ووضع قواعد صلبة لجيش وطني قوي، وتكريس استقلال القرار السياسي وبناء علاقات متوازنة مع الدول الشقيقة والصديقة.
وأسهمت هذه السياسة الوطنية في إرساء إنجازات ومشاريع في مجالات التعليم والصحة والبنية التحتية.
رابعاً: إجراء انتخابات: محلية وبرلمانية كانت بداية لتأسيس برلمان منتخب من الشعب بصورة ديمقراطية حرة ونزيهة.
خامساً: أتاح للمنظمات الجماهيرية، من اتحادات طلابية وعمالية وجمعيات تعاونية ومنظمات نسوية، حرية التشكل والتكوين
والنشاط بحرية، في إطار نظرية العمل السياسي الميثاق الوطني وبرنامجه السياسي، وباتت منظمات المجتمع المدني سمة بارزة للمشاركة في التنمية الشاملة والعمل الوطني.
سادساً : أما المحطة المهمة والرئيسة، فهي الانتقال من حالة الصراع والاحتراب مع الشطر الجنوبي من الوطن إلى مرحلة الحوار والشراكة ورعاية المصالح المشتركة، والتي تزامنت مع إعادة تحقيق وحدة الوطن، وقيام الجمهورية اليمنية في مايو 1990م.
لقد حرص المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني، كحزبين حاكمين في ذلك الوقت، على إصدار القوانين المنظمة لذلك؛ لتهيئة البيئة المناسبة للتمكين ومشاركة المجتمع المدني، بما فيها الاهتمام بمشاركة المرأة في العمل السياسي والحزبي والجماهيري.
وأسهمت الأحزاب والمنظمات في الاهتمام بقضايا التنمية بمختلف أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد.
سابعاً : تنظيم الانتخابات النيابية لثلاث دورات انتخابية بحرية ونزاهة وشفافية، ودورتين للانتخابات الرئاسية التنافسية، وتمت برقابة شعبية محلية واقليمية ودولية وكانت محل اشادة المنظمات الدولية التي صنفت تجربة اليمن ضمن الديمقراطيات الناشئة وأن تجربتها فريده ومتميزة على مستوى الدول النامية.
ثامناً : اتاح توسيع قاعدة المشاركة والانفتاح الديمقراطي وازدهار حرية الصحافة والفكر والإعلام وإنشاء القنوات الفضائية والإعلامية الخاصة، ناهيك عن مئات الصحف والمجلات التي صدرت بعد قيام الجمهورية.
تاسعاً : جرت إصلاحات دستورية بتحديد فترة الرئاسة بدورتين انتخابيتين واقرار قانونية الفصل النسبي بين السلطات، واعتماد نظام اللامركزية الإدارية والمالية ومنح السلطات المحلية صلاحيات واسعة في الحكم وإجراء انتخاب المجالس المحلية. وتزامن ذلك مع تحديث الخدمة المدنية وتبني عدد من الاستراتيجيات في مجال الخدمة والأجور والمرتبات وإصلاح التعليم والقضاء، وتبني منظومة للرقابة، ومنها هيئة مكافحة الفساد واللجان العليا للرقابة على المناقصات.
عاشراً : كما تمكن المؤتمر الشعبي العام، في فترة توليه السلطة، من إرساء علاقات عربية ودولية تقوم على الاحترام وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، وتبادل المصالح المشتركة والعمل الجاد لتسوية النزاعات الحدودية مع الدول الشقيقة من خلال التفاوض، سواء مع سلطنة عمان أو المملكة العربية السعودية أو أريتريا.
كما ان اليمن اصبح عضواً فاعلاً في الجامعة العربية والاجتماعات على مستوى القمم العربية. واتسم طرح القيادة بالقوة والشجاعة في معالجة القضايا العربية. وتفاعل اليمن مع البيئة الدولية، ونسج شراكات مهمة في محاربة الإرهاب والتطرف والحركات المشبوهة في الداخل.
أحد عشر: التعامل بحكمة مع الأزمات
وهنا لا بد من الإشادة بحكمة قيادة المؤتمر والتي كان لها الأثر الكبير في احتواء تداعيات أحداث العام 2011م عبر التعامل المرن مع القوى المطالبة بالتغيير، ومن ورائها أحزاب اللقاء المشترك من خلال الاستجابة لمطالبهم، وتقديم المبادرات، والدعوة للحوار والشراكة في الحكومة، وتقديم إصلاحات أساسية لتغيير النظام. ولكن، للأسف، قوبلت تلك المبادرات والتنازلات بالتعنت والمغالاة في رفع سقف المطالب، لحد انعدام الثقة بين السلطة والمعارضة من ناحية، وبين تبني هذه المعارضة لأجندة خارجية لم يكن من بين اهدافها الإصلاح والتغيير؛ وإنما فقط هدم النظام وإسقاط الدولة.
وعلى الرغم من كل مبادرات الرئيس وقيادة المؤتمر، إلا أنه للأسف تعثر الانتقال السياسي السلس للسلطة.
وبضوء معطيات الواقع الجديد في البلد والتغيرات الدراماتكية التي شابت المشهد السياسي اليمني وهنا لا بد من تأشير ابرز التحديات التي تواجه المؤتمر الشعبي العام، ويمكن تاطيرها بصورة مختصرة على النحو التالي:
* بعد أحداث ديسمبر فرضت المسؤولية على جميع قيادات وفعاليات المؤتمر العمل على مواجهة الانقسام والتشظي نتيجة الأزمة والحرب، والحفاظ على الوحدة التنظيمية للمؤتمر.
رغم أن انخراط بعض قيادات المؤتمر في مجالس سياسية وتكتلات، دون التشاور مع قياداته اسهم بلا شك في اضعاف الثقة وتباين المصالح بين بعض قيادات المؤتمر.
ولا بد من ملاحظة ان وضع بعض قيادات المؤتمر ظلماً ضمن دائرة العقوبات الدولية دفع بمفاصل قيادية الى الانكماش والبقاء في محطة الانتظار.
ان استمرار استهداف المؤتمر الشعبي العام وقياداته، سواء من قبل الأحزاب والمكونات التي تبنت احتجاجات العام 2011م أو من المؤتمريين الملتحقين بهم قد ألحق ضررا في محدودية قدرة المؤتمر على الحركة والنشاط في بعض المحافظات لأسباب معروفة ومتعددة.
كما أن جمود علاقات المؤتمر الشعبي العام على المستوى الخارجي ومحدودية حركته كان له ابلغ الأثر في عدم القدرة على استيعاب وضع المؤتمر ومعرفة مواقفه والحصول على الاسناد السياسي من الخارج بسبب انه لم يعد في السلطة.. مثلما أنه لم ينتقل إلى المعارضة نتيجة لمشاركة بعض قياداته الصورية في السلطة بالداخل أو الخارج، كل ذلك القى بضلاله على القدرة على النشاط وحد من تطور مشاركته في الحوارات والنقاشات التي تدور في كواليس السياسة الاقليمية والدولية حول القضية اليمنية.
وفي الختام فإنه لا بد من الاعتراف بضعف تحالفات المؤتمر الداخلية والخارجية مما شكل عقبة امام اشراكه بقوة في اية تسويات كطرف اساسي، لأننا نعيش اليوم في عصر التحالفات وحسب قول مفكر كويتي قل لي من هم حلفاؤك اقول لك اين موضعك!!.
ومع كل هذه التحديات والمعوقات إلا أن آفاق المستقبل امام للمؤتمر كبيره لعدة أسباب، أبرزها:
* مازال المؤتمر يحظي بشعبية كبيرة فى أوساط الجماهير ويمتلك قاعدة عريضة، سواء في عموم محافظات الجمهورية أو في خارج الوطن.
*لأنه اختار قيادة جديدة لديها مؤهلات ورصيد جماهيري، إضافة إلى امتلاكها خبرة تنظيمية.
* المؤتمر بمثابة حزب وسطي يحظى بالمقبولية الداخلية واحترام إقليمي ودولي.
* يتمتع المؤتمر بعلاقات طيبة مع جيرانه ويحظى باحترام وتقدير المجتمع الدولي للمؤتمر
كتنظيم سياسي ولاؤه لله ثم للوطن، وليس مرتبطاً بأجندة خارجية مشبوهة.
* حزب يتصف بالوسطية والاعتدال، ويحارب التطرف والإرهاب وينبذ التعصب المناطقي والسلالي والطائفي والقروي.
* المؤتمر شريك أساسي في المبادرة الخليجية التي تعد إحدى المرجعيات الأساسية للتسوية السياسية.
* يملك رصيداً نضالياً، وحقق الكثير من الإنجازات ، وفي مقدمتها الوحدة والديمقراطية والتعددية السياسية.
الخاتمة:
هل يمكن لقيادة المؤتمر دراسة تلك التحديات والوقوف أمامها بجدية، وإدراك المخاطر المحدقة بالمؤتمر والوطن، وتغليب المصلحة الوطنية كما عهدنا المؤتمر، والسعي لمحاولة التغلب عليها وايجاد حلول لها، في ظل الوضع الحالي وتحويل الأزمات الى فرص ثم إلى عوامل نجاح يمكن البناء عليها وتطويرها، وخاصة في ظل فشل الحركات الدينية والإرهابية والمتطرفة من ناحية، وعدم قدرتها على الحكم وإدارة الدولة من ناحية أخرى.
وفي إطار بحث المجتمع الدولي والقوى المؤثرة في المشهد السياسي عن منقذ لليمن، باستطاعة المؤتمر إعادة التوازن للبلاد، بعيداً عن التطرف والإرهاب والعنصرية البغيضة.
عند امتلاك الرؤية الوطنية الواقعية ورسم خارطة طريق يمنية، فلا مستحيل في السياسة؛ فالحركات الحرة والأحزاب التي لها رصيد شعبي وقبول وطني وإقليمي قادرة على إنجاز مرحلة التغيير والعبور بالوطن إلى شاطئ السلامة.
|