محمد اللوزي - التنوع والتعدد والتدافع بين الناس سنة إلهية. وقانون تأسس عليه الوجود منذ الخليقة. ومنذ اختار الله عز وجل الإنسان خليفته في الارض، ورفض إبليس السجود لآدم.. قال تعالى:(قال لَـمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ
قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ) صدق الله العظيم.
هنا تتجلى الحكمة في هذه الآية، فرب كل شيء خلقه، لم ينزل على إبليس العقاب الصارم بل جعله من المنظرين رغم خروجه عن طاعة الله، فما بالنا نحن البشر نريد العالم قالباً واحداً، ونمطية جاهزة، وجعل التعليم يسير في اتجاه منمذج وايديولوجية واحدة، ورؤية لاتقبل بالمغايرة ولاتحترم التنوع الفكري، ولاتقيم وزناً للاختلاف وتصيغه باتجاه يخدم ويلبي رغبات مجموعة، ويتجاهل التعددية المذهبية والفكرية المبنية على تراث وأنساق انسانية واجتهادات شكلت في معظمها التعايش المجتمعي، واحترام حق الآخر في أن يجتهد ويعبر عن التزامه القيمي والاسلامي والإنساني بالطريقة التي لاتخل بحق الآخر في الاختلاف.. هذا المعنى اليوم يوشك أن يغيب في مقابل تحويل الفكر والتراث الاسلامي المتنوع والمتعدد الى مكبوت، قد يتم حجبه ولجمه مؤقتاً والى حين من الدهر، ولكنه يبقى حاضراً في الفكر وفي الوجدان، ويزداد حضوراً يدفع الآخر الى المقاومة، والى اتخاذ المكبوت وقوداً لمواجهة التطرف بنزوعه الأحادي المفرط في تجاهل الكثرة والتعدد الفكري والمذهبي والتنوع الخلاق.. من هنا يتشكل الوعي المقاوم الرافض للقولبة ولفكرة التابوت، ويصير الآخر برؤاه وتصوراته المقموعة الى باحث عن وجوده وتواجده، وحقه في ان يكون ذاتاً تعبر عن كينونتها عبر إرادتها المتسقة مع الفكرة المكبوتة، والتي تتحول الى وقود صلب في مواجهة ماهو جاهز وتلقيني يطمس حياة وتراث وتاريخ وتنوع.. وإذاً فإن نمذجة التعليم ومسطرته وجعله (دوغما) لاتقبل التفتح والنقاش والتحولات المعاصرة.. إنما يخل بالسنن الإلهية ويكشف عن قوى تجاهر بأنها فوطبيعية.. هي التي تؤسس وترى وتمنح الوجود معناه، بمعزل عن حق الآخر في ان يكون فاعلاً ومغايراً ايضاً وفق معتقد صحيح ورؤية علمية ومنهحية.. والواقع أن محاولة لجم التعليم من ان يكون متفتحاًاً ومعبراً عن التنوع المجتمعي ، إنما هو قمع جاهز ووحشي ايضاً على الإنسان وبحثه الدؤوب في التحول الى الافضل، عن خياراته في صناعة المستقبل ايضاً.. الفكرة الواحدة والرأي الواحد وجاهزية المعنى هو اخلال بالوجود وهو ضد الابداع، وحدية قاتلة للإنسان المتطلع الى المستقبل، والى احترام الحقوق والحريات بما هو منسجم مع الاخلاق وقيم الفضيلة، ومع العصر إبداعا وتطوراً، ومع حق الآخر في ان يقدم نفسه بمايليق به كإنسان عليه أن يتشارك مع الآخر في العطاء، ضمن بنيوية مجتمعية متآزرة متداخلة لايمكن صناعة مستقبل أفضل بمعزل عن هذا التداخل في التفرد والتنوع المخصب للوجود.. إن أحد أهم عوامل الثورات في العالم هو سعي السلطان الى وأد الفكر وكبت المعتقد، وإعاقة التنوع والتعدد في العملية الابداعية والانتاجية.. لعل اكثر الثورات التي انجزتها البشرية عبرنضالها التاريخي، كانت ضد الدكتاتورية والذات المتورمة التي تجاهر بالغلو والتطرف، وتشتغل على تصدير الثقافة الواحدة لمجتمع متنوع متعدد، ولم تندثر حضارات ويخسف الله بها إلا حين كان الواحد مواجهاً للكل.. (فاستخف قومه فأطاعوه)، لقد نشأت حضارات ودول تعملقت ولكنها انهزمت من داخلها- النازية واللينينية نموذجاً.. وهنا علينا أن نؤمن بالتعايش المجتمعي، باحترام التنوع، بالتعليم معبراً عن مقتضيات العصر وعن المجتمع بمشاربه المختلفة، وبقيم وضوابط اخلاقية ورؤية تقيم وزناً للفكرة المغايرة وهي تصب في اتجاه تعزيز القدرات وترفد التنوع بالأفضل، وبجعل المغايرة المهذبة والواعية والمعبرة عن جوهر الانتماء، هي التي تشكل منطلقاً لتنوعٍ في الوحدة ووحدةٍ في التنوع.
|