الميثاق نت -

الجمعة, 02-ديسمبر-2022
الميثاق نت - جمال الورد: -
يمثّل الـ30 من نوفمبر 1967م، محطة زمنية فاصلة بالمعايير النضالية والوطنية، بما أفرزه من واقع جديد استعاد فيه جزء غال من وطننا اليمني حريته واستقلاله وهويته السياسية المنتمية إلى عمقها الجغرافي والبشري اليمني.
لقد كان الاستعمار البريطاني لعدن، وما تولد عنه من نفوذ على الخارطة السياسية الفسيفسائية التي صنعها على عينه ليسهل عليه السيطرة على الفضاء الجغرافي المحيط بمستعمرة عدن، كان هذا الاستعمار ثقيلاً على كاهل الوطن اليمني..
ذلك أنه بتكريسه منطق التجزئة في الكيان اليمني الموحد أرضاً وإنساناً وروحاً، وبإيلاء تلك الخارطة الفسيفسائية للسلطنات والمشيخات العناية الكاملة، إنما كان يهدف إلى إعاقة ذلك التدفق الحار للمشاعر الوطنية التواقة للانعتاق من الاستعمار والأنظمة الكهنوتية والكيانات الصورية، وتحقيق حلم استعادة الوحدة.. لقد كان المناخ السائد في المنطقة، يؤجج المشاعر التواقة إلى التحرر من الاستعمار وتحقيق حلم الوحدة، وكان ذلك قوياً لدى اليمنيين التواقين إلى استعادة لُحمتهم الوطنية..
وهذه النزعة الوحدوية، هي التي أفسحت المجال لجولة مشرفة من النضال الذي خاضه اليمنيون على أساس وحدة الانتماء لليمن كل اليمن، فاندفعوا من كل صوب لخوض ملحمةِ كفاحٍ مشرفةٍ سطروها في سفر تاريخهم ، توجت بطرد المستعمر وتحقيق الاستقلال الناجز.
‮ ‬ذلك‮ ‬هو‮ ‬الدرس‮ ‬الأهم‮ ‬الذي‮ ‬قدمه‮ ‬الاستقلال‮ ‬المجيد،‮ ‬ويمكن‮ ‬استخلاصه‮ ‬مع‮ ‬كل‮ ‬ذكرى‮ ‬للاستقلال‮ ‬تعاودنا‮ ‬على‮ ‬توالي‮ ‬الأعوام‮ ‬والسنين،‮ ‬إنه‮ ‬درس‮ ‬النضال‮ ‬على‮ ‬أساس‮ ‬من‮ ‬وحدة‮ ‬الأرض‮ ‬والشعب‮ ‬اليمني‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وبين الطلقة الأولى التي تفجرت شرارتها في الرابع عشر من أكتوبر 1963م من على قمم جبال ردفان على يد شهيد أكتوبر المناضل راجح غالب بن لبوزة، وبين يوم إعلان الاستقلال الثلاثين من نوفمبر 1967م مراحل نضالية في سفر التاريخ الثوري اليمني الذي نحتفي اليوم بذكراه الخمسين،‮ ‬ينبغي‮ ‬ان‮ ‬تظل‮ ‬نبراساً‮ ‬يقتدي‮ ‬به‮ ‬كل‮ ‬الأجيال‮ ‬اليمنية‮ ‬في‮ ‬الحاضر‮ ‬والمستقبل،‮ ‬ليكونوا‮ ‬على‮ ‬بينة‮ ‬ان‮ ‬الحماس‮ ‬الثوري‮ ‬والتمرد‮ ‬على‮ ‬الظلم‮ ‬وانتزاع‮ ‬الحرية‮ ‬والكرامة‮ ‬لها‮ ‬جذورها‮ ‬ومنبتها‮ ‬العريق‮ ‬والأصيل‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
أصدرت قيادة الجبهة القومية لتحرير الجنوب اليمني المحتل في (23) أكتوبر 1963م بياناً تم فيه الاعلان عن قيام الثورة من أعلى قمم ردفان الشماء في 14 أكتوبر 1963م وبداية الكفاح المسلح ضد المستعمر بكل أشكاله وصوره.
وخلال أربع سنوات من الكفاح للتحرير قدم أبناء الجنوب اليمني، أعظم التضحيات في سبيل الخلاص من جحيم المستعمر البريطاني بمشاركة مختلف الأطياف والتوجهات والتكوينات من الفعاليات الطلابية والنسائية والنقابية في مسيرة النضال من خلال المظاهرات والإضراب والكفاح المسلح.. تكللت في العام 1967م بإعلان استقلال الجنوب اليمني وتحرره بخروج آخر جندي بريطاني من مستعمرة عدن، وكان الثلاثون من نوفمبر هو يوم الحرية وعيد الجلاء والاستقلال، لتعم الفرحة كل قرى ومدن اليمن شمالاً وجنوباً.
تأثير‮ ‬خطابات‮ ‬عبد‮ ‬الناصر‮ ‬وإذاعة‮ ‬القاهرة‬‬‬‬‬
وفقاً للمصادر التاريخية، تأثر سكان عدن بخطابات الزعيم جمال عبدالناصر في خمسينيات القرن العشرين، وكان لعبدالناصر خطاب شهير ألقاه في الجماهير اليمنية في محافظة تعز التي زارها عقب قيام ثورة 26 سبتمبر 1962م، قال فيه عبارته التاريخية الشهيرة: "على بريطانيا أن تأخذ‮ ‬عصاها‮ ‬وترحل‮ ‬عن‮ ‬عدن‮"‬،‮ ‬كما‮ ‬شكلت‮ ‬إذاعة‮ ‬القاهرة،‮ ‬وبما‮ ‬كانت‮ ‬تبثه‮ ‬من‮ ‬الأغاني‮ ‬الثورية‮ ‬المناهضة‮ ‬لسياسات‮ ‬بريطانيا‮ ‬الاستعمارية،‮ ‬دورًا‮ ‬في‮ ‬تأجيج‮ ‬المشاعر‮ ‬الوطنية‮ ‬والقومية‮ ‬ضد‮ ‬الاحتلال‮ ‬البريطاني‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وفي عام 1964م قام رئيس جمهورية مصر وقتها الرئيس جمال عبدالناصر، بزيارة تاريخية إلى اليمن.. ومما قاله عبدالناصر خلال زيارته، إن اليمن كانت "معين الثورة ضد الطغيان وضد الاستبداد وضد السيطرة".. في تعز ألقى ناصر خطابه الشهير، وقال إن عدن والجنوب أرض عربية، وأنه‮ ‬من‮ ‬المستحيل‮ ‬على‮ ‬بريطانيا‮ ‬أن‮ ‬تفرق‮ ‬بين‮ ‬عرب‮ ‬وعرب‮ ‬أو‮ ‬يمنيين‮ ‬عن‮ ‬يمنيين‮. ‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وأضاف‮: "‬إن‮ ‬بريطانيا‮ ‬التي‮ ‬تنظر‮ ‬إلى‮ ‬ثورتكم‮ ‬بكراهية‮ ‬وحقد،‮ ‬يجب‮ ‬أن‮ ‬تحمل‮ ‬عصاها‮ ‬على‮ ‬كتفها‮ ‬وترحل‮ ‬من‮ ‬عدن‮.. ‬إننا‮ ‬نعاهد‮ ‬الله‮ ‬على‮ ‬هذه‮ ‬الأرض‮ ‬المقدسة،‮ ‬أن‮ ‬نطرد‮ ‬بريطانيا‮ ‬من‮ ‬كل‮ ‬جزء‮ ‬من‮ ‬الوطن‮ ‬العربي‮".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
كان خطاب ناصر تاريخيًا بكل معنى الكلمة، وكان له تأثير عميق في عدن والجنوب.. ومما قاله في خطابه الشهير بتعز: "لقد بذلنا الدماء وضحينا بالأرواح وحققنا النصر، وسنبذل الدماء ونضحي بالأرواح ونحقق النصر في اليمن كما حققناه في مصر".
وفي مايو 1964م، لقي عشرات الجنود البريطانيين مصرعهم، كان ذلك مؤشرًا عن إرادة أبناء الجنوب اليمني في التحرر من الاستعمار البريطاني والثورة التي اندلعت من ردفان، الخطاب التاريخي لجمال عبدالناصر، ذكَّر الشعب اليمني بماضيه ونزعته للحرية، حتى تكالبت عليه الإمامة‮ ‬الغاشمة‮ ‬لتكبيله‮. ‬وكان‮ ‬خطابه‮ ‬موجهًا‮ ‬لليمنيين‮ ‬في‮ ‬الشمال‮ ‬والجنوب‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
أشعل خطاب عبدالناصر جذوة الثورة ضد الاستعمار البريطاني، في خطابه قال إن "اليمني دائمًا رافع لواء الحرية في مشارق الأرض ومغاربها، حتى تكتل عليه الأئمة، فأذاقوه سوط العذاب، وحبسوه بين حدوده، ومنعوه من أن ينشر رسالة الحرية والإسلام في العالم.. فهل استكان الشعب اليمني؟ أبدًا لم يستكن الشعب اليمني، بل ثار دائمًا على الذل والعبودية، وعلى حكم الاستبداد وحكم الإرهاب، حتى قامت طليعة الشعب اليمني في يوم 26 سبتمبر 1962م، قامت لتدك معالم الظلم، ولتدك الرجعية والاستبداد، وأراد الله لها أن تنتصر، فانتصرت، وكان‮ ‬انتصارها‮ ‬انتصارًا‮ ‬لكم‮ ‬جميعاً‮.. ‬أنتم‮ ‬شعب‮ ‬اليمن‮ ‬الذي‮ ‬صمم‮ ‬دائمًا‮ ‬على‮ ‬الحرية،‮ ‬فقاتل‮ ‬وكافح‮ ‬دائمًا‮ ‬من‮ ‬أجل‮ ‬الحرية‮".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
حالة‮ ‬طوارئ‮ ‬في‮ ‬عدن‮ (‬1963‮ ‬ــ‮ ‬1967م‮)‬‬‬‬‬‬‬‬
تجاوبا إيجابيا مع المناخ القومي العروبي الثوري السائد حينها في منطقة الشرق الاوسط ، سعت بريطانيا الى اقناع سلاطين وشيوخ المنطقة بالاندماج مع مستعمرة عدن و تشكيل اتحاد جنوب الجزيرة العربية.. بعد استكمال بناء مؤسسات الدولة الاتحادية الجديدة وبناء جيشها الوطني الاتحادي ، سوف تمنح هذه الدولة الاتحادية الاستقلال في 1968م، لكن الدولة الاتحادية ستكون ملزمة باتفاق دفاعي مع بريطانيا ، وعلى ان تبقى القاعدة العسكرية البريطانية في عدن.. نعلم كانت في عدن احد أهم القواعد الجوية والبحرية البريطانية على الطريق الى الهند،‮ ‬وكانت‮ ‬هذه‮ ‬القاعدة‮ ‬هي‮ ‬الضامن‮ ‬لحماية‮ ‬وصول‮ ‬إمدادات‮ ‬النفط‮ ‬من‮ ‬الشرق‮ ‬الاوسط‮ ‬الى‮ ‬الاسواق‮ ‬العالمية‮ .‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
خلقت المقاومة الشعبية التي بدأت في عدن ضد الحكم البريطاني ، ارباكاً في الخطط البريطانية حول الاستقلال والانسحاب.. دخل الجيش البريطاني في مواجهة حرب العصابات في عدن وفي الظروف الحضرية.. أشتد الصراع بين المستعمر والمناضلين الاحرار في عام 1964 تم تسجيل 36 حادثاً في عدن بأربعة قتلى ، وفي عام 1965 - 286 حادثة (35 قتيلاً) ، عام 1966 - 610 حوادث (45 قتيلاً) ، وفي الاشهر العشرة الأولى من عام 1967 كانت هناك 2900 إصابة و369 قتيلاً، أضف الى هذا المقاومة الوطنية في عدن اتخذت قراراً بقتل المسؤولين البريطانيين والعملاء في حكومة اتحاد الجنوب العربي .. بدأ الاحرار أولاً بمهاجمة أقسام الشرطة ، ثم بقتل الضباط العملاء ، في بداية عام 1965 قُتل 16 ضابطاً يمنياًِ عميلاً من الادارة الخاصة . بعضهم اختطف ثم رميت جثثهم المليئة بالرصاص في شوارع كريتر والشيخ عثمان.. هذه التكتيكات للمقاومة‮ ‬حققت‮ ‬التأثير‮ ‬المطلوب‮ ‬،‮ ‬حيث‮ ‬كان‮ ‬نشاط‮ ‬المخابرات‮ ‬البريطانية‮ ‬في‮ ‬عدن‮ ‬مشلولاً‮ ‬بالكامل‮ ‬،‮ ‬لان‮ ‬السكان‮ ‬المحليين‮ ‬كانوا‮ ‬غير‮ ‬مستعدين‮ ‬للتعاون‮ ‬مع‮ ‬المحتل‮ ‬واعوانه‮ .‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ثم بدأ العمل على قنص شخصيات بريطانية محددة، مثلا ًفي صباح يوم 4 سبتمبر 1965 اقتنصت المقاومة الوطنية رئيس الإدارة الخاصة هاري باري وقتلته في سيارته في أزقة كريتر . بعد خمسة ايام تكررت العملية مع آرثر تشارلز رئيس الجمعية التشريعية في عدن وعضو اللجنة العليا للخدمة المدنية . هذه الاغتيالات أرعبت البريطانيين الذين ادركوا أن أياً منهم يمكن ان يكون الضحية التالية . واصبح الأوربيون سواء أكانوا يرتدون الزي العسكري أم لا ، هدفاً محتملاً في شوارع عدن للهجوم بالقنابل اليدوية أو للقنص من الثوار .
هذا الخوف دفع السلطة البريطانية في لندن الى تغيير خططها في فبراير 1966م، حيث أكدت حكومة العمال في لندن ان اتحاد الجنوب العربي سوف يحصل على الاستقلال الكامل قبل بداية عام 1968م.. وكذا عكس التصريحات السابقة بشأن الحفاظ على القاعدة العسكرية في عدن ، تقرر ان تغادر‮ ‬القوات‮ ‬البريطانية‮ ‬أراضي‮ ‬اتحاد‮ ‬الجنوب‮ ‬العربي‮ ‬تماماً‮ .‬‬‬‬‬‬‬‬‬
عمليات‮ ‬فدائية‬
بعد تشعب المواجهات مع القوات البريطانية في المناطق الريفية وامتدادها إلى 12 جبهة، أعلنت الجبهة القومية عن فتح جبهة عدن، ونقل النضال إليها, حيث أصبح للعمليات التفجيرية وطلقات الرصاص ببسالة المقاومة صدى إعلامي عالمي يصعب على الاستعمار البريطاني إخفاؤه.
وقد شكّل نقل العمل العسكري إلى عدن انعطافاً استراتيجياً لتنظيم الجبهة القومية والثورة محلياً وعربياً، ودولياً، بل شكّل مرحلة جديدة في حياة المناضلين أنفسهم الذين اشتركوا في العمليات العسكرية، فكان العمل العسكري والفدائي داخل المدينة عامل إرباك للقوات الأجنبية،‮ ‬حيث‮ ‬عمل‮ ‬على‮ ‬تخفيف‮ ‬الضغط‮ ‬على‮ ‬الجبهات‮ ‬الريفية‮ ‬المقاتلة،‮ ‬وتشتيت‮ ‬قوات‮ ‬الاحتلال،‮ ‬الأمر‮ ‬الذي‮ ‬ساعد‮ ‬على‮ ‬مد‮ ‬الجبهة‮ ‬القومية‮ ‬لنشاطها‮ ‬النضالي‮ ‬إلى‮ ‬مختلف‮ ‬مناطق‮ ‬الجنوب‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
تطورت أساليب النضال المسلح ليشهد صوراً مختلفة كان أكثرها تأثيراً العمليات الفدائية، حيث شهدت أهم وأخطر العمليات الفدائية كالعملية التي اشترك فيها (30) شخصاً لضرب الإذاعة البريطانية في التواهي، وحادثة مطار عدن التي قُتل فيها مساعد المندوب السامي البريطاني في‮ ‬عدن‭, ‬وإصابة‮ ‬المندوب‮ ‬السامي‮ ‬وعدد‮ ‬من‮ ‬مساعديه‮ ‬أثناء‮ ‬توجههم‮ ‬إلى‮ ‬الطائرة‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬ستقلهم‮ ‬إلى‮ ‬لندن‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
عمليات فدائية جديدة ظهرت أيضاً فيها, كان منفذ العملية هو الذي يحدد الهدف بنفسه دون الرجوع إلى القيادة المركزية، وأثبتت هذه العمليات نجاحها, حيث عملت على بث الرعب في نفوس الجنود البريطانيين، خصوصاً بعد مقتل رئيس المخابرات البريطانية في عدن "هيري ييري" ورئيس‮ ‬المجلس‮ ‬التشريعي‮ " ‬آرثرتشارلس‮"..‬‬‬‬‬
ليجد البريطانيون أنفسهم بين كماشة من النار والرصاص بفعل المقاومة الشرسة التي سادت كل أوساط الشعب ، وأخذت أشكالاً عدة، كما أن الدعم العربي الذي لاقته المقاومة من الدول العربية وخصوصاً من مصر دبلوماسياً ومادياً عزز موقف المقاومة، وأجبر المستعمر على طرح السؤال‮ ‬الأكثر‮ ‬عمقاً‮ ‬وهو‮ ‬إلى‮ ‬متى‮ ‬البقاء‮ ‬في‮ ‬وجه‮ ‬الطوفان؟‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
مواجهة‮ ‬الجنود‮ ‬البريطانيين‮ ‬للمقاومة‮ ‬الشعبية‬‬‬‬
شن البريطانيون غارات دورية بحثاً عن مخابئ للأسلحة . وألقي القبض على المشتبه بهم في أنشطة المقاومة الشعبية وارسالهم إلى مراكز الاحتجاز في المنصورة ومراكز الاستجواب في مربط ، وكانت أساليب الاستجواب التي استخدمها الجيش البريطاني في هذه المراكز كانت موضوع انتقاد شديد من منظمة العفو الدولية والصليب الأحمر الدولي، وكثر النقد على أساليب الاستجواب والتعذيب خاصة بعد نشر مقابلة مع جندي بريطاني العريف جورج لينوكس في فبراير 1966م في صحيفة " صنداي تايمز " ، الذي تحدث عما يحدث في مراكز الاحتجاز من الضرب الوحشي للسجناء وإساءة معاملتهم . وكان على الحكومة البريطانية ان تشكل فريقاً برلمانياً للتحقيق، لكن السلطات البريطانية رفضت السماح لخبراء مستقلين بدخول مراكز الاحتجاز.. وعموماً في هذه الفترة كانت الصحف البريطانية مليئة بصور الجنود البريطانيين الذين يجرون بقذارة المناضلين‮ ‬ومنهم‮ ‬قُصَّر‮ ‬من‮ ‬رقابهم،‮ ‬هكذا‮ ‬امتلأت‮ ‬الصحف‮ ‬بصور‮ ‬الجنود‮ ‬البريطانيين‮ ‬الوقحين،‮ ‬الذين‮ ‬عاملوا‮ ‬اليمنيين‮ ‬بطريقة‮ ‬لا‮ ‬إنسانية،‮ ‬وتحدثت‮ ‬منشورات‮ ‬الجبهة‮ ‬ايضاً‮ ‬عن‮ ‬فظائع‮ ‬الجنود‮ ‬البريطانيين‮ ‬في‮ ‬عدن‮ .‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
عشية‮ ‬الاستقلال‮ ‬30‮ ‬نوفمبر‮ ‬1967م‬‬‬‬
في يناير 1967 اندلعت اعمال الشغب بين أنصار جبهة التحرير والجبهة القومية في عدن واستمر هذا الشغب حتى منتصف شهر فبراير 1967م على الرغم من تدخل القوات البريطانية، اضف الى هذا كانت الروح المعنوية بين قوات الأمن الاتحادية في ادنى مستوياتها على الاطلاق، هذا الاحباط ادى الى تمرد في جيش الاتحاد والشرطة الاتحادية في 20 يونيو1967، قتل المتمردون ثمانية جنود من فيلق النقل الملكي البريطاني عندما تم اطلاق النار من قبل المتمردين على شاحنتهم . بعدها استعادت القوات البريطانية النظام ، وعندما اقترب موعد انسحاب القوات البريطانية في نوفمبر 1967 ، نشب القتال بين جبهة التحرير والجبهة القومية . في الاسبوع الاخير من شهر نوفمبر 1967 ، تم إجلاء الـ 3500 رجل من المتبقيين من الحامية البريطانية . وبعدها اصبحت مستعمرة عدن وحكومة الاتحاد وجيش الاتحاد جزءاً من جمهورية اليمن الديمقراطية‮ ‬الشعبية‮ .‬‬‬
ضربات‮ ‬الأحرار‮ ‬الموجعة‬‬
في نوفمبر عام 1967م قوت شوكة المقاومة اليمنية واشتدت سواعدها النضالية لتبطش بالاستعمار البريطاني واستولت على كافة المناطق اليمنية وألحقت ذلك بخوض معارك عنيفة مع جنود الحكومة البريطانية والتي ذاقت شر الهزيمة.
وتحت تأثير هذه الضربات الموجعة والقاسية فوجئت بريطانيا بتلقي ضربة قوية أخرى أسقطتها أرضاً وذلك عندما اشتدت حركة التظاهرات والاضطرابات والإضرابات السياسية، ونتيجة لتوالي واستمرار هذه الأحداث الثورية استضافت مدينة جنيف في الـ22 من نوفمبر وحتى الـ27من نوفمبر عام‮ ‬1967م‮ ‬مؤتمراً‮ ‬تفاوضياً‮ ‬بشأن‮ ‬استقلال‮ ‬الجنوب‮ ‬والذي‮ ‬انتهى‮ ‬بتوقيع‮ ‬وثيقة‮ ‬الاستقلال‮ ‬في‮ ‬يوم‮ ‬الـ29‮ ‬من‮ ‬نوفمبر‮ ‬1967م‮ ‬والذي‮ ‬فيه‮ ‬شهد‮ ‬رحيل‮ ‬آخر‮ ‬جندي‮ ‬بريطاني‮ ‬من‮ ‬الجنوب‮ ‬سابقاً‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وكان يوم الـ30 من نوفمبر 1967م هو ميلاد جمهورية جنوب اليمن سابقاً وخلوها تماماً من قراصنة الاستعمار البريطاني، وبذلك تكون الثورة السبتمبرية قد أنجزت وحققت أول أهدافها الثورية والمتمثل في التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما..
فما أحوجنا اليوم امام عظمة هذه المناسبة ، ذكرى الاستقلال، من إعادة بناء منظومة القيم والاخلاق التي دمرها العدوان، و تعزيز الولاء الوطني في نفوس الجميع واستشعار المسؤولية الوطنية والحفاظ على وحدة الصف الوطني بين قوى الحراك السياسي الجنوبي، وتغليب مصلحة الوطن والدفاع عن ارضنا و شعبنا و دحر مشروع العدوان الذي يسعى الى تمزيق الحراك السياسي الجنوبي عبر شراء الذمم وتمرير اتفاق الرياض وفرض الاستعمار الجديد الذي لا يختلف عن ذلك الاستعمار القديم ، البريطاني . وعلينا ان نتهيأ لحرب تحرير اخرى إذا اضطر الأمر ذلك.
المحافظات‮ ‬الجنوبية‮ ‬على‮ ‬موعد‮ ‬جديد‮ ‬للتحرير‮ ‬والاستقلال‬‬‬‬‬‬
رحلت بريطانيا عن اليمن وبقيت عيونها شاخصة إليه، فهذا المشروع الاستعماري لم يسقط بالتقادم. تغيّرت الوجوه والأدوات والذرائع وعاد الاحتلال مرة أخرى.. تواجُد البريطانيين اليوم في المهرة والأميركيين في شبوة والمكلا، وعملاء الصهيونية في جزيرتي سقطرى وميون وفي المناطق السعودية الحدودية مع اليمن، والسعودية والامارات في عدد من المناطق والمحافظات الجنوبية، هو مشهد يفسّر تركيبة المشروع الاستعماري الجديد الذي خططت له الولايات المتحدة ونفّذته السعودية والامارات وباركته بريطانيا و"إسرائيل".. غير ان القبائل اليمنية التي أخرجت بريطانيا قبل أكثر من 55 عاماً من اليمن، قادرة اليوم على تكرار هذا الأمر، ليس فقط بالتحرر من الاحتلال العسكري، بل بالقضاء على براثن الاحتلال ومشاريعه التقسيمية الالغائية، فاليمني عبر التاريخ لم يقبل أي محتل على أرضه مهما كانت قوته وسطوته، بل إنه ألحق بهم‮ ‬شر‮ ‬الهزائم‮ ‬فيخرجون‮ ‬منها‮ ‬يجرون‮ ‬أذيال‮ ‬العار،‮ ‬وهنا‮ ‬لابد‮ ‬أن‮ ‬يأخذ‮ ‬المحتل‮ ‬الجديد‮ ‬العبرة‮ ‬من‮ ‬سابقيه‮ ‬وأن‮ ‬مصيره‮ ‬سيكون‮ ‬أسوأ‮ ‬منهم‮..‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وأن التعاون والتساهل والتخاذل إزاء دخول المحتل الجديد ليدنس تراب اليمن الطاهر؛ إنما هو خيانة لدماء الشهداء الذين طردوا آخر مستعمر من أرض اليمن قبل نصف قرن، ومن قبلهم ثوار ثورة الرابع عشر من أكتوبر، وهنا لا بد من تذكير المحتل الغازي أن الدولة التي كانت لا تغيب‮ ‬عنها‮ ‬الشمس‮ ‬خرجت‮ ‬من‮ ‬اليمن‮ ‬تحت‮ ‬ضربات‮ ‬وتضحيات‮ ‬الشعب‮ ‬اليمني‮ ‬بكل‮ ‬فئاته،‮ ‬فكيف‮ ‬بالأدوات‮ ‬الصغيرة‮ ‬من‮ ‬المعتدين‮ ‬على‮ ‬بلادنا‮ ‬الطامحين‮ ‬للسيطرة‮ ‬على‮ ‬قرارنا‮ ‬الوطني‮ ‬وحرية‮ ‬شعبنا‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
أهم‮ ‬أحداث‮ ‬العام‮ ‬1967م‬‬‬
15 فبراير: جماهير غفيرة في عدن خرجت في مظاهرات حاشدة معادية للاستعمار البريطاني وهي تحمل جنازة رمزية للشهيد مهيوب علي غالب (عبود) الذي استشهد أثناء معركة ضد القوات الاستعمارية في مدينة الشيخ عثمان.
8‮ ‬مارس‮: ‬الجامعة‮ ‬العربية‮ ‬تصدر‮ ‬قراراً‮ ‬تشجب‮ ‬فيه‮ ‬التواجد‮ ‬البريطاني‮ ‬في‮ ‬جنوب‮ ‬اليمن‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
2‮ ‬إبريل‮: ‬بدون‮ ‬تنسيق‮ ‬مسبق،‮ ‬حدث‮ ‬إضراب‮ ‬عام‮ ‬شل‮ ‬كافة‮ ‬أجهزة‮ ‬العمل‮ ‬في‮ ‬مدينة‮ ‬عدن،‮ ‬دعت‮ ‬إليه‮ ‬الجبهة‮ ‬القومية‮ ‬وجبهة‮ ‬التحرير‮ ‬في‮ ‬وقت‮ ‬واحد‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
3 إبريل: فدائيو حرب التحرير ينفذون عدة عمليات عسكرية ناجحة ضد مواقع وتجمعات المستعمر البريطاني في مدينة الشيخ عثمان بعدن، كبدوا خلالها القوات الاستعمارية خسائر فادحة في الأرواح والعتاد، وسقط خلالها عدد من الشهداء في صفوف الفدائيين.
20‮ ‬يونيو‮: ‬تمكن‮ ‬الفدائيون‮ ‬من‮ ‬السيطرة‮ ‬على‮ ‬مدينة‮ ‬كريتر‮ ‬لمدة‮ ‬أسبوعين‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
21‮ ‬يونيو‮: ‬ثوار‮ ‬الجبهة‮ ‬القومية‮ ‬يتوجون‮ ‬كفاحهم‮ ‬البطولي‮ ‬ضد‮ ‬الاستعمار‮ ‬الأجنبي‮ ‬وعملائه‮ ‬في‮ ‬إمارة‮ ‬الضالع‮ ‬بالسيطرة‮ ‬على‮ ‬عاصمتها‮ ‬ومعهم‮ ‬آلاف‮ ‬المواطنين‮ ‬الذين‮ ‬دخلوها‮ ‬في‮ ‬مسيرة‮ ‬حافلة‮ ‬يتقدمهم‮ ‬علي‮ ‬احمد‮ ‬ناصر‮ ‬عنتر‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
12‮ ‬أغسطس‮: ‬الجبهة‮ ‬القومية‮ ‬تسيطر‮ ‬على‮ ‬مشيخة‮ ‬المفلحي‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬زحفت‮ ‬عليها‮ ‬بمظاهرة‮ ‬كبيرة‮ ‬شارك‮ ‬فيها‮ ‬أبناء‮ ‬القرى‮ ‬والمناطق‮ ‬المحيطة‮ ‬بالمشيخة،‮ ‬وتوالى‮ ‬بعد‮ ‬ذلك‮ ‬سقوط‮ ‬السلطنات‮ ‬والمشيخات‮ ‬بيد‮ ‬الجبهة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
28‮ ‬سبتمبر‮: ‬تأسيس‮ ‬إذاعة‮ ‬المكلا‮ ‬التي‮ ‬انطلقت‮ ‬باسم‮ "‬صوت‮ ‬الجبهة‮ ‬القومية‮ ‬لتحرير‮ ‬الجنوب‮ ‬اليمني‮ ‬المحتل‮".‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
5‮ ‬نوفمبر‮: ‬قيادة‮ ‬الجيش‮ ‬الاتحادي‮ ‬في‮ ‬جنوب‮ ‬الوطن‮ ‬المحتل‮ ‬تعلن‮ ‬وقوفها‮ ‬إلى‮ ‬جانب‮ ‬الثورة‮ ‬ودعمها‮ ‬للجبهة‮ ‬القومية،‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬باتت‮ ‬غالبية‮ ‬المناطق‮ ‬تحت‮ ‬سيطرتها‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
14‮ ‬نوفمبر‮: ‬وزير‮ ‬الخارجية‮ ‬البريطاني‮ (‬جورج‮ ‬براون‮) ‬يعلن‮ ‬أن‮ ‬بريطانيا‮ ‬على‮ ‬استعداد‮ ‬تام‮ ‬لمنح‮ ‬الاستقلال‮ ‬لجنوب‮ ‬الوطن‮ ‬اليمني‮ ‬في‮ ‬30‮ ‬نوفمبر‮ ‬1967م‮ ‬وليس‮ ‬في‮ ‬9‮ ‬يناير‮ ‬1968م،‮ ‬كما‮ ‬كان‮ ‬مخططاً‮ ‬له‮ ‬سابقاً‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
21 نوفمبر: بدأت المفاوضات في جنيف بين وفد الجبهة القومية ووفد الحكومة البريطانية من أجل نيل الاستقلال وانسحاب القوات البريطانية من جنوب الوطن، وجرى في ختامها توقيع اتفاقية الاستقلال بين وفد الجبهة القومية برئاسة قحطان محمد الشعبي، ووفد المملكة المتحدة (بريطانيا‮) ‬برئاسة‮ ‬اللورد‮ ‬شاكلتون‮.‬‬‬‬‬
26‮ ‬نوفمبر‮: ‬بدأ‮ ‬انسحاب‮ ‬القوات‮ ‬البريطانية‮ ‬من‮ ‬عدن،‮ ‬ومغادرة‮ ‬الحاكم‮ ‬البريطاني‮ ‬هامفريتر‮ ‬يفليان‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
29‮ ‬نوفمبر‮: ‬جلاء‮ ‬آخر‮ ‬جندي‮ ‬بريطاني‮ ‬عن‮ ‬مدينة‮ ‬عدن‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
30‮ ‬نوفمبر‮: ‬إعلان‮ ‬الاستقلال‮ ‬الوطني‮ ‬وقيام‮ ‬جمهورية‮ ‬اليمن‮ ‬الجنوبية‮ ‬الشعبية،‮ ‬بعد‮ ‬احتلال‮ ‬بريطاني‮ ‬دام‮ ‬129‮ ‬عاماً،‮ ‬وأصبحت‮ ‬الجبهة‮ ‬القومية‮ ‬لتحرير‮ ‬جنوب‮ ‬اليمن‮ ‬المحتل‮ ‬إبان‮ ‬حرب‮ ‬التحرير‮ ‬تتولى‮ ‬مسؤولية‮ ‬الحكم‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
30‮ ‬نوفمبر‮: ‬صدر‮ ‬في‮ ‬عدن‮ ‬قرار‮ ‬القيادة‮ ‬العامة‮ ‬للجبهة‮ ‬القومية،‮ ‬بتعيين‮ ‬قحطان‮ ‬محمد‮ ‬الشعبي،‮ ‬أمين‮ ‬عام‮ ‬الجبهة،‮ ‬رئيساً‮ ‬لجمهورية‮ ‬اليمن‮ ‬الجنوبية‮ ‬الشعبية‮ ‬لمدة‮ ‬سنتين‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

تمت طباعة الخبر في: الجمعة, 29-مارس-2024 الساعة: 07:09 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-63351.htm