الميثاق نت - تقرير- جمال الورد: - تطل علينا خلال هذا الشهر المجيد، الذكرى الستون لثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م التي أسقطت عرش الحكم الإمامي البائد، في الوقت الذي تعيش اليمن ظروفا بالغة الصعوبة اليوم في مختلف المجالات، جراء الحرب والعدوان والحصار المفروض على بلادنا منذ 26 مارس 2015، واستمرار التآمر على ثورة 26 سبتمبر الخالدة، وسط تمسك بالثورة وقيمها رغم كل الأوجاع.
ويحتفي الشعب اليمني سنويا بالثورة إحياء لدماء الشهداء الأحرار وأرواحهم التي بذلوها في سبيل التحرر من العبودية والظلم والجهل والتخلف إلى الحرية والتعلم والبناء.
وبالتزامن مع حلول هذه الذكرى العظيمة التي تعتبر ثورة سبتمبر عام 1962م، حدثًا مفصليًا في تاريخ اليمن الحديث، حيث تم استبدال نظام الإمامة الملكي بالنظام الجمهوري، ولما لهذا الحدث من تأثيرات على اليمن والعالم العربي، يأتي مقالنا عن الكتابات التاريخية العربية والأجنبية عن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 1962م وما تلاها من حرب إلى عام 1967م، بحيث اخترنا نماذج عربية وأخرى أجنبية نستقي من أسطرها أحاديث حول الثورة.
أولاً: الكتابات المصرية عن ثورة سبتمبر وأحداثها
وبحسب المصادر المتاحة اخترنا كتاب عبدالناصر وحركة التحرير اليمني لفتحي الذيب الذي تناول فيه الثورة اليمنية، وكذلك كتاب خريف الغضب لحسين هيكل الذي تناول في أحد فصوله الثورة اليمنية وهي على التوالي:
كتاب عبدالناصر وحركة التحرير اليمني لـ فتحي الذيب: كلّف فتحي الذيب من القيادة المصرية بعمل دراسة عن اليمن عقب نجاح ثورة تموز/يوليو عام 1952م، وعلى إثر ذلك قام بزيارة اليمن مرات عدة بين أعوام 1954-1957م، حيث أرخ للفترة التي سبقت الثورة، فقد ادعى ارتباطه بالعديد من القوى اليمنية الوطنية، كما يذكر تواصله الشخصي مع العقيد أحمد الثلايا وتخطيطه لانقلاب 1955، وقد تم تعيين أنور السادات مسؤولاً عن الملف اليمني عشية الثورة، وعيّن فتحي الذيب سفيرًا لمصر في سويسرا، وبذلك ابتعد عن المشهد اليمني.
ورغم ابتعاده عن المشهد اليمني إلا إنه بقي على اتصال مع رواد الثورة كما يزعم، ويسرد أحداث ثورة سبتمبر دون أن يشير إلى أي مصدر، مركزًا على دور مصر في نجاح الثورة، وينفرد بأن عبدالرحمن البيضاني نائب أول رئيس يمني أخذ على عاتقه جمع مبايعات القيادات الوطنية اليمنية لتعين السلال رئيسًا، وهذا ينافي الواقع والمصادر التي تناولناها، كما أن ارتباط حركة الثلايا بمصر انفرد بها الذيب عن المصادر الأخرى التي لم تذكر أي شيء من هذا القبيل. وقد يكون اعتمد فتحي الذيب على تسريبات أو أخبار الصحف عند تدوينه لهذا الكتاب.
كتاب خريف الغضب لـ محمد حسنين هيكل:
تناول محمد حسنين هيكل الثورة اليمنية في كتابه خريف الغضب، حيث يبدأ بالسرد بأن السادات تسلم رسالة من الضباط الأحرار يخطرونه بأنهم يخططون لانقلاب على الإمام، ويستبدلونها بجمهورية على النمط المصري، وقد أوصل السادات الرسالة إلى عبدالناصر، ويقول بأن عبدالناصر كان مترددًا إلا أن السادات أقنعه بذلك، ثم يسرد أحداث الثورة من وفاة الإمام أحمد إلى الانقلاب على ابنه البدر، ويشير الى أن قائد الثورة هو الملازم علي عبدالمغني وقد لقي مصرعه في أول صدام مع الملكيين، حيث قال هيكل بأنه عبد المغني قد قتل في (صاعدة) العاصمة القديمة في أقصى الجنوب، ولا توجد منطقة في اليمن بهذا الاسم أو عاصمة قديمة بهذا المسمى، كما أن علي عبدالمغني لم يكن قائد الثورة كما أشار هيكل في كتابه.
ثم يواصل هيكل حديثه بأن الحرب في اليمن أدت إلى إفساد الأجهزة المصرية التي شاركت في إدارتها، ويعلق بأن هذه الحرب أضرت بمصر وشخصية عبدالحكيم عامر ونفوذه، وأن المستفيد الأول منها هو السادات الذي استطاع الصعود إلى الواجهة.
ويتضح لنا أن هيكل لم يكن يعرف عن ثورة اليمن إلا ما وصل إليه من وقائع تخص السادات، ومن الواضح أيضًا بأنه لا يعرف جغرافية اليمن، ولم يشر إلى المصادر التي استقى منها، وقد زج بالثورة اليمنية في خضم ما يريده هيكل أن يرمي به السادات بعيدًا عن الموضوعية.
الكتابات الأجنبية عن ثورة سبتمبر وأحداثها
حاولنا أن نختار كتابات تمثل الأقطاب السياسية على الساحة الدولية، ممثلة بالاتحاد السوفييتي والغرب، فكتاب التطور السياسي للجمهورية العربية اليمنية 1962-1985 لـ يلينا جوبوفساكايا مثل الرؤية السوفييتية لثورة اليمن، بينما كتاب اليمن الثورة والحرب حتى عام 1970 للبريطاني إدغار اوبلانس فقد مثل الرؤية الغربية لثورة اليمن.
كتاب التطور السياسي للجمهورية العربية اليمنية 1962-1985م لـ يلينا جوبوفساكايا:
تعد يلينا من الباحثين الروس الذين اهتموا باليمن دراسة وبحثًا، وقد ركزت في كتابها على الجانب السياسي والاجتماعي لليمن، واعتمدت على وثائق باللغة العربية واللغة الروسية واللغات الغربية ووثائق الحكومة اليمنية، وكذلك على مجموعة خطب وأحاديث صحفية لشخصيات سياسية بارزة، كما أنها زارت اليمن وقامت بعمل لقاءات مع شخصيات سياسية واجتماعية وممثلي الصحف وذلك مطلع الثمانينيات.
انطلقت يلينا في كتابها من قوانين ماركسية فقد قسمت المجتمع اليمني إلى أربع طبقات: الطبقة العليا للهاشميين وهم الحكام، ثم طبقة القضاة والعلماء، ثم طبقة شيوخ القبائل وأفرادها، ثم طبقة العبيد والأشخاص الذين يمتهنون الحرف والمهن المحتقرة ، ويعتبرون أدنى طبقة في السلم الاجتماعي، ثم تناولت وسائل الإنتاج، فترى بأن نمط الإنتاج الإقطاعي هو ما سيطر على اليمن الشمالي بينما الساحل اليمني فقد ظهر به طبقة برجوازية، ثم قسمت القبائل ما بين زيدية وشافعية وهذا مخالف للواقع، حيث إن القبيلة الواحدة بها أكثر من مذهب. ثم تناولت تكون الأحزاب ابتداءً من الحزب الماركسي وانتهاءً بالحزب الناصري، رغم أن معالم الأحزاب في تلك المرحلة لم تكن واضحة المعالم ولم يكن الوعي بها قد وصل إلى إدراكها في اليمن، وتطرق إلى إضراب حدث عام 1962م ضد البعثة الأمريكية لهيئة التنمية الدولية المنفذة لمشروع طريق صنعاء تعز، وتضيف بأن الإضراب كان من نقابة العمال، وبحسب اطلاعنا لم تذكر الكتب التي تناولناها عن اضراب أو نقابة بل كيف تتكون نقابة للعمال ولا توجد حكومة ووزارات أو مصانع كبيرة في تلك المرحلة، وقد يعود استخدامها لمصطلح نقابة العمال يعود إلى خلفيتها أو تأثرها بالفكر الاشتراكي الماركسي.
وصفت ثورة 26 سبتمبر بالانقلاب الثوري، وتوضح بأن الثورة لم تقض على النظام الإقطاعي وإن دعت إلى ذلك، وتضيف بأن حكومة الثورة أتاحت نمو رأسمال الخاص على حساب رأس المال العالم، كما تذكر بأن الحكومة اهتمت بالمسائل الدينية لجذب القبائل والفئات السكانية الأخرى، وقد غفلت عن أن المجتمع اليمني بجميع فئاته مجتمع متدين، وتناولت مجلس قيادة الثورة المكون من تسعة أعضاء من حيث وضعهم الاجتماعي، بحيث أن أربعة من الأعضاء من أسر فلاحية، وعضوان من الأسر الهاشمية، وعضو من أسرة برجوازية، والأخرين من أسرة بروليتارية، وقد بنت هذه المعلومات من خلال لقاءاتها مع الشخصيات الاجتماعية التي عاصرت الحدث.
ومن الجانب الديني فقد بحثت عن الانتماء الديني لأعضاء حكومة الثورة، فوجدت التساوي بين الزيود والشوافع، وترى أن الثورة نفذتها الطبقة الوسطى التي حصر الكثير من المنتمين لها على تعليم خارج اليمن
وما بين ثنائيات الرجعية والتقدمية والتحررية والإمبريالية قسمت الكاتبة الدول حسب هذه المصطلحات الاشتراكية، حيث أن الدول التقدمية (مصر- سوريا- الاتحاد السوفييتي- الدول الاشتراكية) قد دعمت الثورة اليمنية منذ انطلاقها، بينما الدول الرجعية (المملكة العربية السعودية- المملكة الأردنية الهاشمية- فرنسا- بريطانيا- أمريكا) عادت الثورة اليمنية وتستدل على العداء من صحف فرنسية وبريطانية وأمريكية. كما أن حرب اليمن قسمت المنطقة بحسب المصطلحات الاشتراكية بين دول رجعية أو تقدمية.
وقد وضعت الكاتبة فرضية دون اختبارها وهي أن القبائل الزيدية قاتلت مع الملكيين والقبائل الشافعية قاتلت مع الجمهوريين، لذلك حادت عن الموضوعية، حيث إن القبائل اليمنية بمختلف مذاهبها تسيرها المصلحة المادية وليس المذهبية كما طرحت، حيث أن هناك مذاهب زيدية ناصرت الثورة، كما قسمت التيارات التي تشكلت منها الحكومة بعد انقلاب الخامس من نوفمبر عام 1967، ما بين تيار يميني يمثله القبيلة والاسلاميين، وتيار يساري يمثله الضباط المنتمون إلى الماركسية والقومية.
وترى الكاتبة بأن البنيات الاجتماعية لم تتغير بعد الثورة، وكذلك وسائل الإنتاج التي تحسنت لكنها لم من تخرج من إطارها التقليدي، ونجد أن دراسة يلينا كانت نوعية حيث عملت على ربط البنى الاجتماعية مع التيارات السياسية والعلاقة بينهما، وكيفية بناء دولة اليمن الحديث على إثر ذلك.
كتاب اليمن الثورة والحرب حتى عام 1970م لـ إدغار أوبلانس:
عمل إدغار أوبلانس بالصحافة، وقد جذبته أحداث اليمن (ثورة سبتمبر)، وقد اعتمد على المصادر التقليدية وكذلك المشاهدات الحية والمقابلات حيث قد زار اليمن عام 1948، وعاد إليها مرة أخرى بعد الثورة عام 1966، بدأ كتابه بدراسة أسس المجتمع اليمني تحت حكم الإمامة إلى عام 1962، حيث شمل طبقات المجتمع ومذاهبه في الريف والمدن، ثم تدرج إلى النظام الاقتصادي والسياسي والعسكري في اليمن، وانتقل إلى دراسة جذور الحركة الوطنية وكيفية الوصول إلى لحظة الثورة، وحاول دراسة أسباب الحرب الأهلية والقوى الداعم لها ومن ثلم تأثير ثورة اليمن وحربها على المنطقة وتحديدًا جزيرة العرب، وأخيرًا تناول انتصار الثورة، وقد تميز الكتاب بإفراد فصل خاص بدراسة وتقييم الشخصيات المؤثرة في الثورة وفصل أخر للقوى السياسية والاجتماعية.
تناول أوبلانس عادات ومعتقدات الشعب اليمني وهي من خلال ملاحظاته التي شاهدها، وقد أطلق صفة تعميمية كررها في العديد من الصفحات، ورغم أن الصفات نسبية وليست مطلقة، وقد يعود ذلك إلى أن المؤلف لا يعرف الكثير عن اليمن.
لم يستطع الكاتب أن يتخلى عن خلفيته البريطانية فكما هو واضح من كتابه، فقد بالغ في الدور الذي لعبته مصر في الثورة اليمنية، وكأن المؤلف يقول بأن الثورة من صنع عبدالناصر ورجاله، ويعود ذلك إلى نظرة بريطانيا تلك الفترة إلى خطر عبدالناصر على مصالحها في المنطقة، وبالرغم أن أوبلانس أسهب في الحديث عن الحركة الوطنية وتطورها - أخطاء في تأريخ بدايتها حيث اعتبر نشأتها عام 1944 وهي تعود إلى ثلاثينيات القرن الماضي - وتجسدت ثمرتها بنجاح ثورة السادس والعشرين من سبتمبر، إلا إنه سحب الأمر برمته إلى الدور المصري الذي ساند ودعم الثورة.
ويذكر المؤلف أن ميزانية الجيش المصري المتواجد في اليمن قد تكفلت بها الحكومة اليمنية وذلك عبر المنح والقروض من الدول الصديقة والاشتراكية ، وما طرحه ينافي الواقع، حيث إن ميزانية الجيش المصري كانت على الخزانة المصرية ويذكر المؤلف الأمريكي دان هوفتشادر "أن مصر عام 1967، هددت بسحب ما كان قد تبقى لها من قوات في اليمن ويبلغ 25 ألف جندي مالم يشارك النظام الجمهوري في تكاليف ونفقات الاحتفاظ بالقوة المصرية هناك" ، ويطرح المؤلف ادعاء بأن السلال كان مثل الدمية لدى عبدالناصر دون الاستناد إلى مصادر أو وثائق، كما أننا لا نستطيع دحضها تمامًا في غياب الوثائق التاريخية، إلا إن المذكرات التي تناولناها لم تذكر ذلك بالرغم من عداء بعض الشخصيات للسلال.
ومن الفرضيات التي وضعها اوبلانس هي المبالغة في حجم الاختلاف والخلاف بين المذهب الزبيدي والشافعي، بينما الاختلاف فقط في بعض الأمور الفرعية أما الأصول فمتفق عليه، ونجد أغلب المؤلفين الأجانب يقعون في ذات الأمر، وكذلك برر المؤلف المساندة الأمريكية والبريطانية للقوات الملكية في حربها مع الجمهوريين بعيدًا عن الواقع حيث خشيت أمريكا وبريطانيا من توسع النفوذ السوفييتي عبر الجمهوريين، ولا نقلل من قيمة الكتاب الذي يقدم دراسة شاملة عن الثورة اليمنية، ويظهر بعض القصور لأن المؤلف اعتمد على ملاحظاته للمشهد اليمني وما استمده من كتب أجنبية ولم يعتمد على مصادر عربية أو وثائق وهو ما جعل تقديره في بعض الأمور يجانب الصواب.
|