د. عبدالوهاب الروحاني - قمة »أطفال الحجارة«
في نوفمبر 1987م أذهل الفلسطينيون العالم بانتفاضة أطفال الحجارة ، الذين كان الجيش الصهيوني يقتلهم بالرصاص الحي ، ويفقأ أعينهم بالقنابل المطاطية ..
هيجت حجر الطفل الفلسطيني مشاعر أحرار العالم ، ولكنها لم تحرك مشاعر القادة العرب حينها إلا بعد ثمانية أشهر من لهيب النار والحجر، فعقدوا قمة الجزائر في يونيو 1988م ..
ولانه كان لا يزال في الوجه شيء من عرق وماء انعقدت قمة الجزائر، وخرجوا بقرارات ملزمة تحفظ ما تبقى من ماء الوجه.. فقرروا:
* دعم فعالية الانتفاضة
* الالتزام بتطبيق أحكام المقاطعة
* إدانة السياسة الأمريكية المشجعة للعدوان..
تلك القرارات افرزتها قمة عربية كان فيها رؤساء وملوك لا يزال فيهم شيء من خجل ، فلم يعترض زايد بن سلطان ولا فهد بن عبدالعزيز على قرار دعم الانتفاضة، والمقاطعة، ولا على ادانة السياسة الامريكية، وهي الحامية لعرشيهما منذ النشأة.
لم يقل شيخ الامارات، ولا ملك السعودية حينها "بأن اسرائيل تدافع عن نفسها ضد الارهابيين الفلسطينيين" كما يفعل اليوم ورثة حكمهم في ابو ظبي والرياض، ولم تعترض السعودية على ادانة التطبيع وهي المطبعّة منذ زمن الملك المؤسس.
تداعيات الحجر
تحت هذا العنوان أتذكر بأنني كتبت عموداً صغيراً في الأخيرة من الثورة (الصحيفة) كانت كلماته اقرب إلى تداعيات وجدانية تجاه تضحية طفل الحجارة، وسخرية من تراخي القادة العرب أمام اصرار الحجر على الانتصار لطفلها..
قرأ أحدهم ماكتبت، وفسره وفهمه كما يفهم أي مسئول في السلطة خربشات قلم خارج النص، واعتبر انني قد أسأت بوصف لقاء الزعماء بـ"قمة الحجر".. فتبرع وابلغ وزير الاعلام باكتشافه.. وكان الاستاذ حسن اللوزي (رحمه الله).
أبلغني رئيس التحرير الاستاذ محمد الزبيدي (رحمه الله) بانزعاج الوزير ، وقال بضرورة زيارته.. وزرته في مكتبه، وكان معه وكيله الأكثر حضوراً في المشهد الاعلامي والثقافي حينها الاستاذ مطهر تقي (رعاه الله) ، وجدت الوزير في هدوء تام.. فقال وهو يخفي ابتسامة هادئة :
أهلاً يا عبدالوهاب.. ايش هذه قمة الحجر ؟! حولت الرؤساء الى "حجر وجعم".. صم وبكم .. لا تنسى انك تتحدث عن قمة لزعماء عرب في صحيفة رسمية لا تحتمل هذا التوتر..!!
فقلت: الحجر اصبح ينطق يا استاذ حسن .. وانا كتبت عن فعل انتفاضة "اطفال الحجارة" ولم اقصد الاساءة .. أيد الاستاذ مطهر بلطفه ما ذهبت اليه.. وكان واضحاً ان الاستاذ حسن -رحمه الله- قد قرأ ما كتبت، واستحسنه أيضاً، وبالتأكيد لم يكن ليقرأ بعيون صاحبنا، لانه مثقف وشاعر بوزن ثقيل، وصنعته هي الكلمة.. وفعلاً كانت صحيفة الثورة، هي مدرستنا التي تعلمنا فيها ابجدية الرأي والرأي الآخر..
نصر قتلته القمم
"انتفاضة الحجر" كانت قد وُلدت في نوفمبر 1987م، وحققت انتصاراً مذهلاً.. ايقظت الرؤساء العرب من سباتهم حينما كان لا يزال هناك رؤساء وانظمة .. وحينما كانت لاتزال عروبة وقضية ، وانتماء..
واستمرت انتفاضة اطفال الحجارة ، وصنعت نصراً قتلته القمم التالية، ووأدته اتفاقية أوسلو (سبتمبر 1993م)، حيث بدأ التشظي والانقسام ، لتعاود انتفاضة الحجر على استحياء من جديد على أيدي جيل من المقاومين، الذي يعترف بالقضية ولا يعترف بالزعامات والانقسامات.
فلسطين دوماً في الضمير والوجدان .
|