الميثاق نت -

الثلاثاء, 13-ديسمبر-2022
حسن‮ ‬عبدالوارث‮ ❊‬ -
حتى هذه اللحظة، لا أقوى على الإلمام بنواصي القلم ولملمة حواشي الكلِم، فقد صدمني النبأ ، بالرغم من معرفتي الأكيدة بتدهور صحته الجسدية على نحوٍ يومي فادح ، منذ عدة شهور.. وبالرغم من توقُّعي سماع هذا النبأ بين حينٍ وآخر ، منذ فترة ليست بالقصيرة، الاَّ أن وقع هذا‮ ‬النبأ‮ ‬الأليم‮ ‬على‮ ‬الأسماع‮ ‬والوجدان‮ ‬كان‮ ‬صادماً‮ ‬بحق‮.. ‬فهذا‮ ‬ما‮ ‬يحدث‮ ‬لأيّ‮ ‬امرىءٍ‮ ‬تجاه‮ ‬كل‮ ‬عزيز‮.. ‬وهل‮ ‬من‮ ‬عزيز‮ ‬كعبدالعزيز؟
‮...‬
هل‮ ‬انهار‮ ‬بابك‮ ‬الثامن‮ ‬يا‮ ‬صنعاء‮ ‬؟
هل‮ ‬أسلمَ‮ ‬حارسك‮ ‬الأمين‮ ‬الروح‮ ‬؟
‮... ‬وسلَّم‮ ‬عاشقك‮ ‬الأبدي‮ ‬الراية‮ ‬؟
كتب‮ ‬عبدالعزيز‮ ‬المقالح‮ ‬قصيدته‮ ‬الأخيرة‮ ‬في‮ ‬كتاب‮ ‬صنعاء‮ ‬،‮ ‬وسِفْر‮ ‬الوطن‮ ‬،‮ ‬ودفتر‮ ‬الحياة‮ .. ‬وقرَّر‮ ‬أن‮ ‬يُغادر‮ ‬مقعده‮ ‬في‮ ‬المكان‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬مناسباً‮ ‬لتواجده‮ ‬،‮ ‬وفي‮ ‬الزمان‮ ‬الذي‮ ‬لم‮ ‬يعد‮ ‬جديراً‮ ‬بوجوده‮ .‬
هكذا‮ ‬،‮ ‬بعد‮ ‬رحلة‮ ‬طويلة‮ ‬مُضنية‮ ‬،‮ ‬حطَّ‮ ‬القلم‮ ‬على‮ ‬صدر‮ ‬الورقة‮ ‬،‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬خطَّ‮ ‬الكلمة‮ ‬الأخيرة‮ ‬على‮ ‬وجهها‮: ‬وداعاً‮ .‬
‮...‬
كان‮ ‬ظهره‮ ‬قد‮ ‬تقوَّس‮ ‬وانحنى‮ ‬،‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬نأى‮ ‬بكلكلِ‮ ‬من‮ ‬أثقال‮ ‬ما‮ ‬عانى‮ ‬هو‮ ‬والبلاد‮ ..‬
كان‮ ‬ظهره‮ ‬،‮ ‬فقط‮ . ‬أما‮ ‬قلبه‮ ‬فلا‮ . ‬وأما‮ ‬قلمه‮ ‬فلا‮ . ‬وأما‮ ‬ضميره‮ ‬الوطني‮ ‬والانساني‮ ‬فلا‮ ‬،‮ ‬ولا‮ ‬الذاكرة‮ .‬
هل‮ ‬كان‮ ‬ظهرك‮ ‬يا‮ ‬عزيز‮ ‬،‮ ‬أم‮ ‬عضد‮ ‬الوطن‮ ‬هو‮ ‬الذي‮ ‬توجَّع‮ ‬وتهاوى‮ ‬وانكسر‮ ‬؟
أم‮ ‬أنك‮ ‬قرّرت‮ ‬فجأة‮ ‬أن‮ ‬تُواري‮ ‬كل‮ ‬هذا‮ ‬الوجع‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬بحجم‮ ‬البلاد‮ .. ‬وأن‮ ‬تدفنه‮ ‬معك‮ ‬في‮ ‬رحم‮ ‬المدينة‮ ‬التي‮ ‬عشقتً‮ ‬حدَّ‮ ‬التمزق‮ ‬والألم‮ ‬؟
وها‮ ‬قد‮ ‬ضمَّك‮ ‬رحم‮ ‬صنعاء‮ ‬في‮ ‬رحلتك‮ ‬الأبدية‮ ‬الى‮ ‬الأبدية‮ . ‬فأهنأ‮ ‬برحلتك‮ ‬الأخيرة‮ ‬مع‮ ‬المعشوقة‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬تَرْقَ‮ ‬اليها‮ ‬معشوقة‮ ‬في‮ ‬فؤادك‮ ‬يوماً‮ .‬
‮...‬
كنت‮ ‬مُتّقد‮ ‬الذهن‮ ‬والذاكرة‮ ‬حتى‮ ‬أيامك‮ ‬الأخيرة‮ ‬،‮ ‬ومشتعل‮ ‬الروح‮ ‬والشعر‮ ‬،‮ ‬وهانىء‮ ‬البال‮ ‬بسلامك‮ ‬الداخلي‮ ..‬
وكنت‮ ‬تحتفي‮ ‬بأصحابك‮ ‬في‮ ‬دارك‮ - ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬غبتَ‮ ‬عن‮ ‬مكتبك‮ ‬تحت‮ ‬وطأة‮ ‬التعب‮ - ‬وأنت‮ ‬بشوش‮ ‬المُحيَّا‮ ‬،‮ ‬جذِلاً‮ ‬بهم‮ .‬
وبرغم‮ ‬أن‮ ‬الأصحاب‮ ‬قد‮ ‬تناقص‮ ‬عديدهم‮ ‬،‮ ‬وخَفَت‮ ‬نشيدهم‮ ‬،‮ ‬الاَّ‮ ‬أنك‮ ‬لم‮ ‬تُدِر‮ ‬وجهك‮ ‬يوماً‮ ‬عن‮ ‬أحدٍ‮ ‬منهم‮ ‬في‮ ‬عاديّ‮ ‬يومهم‮ ‬أو‮ ‬عيدهم‮ .‬
ألم‮ ‬تقُل‮ ‬لي‮ ‬يوماً‮ :‬
‮" ‬الأصدقاء
لم‮ ‬يعودوا‮ ‬مثلما‮ ‬كانوا
نجوماً‮ ‬تهتدي‮ ‬بها‮ ‬النجوم‮ ‬،
والأعداء
لم‮ ‬يعد‮ ‬لديهم‮ ‬من‮ ‬فضائل‮ ‬الصبر
ولا‮ ‬أناقة‮ ‬اختيار‮ ‬الكلمات‮ ‬الجارحة‮ " .‬
وقد‮ ‬كنت‮ ‬تراهم‮ ‬في‮ ‬دقيق‮ ‬البصر‮ ‬وعميق‮ ‬البصيرة‮ :‬
‮" ‬هذي‮ ‬الكتلة‮ ‬الكبرى‮ ‬من‮ ‬الزحام
لم‮ ‬يعودوا‮ ‬يُبصرون‮ ‬بعضهم
ولا‮ ‬طريقهم
لا‮ ‬خلفَ‮ ‬في‮ ‬قاموسهم
ولا‮ ‬أمام‮ " .‬
رحمة‮ ‬الله‮ ‬تغشاك‮ ‬يا‮ ‬صديقي‮ ‬ورفيقي‮ ‬ومُعلّمي‮ .. ‬ورحمة‮ ‬الوطن‮ .‬
بَيْدَ‮ ‬أنني‮ ‬أبكيك‮ ‬اليوم‮ ‬،‮ ‬ليس‮ ‬للأمر‮ ‬الذي‮ ‬قضاه‮ ‬الله‮ ‬وقدَّره‮ ‬،‮ ‬وهو‮ ‬أمر‮ ‬محتوم‮ ..‬
انما‮ ‬أبكيك‮ ‬لأنك‮ ‬رحلت‮ ‬في‮ ‬اللحظة‮ ‬الكريهة‮ ‬في‮ ‬حياتك‮ ‬وحياة‮ ‬صنعاء‮ ‬وحياة‮ ‬الوطن‮ ‬والناس‮ ‬الذين‮ ‬أحببت‮ ..‬
اللحظة‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬قط‮ ‬جديرةً‮ ‬برحيلك‮ ‬،‮ ‬الرحيل‮ ‬الذي‮ ‬كان‮ ‬ينبغي‮ ‬له‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬شبيهاً‮ ‬برحيل‮ ‬النوارس‮ ‬والمآذن‮ ‬والمرافىء‮ ‬والأشرعة‮ .‬
هل‮ ‬كان‮ ‬الرحيل‮ ‬الخطأ‮ ‬في‮ ‬اللحظة‮ ‬الخطأ‮ ‬؟
نعم‮ ‬،‮ ‬كان‮ ‬كذلك‮ ‬تماماً‮ .‬
فقد‮ ‬كان‮ ‬ينبغي‮ ‬لك‮ ‬أن‮ ‬ترحل‮ - ‬اذْ‮ ‬ترحل‮ - ‬في‮ ‬حالةٍ‮ ‬صنعائية‮ ‬مُوشَّاة‮ ‬بالابتهاج‮ .. ‬في‮ ‬سُمُوٍّ‮ ‬يمانيٍّ‮ ‬مُكتظ‮ ‬بالعنفوان‮ .. ‬في‮ ‬موجة‮ ‬فرح‮ ‬،‮ ‬لا‮ ‬تكسرها‮ ‬صخرة‮ ‬ناتئة‮ ‬في‮ ‬شطّ‮ ‬البلاد‮ ..‬
ولا‮ ‬يُصادرها‮ ‬قرصان‮ ‬أعور‮ ‬تمطَّى‮ ‬على‮ ‬صارية‮ ‬الفجيعة‮ ‬الغاشمة‮ .‬

وداعاً‮ ... ‬يا‮ ‬سيّدي‮ ‬وحبيبي‮ .‬

‮❊ ‬موقع‮ : ‬بلقيس‮ ‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 18-يوليو-2024 الساعة: 03:27 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-63403.htm