عبدالجليل أحمد ناجي - الثقافة كلمة ذات محتوى ابداعي أنيق ومخزون كبير من التجارب العقلية للبشرية جمعاء ، بدونها لا يمكن ان يكون هنالك رقي أو تقدم وبدونها لا يمكن ان تمتلك الأمم الرؤية الثاقبة للعبور إلى المستقبل ، عندما تجرد كلمة الثقافة من محتواها الفكري والإبداعي، أو يصادر وجودها ، تفقد الحياة ديناميكيتها وطاقتها وتنحدر إلى عصور التخلف والبدائية..
الثقافة ليست مجرد ترف أو نبتة شيطانية غريبة عن المجتمع - كما يعتقد البعض - ولا يمكن أن تكون الثقافة محصورة في جانب فكري او معرفي معين دون غيره ، فمنذ القدم عرَّف ابن خلدون الثقافة بأنها " الأخذ من كل علم بطرف " فلما تطورت المجتمعات تطورت وتشعبت الثقافات وتنوعت مشاربها ومجالاتها، فوجد في عصرنا المثقف الموسوعي والمتخصص ..الخ .
وعرَّفها الميثاق الوطني " الثقافة في أي مجتمع من المجتمعات تعبير عن عقيدته وأفكاره ، وتجاربه ومواقفه ، واتجاهه " ولذلك فقد حرص المؤتمر الشعبي العام منذ تأسيسه على الاهتمام بالجانب الثقافي والفكري والابداعي والانفتاح على كل الثقافات المحلية والعربية والعالمية وبما يلبي متطلبات هذا الغذاء الروحي والعقلي الذي لا يقل أهمية عن الماء والهواء والغذاء ، ومعروف أن شعبنا عاش عقوداً كثيرة منغلقاً على نفسه ، يعيش داخل إطار معرفي محدود الزوايا ، حيث كان التعليم لايتعدى بعض العلوم الشرعية ، واللغوية ، والتاريخية، وتداول الكتب محدود وشبه منعدم، وكان البعض يعتبر ان إدخال العلوم الحديثة والعلوم الإنسانية ، والاهتمام بالفنون والآداب الحديثة بمثابة مفتاح لباب الشرور والأفكار الهدامة التي تمس عقيدتنا وعاداتنا وتقاليدنا وتجعل الأجيال القادمة تعيش على غير الصراط المستقيم، وظلت هذه النظرة الضيقة، والتخوفات تسيطر على أفكارنا عقوداً عدة - وشعبنا يرزح تحت نير التخلف والجهل- بل ان بعض المناهج التقليدية والتوجهات اتخذت من التخويف سيفاً مسلطاً لمحاربة أي انفتاح ثقافي أو تطور منهجي جديد وحديث ، واستمر تأثير ذلك التقوقع حتى بعد قيام الثورة، العالم من حولنا يرتقي إلى مصافات التقدم والرقي مستنداً على ما يملكه من فلسفات وتجارب ثقافية وعلمية ، وفنية ناضجة ، ونحن متقوقعون داخل القمقم لا نريد أن نرى النور ، ولذلك كان قد أدرك الرعيل الأول من رجالات الثورة على أن تطور الشعوب وسر تقدمها في قدرتها على كسر القوالب الجامدة والانطلاق إلى آفاق مستقبلية واسعة اكثر رحابة، ومعرفة، فنصت اهداف الثورة في ثالث أهدافها على " رفع مستوى الشعب اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً وثقافياً" وجاء الميثاق الوطني بفكره المستنير مؤكداً على أهمية تطبيق هذا الهدف ، فقد خلق الفكر الميثاقي فينا روح القوة والثقة فيما نملكه من رصيد عقائدي وفكري وتاريخي وقيمي وأدبي وفني وفلوكلوري أصيل قادر على الثبات والبقاء نستطيع من خلاله أن يكون لنا حضور فكري وثقافي يمكننا من الانفتاح على الآخر ، والاستفادة من خبراته وتجاربه ، وثقافاته، وعلومه الحديثه... متجاوزاً كل عوامل التثبيط والانهزامية ، فاستطاع المؤتمر الشعبي العام على مدى 40 عاماً صناعة تحولات ثقافية وفكرية كبيرة جداً - وإنْ قال: البعض إنها لم تكن عند مستوى الطموح - لكنها صنعت الفارق الشاسع والتحول الكبير بين ما كان عليه الحال قبل قيام الثورة، وما آل إليه الحال بعد ستين عاماً من قيام الثورة ، وأربعين عاماً منذ إقرار الميثاق الوطني وتأسيس المؤتمر الشعبي العام.
|