الميثاق نت -

الإثنين, 14-نوفمبر-2022
علي‮ ‬ظافر -
يبدو‮ ‬أن‮ ‬السعودية‮ ‬كانت،‮ ‬خلال‮ ‬الأيام‮ ‬الماضية،‮ ‬تفاوض‮ ‬صنعاء‮ ‬مباشرةً‮ ‬بشأن‮ ‬عدد‮ ‬من‮ ‬الملفات‮ ‬الجوهرية،‮ ‬وبمعزل‮ ‬عن‮ ‬المسارات‮ ‬التي‮ ‬تمضي‮ ‬فيها‮ ‬الأمم‮ ‬المتحدة‮ ‬أو‮ ‬تفرضها‮ ‬واشنطن،‮ ‬ولم‮ ‬تصل‮ ‬إلى‮ ‬نتيجة‮.‬
ولمّح رئيس المجلس السياسي الأعلى، مهدي المشاط ، بالإشارة إلى أن "مشاورات ما بعد انتهاء الهدنة كانت وصلت إلى مستوى تفاهم جيد، إلى أن وصل المبعوث الأميركي إلى المنطقة، وأفشل هذه الجهود"، واصفاً تيم ليندر كينغ بـأنه "بومة شؤم لا حمامة سلام".. صحيح أن الرئيس المشاط‮ ‬لم‮ ‬يذكر‮ ‬الجهة‮ ‬التي‮ ‬تم‮ ‬التفاهم‮ ‬معها‮ (‬السعودية‮)‬،‮ ‬لكنه‮ ‬أعطى‮ ‬إشارة‮ ‬ضمنية‮ ‬إليها،‮ ‬حين‮ ‬أكد‮ ‬أن‮ "‬هناك‮ ‬بعض‮ ‬الأطراف‮ ‬في‮ ‬العدوان‮ ‬تفكر‮ ‬وتحتاج‮ ‬إلى‮ ‬إعادة‮ ‬النظر،‮ ‬ونحن‮ ‬ندعمها‮ ‬في‮ ‬ذلك‮". ‬
هناك‮ ‬معلومات‮ ‬وقرائن‮ ‬وسياقات‮ ‬كثيرة‮ ‬يمكن‮ ‬الاستناد‮ ‬إليها،‮ ‬وتدعم‮ ‬هذه‮ ‬الفرضية‮ ‬التي‮ ‬باتت‮ ‬في‮ ‬حكم‮ ‬الحقيقة‮ ‬غير‮ ‬المعلنة‮. ‬
في نهاية شهر أكتوبر المنصرم، علمنا، من مصادر سياسية، أن وفداً رسمياً سعودياً التقى بصورة مباشرة مسؤولين أو ممثلين عن صنعاء (لم يحدِّد المكان)، وناقش الطرفان عدداً من القضايا الجوهرية، وأبرزها أن الوفد السعودي طرح مخاوف الرياض، وأبدى حرصها على إيجاد مخرج من اليمن. ولم يُخف انزعاجه من المرتزقة الذين باتوا عبئاً ثقيلاً على المملكة، بينما طرحت صنعاء، في المقابل، ملفات أبرزها رفع الحصار، وسحب القوات الأجنبية، وإعادة الإعمار، بالإضافة إلى ملفات أخرى، بينها دفع المرتبات، وملف الأسرى.
وتشير المصادر إلى أن الوفد السعودي لم يمانع تجاه هذه المسائل الجوهرية، باعتبارها استحقاقاً وطريقاً للحل، غير أن رئيس هذا الوفد استدرك بالقول حرفياً إن "السعودية أيضاً تضررت من الحرب، وإن ترميم أرامكو، عقب ضربة بقيق وحدها، كلّف المملكة 500 مليون دولار، فضلاً‮ ‬عن‮ ‬خسائر‮ ‬في‮ ‬المبيعات‮ ‬تجاوزت‮ ‬50‮ ‬مليار‮ ‬دولار‮"‬،‮ ‬فردّت‮ ‬عليه‮ ‬صنعاء‮ ‬بالقول‮ ‬إن‮ "‬السعودية‮ ‬كانت‮ ‬في‮ ‬غنىً‮ ‬عن‮ ‬الحرب‮ ‬العدوانية‮ ‬على‮ ‬اليمن‮".‬
وتتضافر المعلومات في هذا السياق، إذ كشف عضو الوفد الوطني المفاوض، عبدالملك العجري، في تغريده نشرها في "تويتر"، يوم الـ 29 من أكتوبر، أن "المفاوضات مع السعودية لا تعني استبعاد الاطراف اليمنية الأخرى عن الحل السياسي، وأن الحديث إلى السعودية ينحصر في وقف الحرب،‮ ‬ورفع‮ ‬الحصار،‮ ‬وإعادة‮ ‬الأعمار‮. ‬وفي‮ ‬المرحلة‮ ‬السياسية،‮ ‬ستكون‮ ‬هذه‮ ‬الاطراف‮ ‬جزءاً‮ ‬من‮ ‬الحل‮ ‬السياسي،‮ ‬لكن‮ ‬على‮ ‬أساس‮ ‬الثوابت‮ ‬الوطنية،‮ ‬ووحدة‮ ‬اليمن‮ ‬وسيادته،‮ ‬وإنهاء‮ ‬هذه‮ ‬الاطراف‮ ‬تبعيتها‮ ‬للخارج‮".‬
من هنا، يتضح أن صنعاء تتفاوض مباشرة مع الرياض، بعيداً عن المرتزقة، لأن الملفات، التي ذكرها العجري، أكبر من المرتزقة الذين هم معدومو القرار والقدرة، إذ كيف لمن لا يملك قرار إقامته بالخارج، أن يُعيد إعمار بلد مدمر، أو يقرّر إيقاف الحرب أو رفع الحصار، ببساطة لأن‮ ‬الفاعل‮ ‬في‮ ‬هذه‮ ‬الملفات‮ ‬هو‮ ‬من‮ ‬خارج‮ ‬حدود‮ ‬اليمن،‮ ‬في‮ ‬قراره‮ ‬وقطعه‮ ‬الجوية‮ ‬والبحرية‮. ‬ونقصد‮ ‬هنا‮ ‬السعودية‮ ‬كرأس‮ ‬حربة،‮ ‬والولايات‮ ‬المتحدة‮ ‬الأميركية‮ ‬كمظلة‮ ‬للعدوان‮ ‬والحصار‮.‬
وهنا، من المفيد أن نربط الأمور، بعضها ببعض. فإلى جانب ما كشفه عضو الوفد الوطني المفاوض، اتهم نائب وزير الخارجية في صنعاء، حسين العزي، الأمم المتحدة بعدم القدرة على إدارة أي مفاوضات سلام في اليمن. وقال، في تغريدة نشرها في "تويتر"، في 29 أكتوبر، إن "الأمم المتحدة لا تستطيع إدارة أي مفاوضات سلام في اليمن، ليس بسبب افتقارها للكادر المؤهَّل، وإنما لأن هذا النوع من المفاوضات ليس ضمن صلاحيتها أصلاً، فالطرف الآخر الذي يقود الحرب ويملك قرار وقفها، ليس ضمن مهمة مبعوثها، والقرار 2216 يلغي الحل السياسي".
موقف العزي يعطي أيضاً إشارة إلى أن المفاوضات بين صنعاء والرياض تجري بمعزل عن مسارات الأمم المتحدة، لكن لا يمكن الجزم بذلك، لأنه تزامن مع الحديث عن وفد سعودي ومفاوضات مع صنعاء، وزيارة مماثلة للممثل الأممي هانس غراندبرغ لمسقط انتهت في 2 نوفمبر، وأعقبهما زيارة‮ ‬للمبعوث‮ ‬الأميركي‮ ‬تيم‮ ‬ليندر‮ ‬كينغ‮ ‬للسعودية‮ ‬والإمارات،‮ ‬كأنّ‮ ‬هناك‮ ‬تنسيقاً‮ ‬أميركياً‮ ‬أممياً‮ ‬سعودياً‮ ‬بشأن‮ ‬الأمر‮. ‬
ما تجدر الإشارة إليه أن خطوط الاتصالات بين صنعاء والرياض لم تنقطع، وأكدت ذلك صنعاء أكثر من مرة، لكنها دخلت، كما يبدو، مرحلة جديدة، وانتقلت من الاتصال عبر وسطاء إلى اللقاءات المباشرة. بعضها معلن كزيارة الوفود واللجان الفنية في ملف الأسرى قبل قرابة شهر، وبعضها مضمَر، لكن تبقى المخاوف من أن تكون اللقاءات المباشرة، كما الاتصالات غير المباشرة، عديمة الجدوى، ذلك بأنه مضى قرابة شهر كامل على تلك الزيارات من دون جديد يُذكَر بشأن تحريك الجمود في ملف الأسرى، على رغم ما رافق تلك الزيارات وما تلاها من أجواء وحديث إيجابي،‮ ‬وما‮ ‬أطلقته‮ ‬السعودية‮ ‬من‮ ‬تعهدات‮ ‬رسمية‮ ‬تقضي‮ ‬بـ‮"‬معالجة‮ ‬الإشكاليات‮ ‬مع‮ ‬المرتزقة‮"‬،‮ ‬و‮"‬إنهاء‮ ‬ملف‮ ‬الأسرى‮ ‬وتبادل‮ ‬كل‮ ‬أسرى‮ ‬الحرب‮". ‬
وسواء، وَفَت السعودية المكبَّلة بالقرار الأميركي، أو لم تفِ، فإن هذا التطور في المسار التفاوضي، مضافاً إليه تبادل اللجان الفنية في ملف الأسرى بين صنعاء والرياض، بصورة علنية، وعلى نحو غير مسبوق، يعني عملياً أن المسألة تجاوزت اتفاق الهدنة، إلى مسار أوسع قد يُنهي جذور المشكلة، ويفتح الأفق نحو الحل الشامل، لكنّ الأمر مرهون بمدى جدية النظام السعودي، الذي هو في أمسّ الحاجة إلى تدوير الزوايا والنزول من فوق الشجرة، وإيجاد مقاربات عادلة وطرق آمنة للخروج من المستنقع اليمني المكلف، كما أثبتت التجربة، خلال ثمانية أعوام‮ ‬خلت‮. ‬وإن‮ ‬أراد‮ ‬أن‮ ‬يسلك‮ ‬هذا‮ ‬المسار‮ ‬فليس‮ ‬عيباً‮ ‬ولا‮ ‬خطيئة،‮ ‬بل‮ ‬الخطيئة‮ ‬والخطأ‮ ‬الاستراتيجي‮ ‬أن‮ ‬يواصل‮ ‬الانتحار‮ ‬في‮ ‬اليمن،‮ ‬المعروف‮ ‬تاريخياً‮ ‬بـ‮ "‬مقبرة‮ ‬الغزاة‮".‬

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 02:58 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-63248.htm