الميثاق نت -

الخميس, 06-أكتوبر-2022
د‮. ‬عبدالوهاب‮ ‬الروحاني -
في‮ ‬وسط‮ ‬المدينة‮ ‬ميدان‮ ‬شهير،‮ ‬اشتق‮ ‬اسمه‮ ‬من‮ ‬اسم‮ ‬شاعر‮ ‬البسطاء‮ ‬ونصير‮ ‬الفلاحين‮ ‬ياكوبا‮ ‬كولسا‮ (‬Yakoba‭ ‬kolasa‭) .. ‬يدخل‮ ‬في‮ ‬فضائه‮ ‬ويعبر‮ ‬منه‮ ‬وإليه‮ ‬لومونوسوفا‮ (‬Lomonosova‭) ‬شارع‮ ‬العشاق‮ - ‬كما‮ ‬يسميه‮ ‬البلاروس‮.‬
لومونوسوفا (ميخائيل فاسيليفيتش)، هو شاعر وكاتب وموسيقي وعالم روسي شهير، عاش في النصف الأول من القرن الثامن عشر، قدم مساهمات مهمة في اللغة والأدب والتعليم، والعلوم التطبيقية، وله نظرية في ظواهر الغلاف الجوي وتفاعلاته الكيميائية.
من لومونوسفا، كان الشباب يستمدون عشقهم للحياة والعلم والجمال .. هناك في شارع العشاق يكون الملتقى .. ويكون للورود التي تزرع وترسم بعناية على جزره وجوانبه في فصلي الربيع والصيف جاذبية وألوان مدهشة.
في تلك الفناءات الجميلة بمدينة الفن والثقافة والموسيقى والتاريخ والأدب، كنت وصاحبي محمد أتجول في لحظات إمتاع نفسي وروحي مبهجة .. صور وذكريات ومشاهد (قديمة جديدة) تتداخل في سياقات متناغمة .. تتبدى من ثناياها لوحة سريالية في منتهى الإبداع والجمال..
في منسك .. المدينة التي لم تفارقني يوما، _ تتزاحم في الذاكرة أجمل لحظات العمر التي قضيتها مع أناس أحبونا وأحببناهم .. في الشارع والجامعة، والمسرح، والمسبح، ورحلات طلابية وتجوال، ومشاكسات مع زملاء واصدقاء روس، ولاتين، وعرب، وأفارقة، وأكراد، وأفغان.. بانوراما‮ ‬رسمت‮ ‬لوحة‮ ‬زيتية‮ ‬أصيلة‮ ‬في‮ ‬وجدان‮ ‬الناس‮ ‬وجدار‮ ‬التعايش‮..‬
في‮ ‬مينسك‮ .. ‬مدينة‮ ‬الرشاقة‮ ‬والأمان‮ ‬والبيئة‮ ‬النظيفة‮ ‬التي‮ ‬أحببت،‮ ‬تتجلى‮ ‬‭_‬روعة‮ ‬المشهد‮ ‬في‮ ‬ديناميكية‮ ‬المؤسسة‮ ‬والناس،‮ ‬وحيوية‮ ‬‭_‬أساتذة‮ ‬كبار‮ ‬ومدرسين‮ ‬أكفاء‮:‬
‮"‬نينا‮ ‬الكسندروفنا‮" ‬الأكثر‮ ‬جدية‮ ‬وصرامة‮.‬
‮"‬الكسندر‮ ‬بالاش‮" ‬الأكثر‮ ‬مودة‮ ‬وبساطة‮.‬
الدقة‮ ‬والتواضع‮ ‬عند‮ ‬أستاذ‮ ‬التصوير،‮ ‬ورائد‮ ‬اللقطة‮ ‬الخاطفة‮..‬
عبقرية‮ ‬وفهم‮ ‬وتلقائية‮ ‬أستاذ‮ ‬الاقتصاد‮ ‬الزراعي‮ "‬يوشكيفتش‮".‬
‮"‬نتاليا‮" ‬قاموس‮ ‬اللغة‮ ‬الروسية‮ ‬المعاصرة،‮ ‬ثم‮ ‬روح‮ ‬الطرفة‮ ‬واللياقة‮ ‬والأناقة‮ -"‬ايفان‮ ‬ايفانوفيش‮".‬
‮ ‬جميعهم‮ ‬كانوا‮ ‬مدرسين‮ ‬ولكن‮ (‬آباء‮ ‬وامهات‮) .. ‬تركوا‮ ‬أثرا‮ ‬في‮ ‬القلب‮ ‬والذاكرة،‮ ‬ووضعوا‮ ‬فينا‮ ‬لمسات‮ ‬انسانية،‮ ‬وبصمات‮ ‬في‮ ‬العلم‮ ‬والحياة،‮ ‬لن‮ ‬تنساها‮ ‬الايام‮ .‬
أتذكر‮ ‬ربيع‮ ‬مينسك‮ ‬وابتسامات‮ ‬الناس‮ .. ‬رحابة‮ ‬صدورهم،‮ ‬كرمهم‮ ‬مع‮ ‬القادم‮ ‬الجديد‮ ..‬ثم‮ ‬سحر‮ ‬الطبيعة‮ ‬وغناءها‮.. ‬نهر‮ ‬سفيسلوتش‮ »‬Svisloch‮«‬‭ ‬الذي‮ ‬يحيط‮ ‬المدينة‮ ‬ويمنحها‮ ‬الرخاء‮ ‬والأمان‮.. ‬
في لحظات إغراق في زمن الدراسة والزملاء والاصدقاء وعنفوان الشباب وروعة الحياة .. وتأملات في جزر الورد والنوافير البرونزية الملونة والمجسمات الجمالية، التي تتوزع بعناية وإتقان في فناءات وزوايا المكان ..كانت عينان زرقاوان تتفحصان خطواتنا من بين النوافير وشلالات‮ ‬الورد‮ .. ‬
قلت‮ ‬لصاحبي‮:‬
_ أتلاحظ الفاتنة هناك ؟! زرقة عينيها تخطف الأبصار .. وفي لحظة تجل بديعة .. وبينما كنا نسير بخطى هادئة متأملة واذا بالفتاة تقترب مع امرأتين في الخمسين من العمر، فسألت احداهما بينما الفتاة تبتسم:
هل‮ ‬تكرهون‮ ‬اسرائيل‮ ‬؟‮! ‬
قلت‮: ‬وكيف‮ ‬عرفت‮ ‬اننا‮ ‬نكرهها‮ ‬؟‮!‬
قالت‮: ‬انتم‮ ‬عرب‮ ‬أليس‮ ‬كذلك‮ ‬؟‮!‬
قلت‮: ‬نعم‮ ‬نحن‮ ‬عرب‮..‬
قالت‮: ‬ولكن‮ .. ‬هل‮ ‬تكرهون‮ ‬اسرائيل؟‮!‬
قلت‮ : ‬لو‮ ‬أنت‮ ‬وصديقتك‮ ‬استضفتماني‮ ‬وصاحبي‮ ‬هذا‮ ‬في‮ ‬منزلكما‮ ‬لمدة‮ ‬اسبوع‮ ‬او‮ ‬شهر‮ ‬او‮ ‬سنة،‮ ‬وبعد‮ ‬ان‮ ‬اكرمتمانا‮ ‬وكنتما‮ ‬معنا‮ ‬في‮ ‬غاية‮ ‬الود‮ ‬والكرم‮ ‬ادعينا‮ ‬ملكيتنا‮ ‬للمنزل،‮ ‬واخرجناكما‮ ‬بالقوة‮.. ‬فهل‮ ‬ستكرهوننا‮..‬؟‮!!‬
كانت‮ ‬المرأتان‮ ‬في‮ ‬إنصات‮ ‬تام‮ ‬وما‮ ‬ان‮ ‬أكملت‮ ‬حديثي‮ ‬بالسؤال‮ ‬حتى‮ ‬تمتمتا‮ ‬بكلمات‮ ‬خافتة‮ ‬وذهبتا‮ ‬لشأنهما‮.. ‬بينما‮ ‬العينان‮ ‬الزرقاوان‮ ‬لم‮ ‬تفارقاني‮..‬
ووجدت‮ ‬نفسي‮ ‬أردد‮ ‬لبدر‮ ‬شاكر‮ ‬السياب‮ ‬رحمه‮ ‬الله‮:‬
عينان‮ ‬زرقاوان‮.. ‬ينعس
فيهما‮ ‬لون‮ ‬الغدير
أرنو‮ ‬فينساب‮ ‬الخيال‮ ‬
وينصب‮ ‬القلب‮ ‬الكسير
وأغيب‮ ‬في‮ ‬نغم‮ ‬يذوب‮.. ‬
وفي‮ ‬غمائم‮ ‬من‮ ‬عبير


تمت طباعة الخبر في: الخميس, 18-يوليو-2024 الساعة: 05:36 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-63049.htm