سلطان القباطي - اشتقت كثيراً لتلك الأيام التي كنا نبكر فيها الصبح إلى أطرف كشك في أي شارع ونتفرج على إصدارات الصحف ونطالع عناوينها ... صحف ومجلات بالعشرات ... ثلاث أو أربع حكومية واثنتين أو ثلاث تتبع الحزب الحاكم وبجانبهن خمسون صحيفة حزبية وأهلية وجهوية ومذهبية تسلخ السلطة وحزب السلطة وتمسح بهم البلاط ... وفي الطرف صحيفة دائماً أشوف مكتوب بالركن حقها "لن يجزعوا" ...
ولما نروح الجامعة أو العمل وفوق الباص نتناقش ونتصايح بأعلى أصواتنا حول قضايا الساعة ... هذا يصبّن الحاكم ويسرد ويعدد خطايا السلطة فيما يتعلق بالجرعة الأخيرة القاتلة وحزام الأمان أو المطبات، وذاك يدافع عن الحاكم ويعدد منجزاته، وثالث كافر بهم كلهم ويشتي تطبيق شرع الله، وواحد بالطرف جالس ساكت وسط كل هذا الصخب ولا له دخل بأي حاجة ومنسجم يقرأ صحيفة المستقلة ..
وهناك في أماكن العمل بالمؤسسات الحكومية كنا نتابع أو نشارك في معارك وتكتلات راقية وعصرية وحضارية.. شلة تنادي بإقالة النقابة وانتخاب قيادة جديدة، وشلة تنفذ وقفة احتجاجية للمطالبة بسرعة اعتماد التسويات المتأخرة منذ "شهر كامل" ... وفي ذلك المرفق يتجمع الموظفون للتوقيع على عريضة بإقالة أمين الصندوق والمدير المالي والوزير والحكومة والرئيس بسبب قيام أمين الصندوق بخصم 17 ريالاً من راتب كل موظف ... وفي الجامعات تجري استعدادات ومهرجانات وخطابات طلابية تمهيداً لانتخابات المجالس الطلابية بالكليات واتحادات الطلاب بالجامعات ..
ننتهي من أعمالنا فتجمعنا مجالس القات والأعراس ومجالس العزاء.. ناس من مختلف التوجهات السياسية والوجهات الجغرافية.. يستمرون في النقاشات والصخب هنا أيضاً حول الجرعة القاتلة المتمثلة برفع سعر دبة البنزين 100 ريال دفعة واحدة وبلا رحمة ولا شفقة بحال المواطن وأثر ذلك على معيشته.. يسخر البعض من رفع الأجور 5000 ريال فقط للتخفيف من الآثار الكارثية للجرعة القاتلة.. يغلقون ملف الجرعة وينتقلون لمناقشة النظام السياسي والانتخابي ونظام الكوتا والقائمة النسبية والنظام البرلماني وزواج القاصرات والوضع في فلسطين والعراق وأفغانستان وبوركينافاسو ..
يسافر الناس في الأعياد والمناسبات إلى مناطقهم وقراهم شمالاً وجنوباً شرقاً وغرباً مطلع ومنزل.. يقطعون عشرات ومئات الكيلومترات.. لا أحد يسأل عن الوضع في الطريق أو عن متطلبات النقطة الفلانية من وثائق وإتاوات.. لا يغيرون ألقابهم أو ملابسهم أو لهجتهم خوفاً أو طمعاً.. لا أحد يسألهم من أنتم ومن أين جئتم وإلى أين أنتم ذاهبون وما الغرض من ذهابكم وما علاقتكم بفلان أو الجهة الفلانية ولا أحد يفتش هوياتهم وحقائبهم وأمتعتهم وتلفوناتهم..
|