الجمعة, 21-مارس-2008
الميثاق نت -        بقلم/الكاتب/ احمد الحبيشي -
تحدث اللواء محمد نجيب في كتاب له تضمن مذكراته عن بعض القضايا التي تتعلق بالاخوان المسلمين حيث قال: ( حاول الاخوان المسلمون الاتصال بي في ديسمبر 1953م عن طريق محمد رياض الذي اتصل به حسن العشماوي ومنير الدولة وطلبوا أن تتم مقابلة سرية بيني وبينهم واقترحوا مكاناً للمقابلة منزل الدكتور اللواء احمد الناقة الضابط بالقسم الطبي في الجيش وكانت هذه مفاجأة لأنني عرفت لأول مرة أن للدكتور احمد الناقة ارتباطاً بالاخوان المسلمين ورفضت فكرة الاجتماع السري بهم وأبلغتهم بواسطة محمد رياض أنني مستعد لمقابلتهم في منزلي أو مكتبي، لكنهم اعتذروا عن ذلك وطلبوا أن أفوض مندوباً عني للتباحث معهم فوافقت وعينت محمد رياض ممثلاً عني للاجتماع معهم بعد أن زودته بتعليماتي واجتمع محمد رياض بممثلي الاخوان المسلمين حسن العشماوي ومنير الدولة عدة مرات ) !! بحسب المذكرات أوضح محمد رياض لممثلي الاخوان رأي محمد نجيب في إنهاء الحكم العسكري الحالي وعودة الجيش إلى ثكناته وإقامة الحياة الديمقراطية البرلمانية وعودة الأحزاب وإلغاء الرقابة على الصحف، ولكنهم لم يوافقوا على ذلك بل طالبوا ببقاء الحكم العسكري الحالي وعارضوا إلغاء الأحكام العرفية وطالبوا باستمرار الأوضاع كما هي على أن ينفرد محمد نجيب بالحكم وإقصاء جمال عبدالناصر وباقي أعضاء مجلس قيادة الثورة وأن يتم أيضاً تشكيل حكومة مدنية لا يشترك فيها الإخوان المسلمون، ولكن يتم تأليفها بموافقتهم. كما طالب الاخوان بتعيين رشاد مهنا وهو "إخواني" قائداً عاماً للقوات المسلحة بالإضافة إلى تشكيل لجنة سرية استشارية يشترك فيها بعض العسكريين الموالين لمحمد نجيب، وعدد مساوٍ لهم من "الاخوان المسلمين" بحيث يتم عرض القوانين على هذه اللجنة قبل إقرارها كما تعرض على هذه اللجنة الاستشارية السرية سياسة الدولة العامة وأسماء المرشحين "للمناصب الكبرى". ويضيف محمد نجيب في مذكراته: (كان الإخوان المسلمون يريدون بذلك السيطرة الخفية على الحكم دون أن يتحملوا المسؤولية)، ثم يمضي قائلاً: "رفضت جميع هذه الاقتراحات وانتهت المفاوضات السرية التي جرت بين محمد رياض وموفدي الاخوان المسلمين.. وقد تعرض محمد رياض للمتاعب في وقت لاحق بعد أن اعترف الصاغ حسن حمودة وكان من الاخوان المسلمين أمام المحكمة في شهر نوفمبر 1954م، بأن اتصالاً سرياً تم بيني والاخوان المسلمين بواسطة محمد رياض وذكر أمام المحكمة أرائي التي نقلها محمد رياض إلى حسن عشماوي ومنير الدولة، وصدر أمر بالقبض على محمد رياض بتهمة التخطيط لانقلاب على مجلس قيادة الثورة بالتعاون مع الاخوان المسلمين، ولكنه استطاع الهرب إلى المملكة العربية السعودية بالطائرة". هكذا يناورون!! تدل الاعترافات التي أدلى بها قادة الاخوان بعد أحداث 1954م بميدان المنشية في الاسكندرية على أنهم بدأوا يعملون ضد ثورة 23 يوليو وجمال عبدالناصر على وجه التحديد في ثلاثة اتجاهات: الاتجاه الأول: معارضة المفاوضات المصرية البريطانية بشأن جلاء القوات البريطانية عن مصر وتوقيع اتفاقية الجلاء، وكان الاخوان قد اقترحوا على مجلس قيادة الثورة التوقف عن أسلوب المفاوضات وإعلان الجهاد وفتح المجال للمتطوعين من الاخوان للقتال.. وتم الرد عليهم بأنكم بهذا المقترح تسعون إلى استنفار الانجليز ضد النظام الجديد وهو ما لم تفعلوه مع الملك.. بل إنكم أيدتم رئيس الوزراء الطاغية إسماعيل صدقي الذي وقع مع بريطانيا على معاهدة 1936م المعروفة بمعاهدة صدقي بيفن وخرجتم بمظاهرة تأييد لهذا الطاغية، ووظفتم فيها الدين والقرآن لخدمة أهدافه السياسية وأهدافكم التي تقاطعت معها حين رفعتم في تلك المظاهرة شعار: "وأذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد". وبعد إلغاء معاهدة 1936م في 18 أكتوبر 1951م تحت ضغط الكفاح المسلح والعمل الفدائي ضد الانجليز في قناة السويس قال المرشد العام الجديد لمندوب جريدة "الجمهوري المصري" في 25 أكتوبر 1951م: "وهل تظن أن أعمال العنف ستخرج الانجليز من البلاد؟.. إن واجب الحكومة اليوم أن تفعل ما يفعله الاخوان من تربية الشعب وإعداده أخلاقياً فذلك هو الطريق الصحيح لإخراج الانجليز من مصر، كما خطب المرشد العام الهضيبي في شباب الاخوان قائلاً: "اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن الكريم"!! وقد رد عليه خالد محمد خالد في (روز اليوسف) تحت عنوان "أبشر بطول سلامة يا جورج" في تاريخ 30 أكتوبر 1951م قائلاً: "الإخوان المسلمون كانوا أملاً من آمالنا لم يحركوا ولم يقذفوا في سبيل الوطن بحجر ولا طوبة، وحين وقف مرشدهم الفاضل يخطب منذ أيام في عشرة آلاف شاب قال لهم "اذهبوا واعتكفوا على تلاوة القرآن، ولا تتورطوا بالقتال". ويتساءل خالد محمد خالد في مقاله الذي رد به على خطاب مرشد الاخوان وأحاديثه الصحفية.. " أفي مثل هذه الأيام يدعى الشباب للاعتكاف على تلاوة القرآن الكريم ومرشد الاخوان يعلم ان رسول الله صلى الله عليه وسلم وخيار صحابته تركوا صلاتي الظهر والعصر من أجل معركة"؟!! الاتجاه الثاني: الاتصال بمستر ايفانز المستشار السياسي في السفارة البريطانية بالقاهرة حيث عقدوا معه عدة اجتماعات استمرت عدة ساعات في منزل الدكتور محمد سالم الذي أوضح لمستر ايفانز موقف الاخوان بان تكون عودة الانجليز إلى القاعدة بناءً على رأي لجنة مشكلة من المصريين والانجليز وان الذي يقرر حظر الحرب هي الأمم المتحدة! والغريب في الأمر أن الانجليز تبنوا هذا الرأي في مفاوضات الجلاء بعد أن رفضه الجانب المصري وثبت أن المستر ايفانز التقى أكثر من مرة بالمرشد العام وصالح أبو رفيقة ومنير الدولة. وكانت هذه الاتصالات موضع مناقشة أثناء محاكمة الاخوان، حيث أتضح من اعترافات المتهمين حقائق كثيرة ومنها ان البكباشي الاخواني عبدالمنعم رؤوف قابل أيضاً موظفاً كبيراً في احدى السفارات الأجنبية وأخبره بأنه يتحدث باسم الاخوان ومرشدهم وأنهم سيتولون مقاليد الحكم في مصر بالقوة ويطلبون تأييد السفارة البريطانية للانقلاب الجديد، ثم أضاف أن "الاخوان" على استعداد بعد ان يتولوا مقاليد الحكم للاشتراك في حلف عسكري ضد الشيوعية لان إسلامهم يحثهم على ذلك، وأن هذا الحلف لن يتحقق ما دام جمال عبدالناصر على قيد الحياة لانه سبق وان أدلى بتصريحات نشرت في جميع الصحف العالمية عن رأيه في الأحلاف العسكرية وأهدافها الاستعمارية!! وكان المرشد العام للاخوان المسلمين اقترح على قادة الثورة ان تدخل مصر في حلف عسكري مع الغرب ضد روسيا وربطت الصحف بين توقيت الاعتداء الذي قامت به إسرائيل على الحدود المصرية في رفح وبين محاولة الاخوان لبدء تنفيذ خطتهم!! الاتجاه الثالث: تنشيط الجهاز السري من خلال ضم أكبر عدد من ضباط البوليس والجيش إليه، وقد اتصلوا بعدد من الضباط الأحرار وهم لا يعلمون انهم من تنظيم الضباط الأحرار فسايروهم وساروا معهم في خطتهم.. وكانوا يجتمعون بهم اجتماعات أسبوعية ويأخذون عليهم من هذه الاجتماعات عهداً وقسماً بان يطيعوا ما يصدر إليهم من أوامر المرشد العام وألا ينقضوا بيعتهم للمرشد.. كما جندوا عدداً من ضباط الصف وعندما تجمعت كل هذه المعلومات استدعى عبدالناصر حسن العشماوي وقال له: ( إنني احذركم من أن ما يحدث سيلحق الضرر بالبلاد ) ثم وضع أمامه كل ما تجمع لدى مجلس قيادة الثورة من معلومات ومعطيات فوعد بان يتصل بالمرشد العام ويبحث معه هذا الأمر ولكنه خرج ولم يعد على حد تعبير بيان مجلس قيادة الثورة الذي صدر عقب محاولة اغتيال جمال عبدالناصر في وقت لاحق من عام 1954م بميدان المنشية في الاسكندرية!! وفي اليوم التالي استدعى جمال عبدالناصر فضيلة الشيخ سيد سابق والدكتور خميس حميدة وابلغهما ما لديه من معلومات وما ابلغه لحسن العشماوي في اليوم السابق فوعداه بأن يعملا على وقف هذا النشاط الضار.. ولكن النشاط لم يتوقف بل اتسع!! ومما له دلالة عميقة ان المرشد العام للاخوان المسلمين أدلى بتصريح صحفي يوم 5 يوليو 1953م لوكالة (الأسوشييتد برس) قال فيه: "اعتقد أن العالم الغربي سوف يربح كثيراً إذا وصل الاخوان إلى الحكم في مصر، وأنا على ثقة بأن الغرب سيفهم مبادئنا المعادية للشيوعية والاتحاد السوفيتي وسيقتنع بمزايا الاخوان المسلمين".. وهكذا قدم المرشد العام مزاياه للغرب الاستعماري آنذاك.. ولعل هذا الموقف وغيره من مواقف الاخوان المسلمين هو الذي دفع المستر انثوني ايدن وزير خارجية بريطانيا الى أن يسجل في مذكراته "أن الهضيبي كان حريصاً على إقامة علاقات ممتازة معنا، بعكس الرئيس جمال عبد الناصر". وفي الحالين لا يمكن فصل تصريح المرشد العام لوكالة (الأسوشييتد برس) الأمريكية عن شهادة انثوني ايدن عن الهضيبي في مذكراته ، وبالقدر نفسه لا يمكن فهم الموقفين الاخواني والبريطاني خارج سياق المخططات الاستعمارية التي تواصلت خلال الخمسينات بهدف تطويق المنطقة بحلف عسكري تحت ستار الدين هو "الحلف الإسلامي" الذي رفضه عبد الناصر بقوة!! كانت المخططات الاستعمارية تتواصل خلال الخمسينات لتطويق المنطقة بحلف عسكري تحت ستار الدين هو "الحلف الإسلامي" الذي رفضه عبد الناصر بقوة!! في هذا السياق شعرت قيادة ثورة 23 يوليو بأهمية إقامة تنظيم سياسي شامل اطلقت عليه اسم "هيئة التحرير" فذهب المرشد العام لمقابلة عبد الناصر محتجاً بقوله: "ما هو الداعي لإنشاء هيئة التحرير ما دامت جماعة الاخوان قائمة"؟! في اليوم التالي لهذه المقابلة أصدر حسن الهضيبي بياناً وزعه على جميع ُشُعَب الاخوان في المحافظات، وقال فيه: "إن كل من ينضم إلى هيئة التحرير يعد مفصولاً من الإخوان". ثم بدأ هجوم الإخوان الضاري على هيئة التحرير وتنظيمها الجماهيري "منظمة الشباب"، وبلغت ضراوة المواجهة بين الاخوان وشباب الثورة إلى حد استخدام الأسلحة والقنابل والعصي وإحراق السيارات في الجامعات يوم 12 يناير 1954م وهو اليوم الذي خصص للاحتفال بذكرى شهداء معركة القناة. توترت العلاقة على إثر هذا الحادث بين الإخوان والثورة وفي هذه الأجواء ذهب أحد أقطاب الاخوان وهو عبدالمنعم خلاف إلى القائم مقام أنور السادات في مقر المؤتمر الإسلامي للتحدث معه بشأن الإخوان، مشيراً إلى أن مكتب الإرشاد قرر بعد مناقشات طويلة إيفاده إلى جمال عبد الناصر فرد عليه أنور السادات قائلاً: "هذه هي المرة الألف التي تلجؤون فيها إلى المناورة بهذه الطريقة فخلال السنتين الماضيتين اجتمع جمال عبد الناصر مع جميع أعضاء مكتب الإرشاد بمن فيهم المرشد العام حسن الهضيبي، ولم تكن هناك أي جدوى من هذه الاجتماعات لانهم كما قال عبد الناصر يتكلمون بوجه، وحينما ينصرفون يتحدثون إلى الناس وإلى أنفسهم بوجه آخر".. ويمضي السادات في مذكراته قائلاً: "كان عندي وفي مكتبي الأستاذ خلاف يسأل عن طريقة للتفاهم.. وفي مساء اليوم نفسه كانت خطتهم الدموية ستوضع موضع التنفيذ أي يوم الثلاثاء.. كان هذا اليوم نفسه هو الذي ضربته موعداً لكي يقابل فيه جمال عبد الناصر الأستاذ خلاف موفد مكتب الإرشاد"!! كان عبد الناصر يلقي خطاباً في ميدان المنشية بالاسكندرية يوم 26 أكتوبر 1954م في احتفال أقيم تكريماً له ولزملائه بمناسبة اتفاقية الجلاء.. وعلى بعد 15 متراً من منصة الخطابة جلس السباك محمود عبد اللطيف عضو الجهاز السري للإخوان، وما أن بدأ عبد الناصر خطابه حتى اطلق السباك الاخواني 8 رصاصات غادرت من مسدسه لم تصب كلها عبد الناصر ، بل اصاب معظمها الوزير السوداني ميرغني حمزة وسكرتير هيئة التحرير بالاسكندرية احمد بدر الذي كان يقف إلى جانب جمال عبد الناصر. وعلى الفور هجم ضابط يرتدي زيا مدنياً اسمه إبراهيم حسن الحالاتي الذي كان يبعد عن المتهم بحوالي أربعة أمتار والقى القبض على السباك محمود عبد اللطيف ومعه مسدسه.. وبدأت بهذه الحادثة مرحلة جديدة وحاسمة من المواجهة بين ثورة 23 يوليو وتنظيم الاخوان المسلمين! وزاد من تعقيد الموقف ان التحقيقات كشفت سفر المرشد العام حسن الهضيبي إلى الاسكندرية قبل يوم واحد من محاولة الاغتيال، ثم ظل مختفياً منذ الحادث لفترة طويلة.. وعندما صدر الحكم ضده وضد المرشد العام بالإعدام قام جمال عبد الناصر بتعميد الحكم على محمود عبد اللطيف وتخفيفه على المرشد العام حسن الهضيبي إلى السجن مع وقف التنفيذ.. وبعد ذلك ظهر الهضيبي إلى السطح من خلال رسالة خطية بعث بها من مخبئه إلى جمال عبد الناصر حاول فيها التبرؤ من الذين خططوا ونفذوا هذه الجريمة. تاريخ حافل بالمناورات كان جمال عبد الناصر يحتفظ بالصحف والمجلات والمطبوعات الحصرية التي كانت تصدر في مصر قبل الثورة على القصر الملكي لأنّها مرآة حية لأي باحث في مسار الحياة السياسية..وكان عبد الناصر يعطي اهتماماً خاصاً لتوثيق المجلات والمطبوعات الصادرة عن الاخوان المسلمين، وخصوصاً الموضوعات المنشورة فيها والتي تسلط الضوء على عَلاقة الاخوان بالقصر الملكي الذي كان رمزاً للفساد والحكم العميل للاستعمار. تقتبس لنا الباحثة د . كاريمان إبراهيم المغربي في كتابها "الاخوان المسلمون من حسن البنا إلى سيد قطب" ما يثير الدهشة من كتابات للشيخ حسن البنا اكتست بالتملق والرياء وما هو أكثر من ذلك، ففي جريدة "الأخوان المسلمون" نقرأ: "يقولون إنّ الناس على دين ملوكهم ونحمد الله ونشكر فضله على أنّ رب البيت يضرب المثل الأعلى في سمو النفس وعلو الهمة" ثم نقرأ أيضاً "يا أيّها الوزراء والعظماء هلموا الى المثل الأعلى صاحب الجلالة فاروق الأول، وما دام الناس على دين ملوكهم فإنّ الوطن يرجو أن يتم له على أيدي الوزراء والعظماء كل خير" "ص 28".في ذروة الصراع بين حزب الوفد والقصر الملكي ومن خلفه السفارة البريطانية هتف الإخوان في مظاهرة معادية لحزب الوفد: "الله مع الملك"فأطل عليهم الملك من شرفة القصر ورد عليهم مجيباً: "نعم.. الله معنا"!!!وتعلق الباحثة كاريمان المغربي: "كان تأييد الاخوان للقصر كسباً كبيراً له، حيث أنّ البنا هاجم الحزبية لحساب القصر واعتبرها منافسة غير شرعية لولاية ولي الأمر، ودعا إلى الغاء الأحزاب لأن الإسلام لا يعرف غير حزبين احدهما حزب الله ممثلاً بولي الأمر وطاعته واجبه، والثاني حزب الشيطان والجهاد ضده وضد من والاه واجب وأصل معلوم من أصول الدين، وأخذ حسن البنا يعمل في تعزيز سلطان الملك، محاولاً أن يمنحه ما ظل القصر مفتقداً إياه طوال حياته من تأييد جماهيري" "ص 81".وإذ اصطدم الوفد مع الملك خرج الإخوان في مظاهرة صاخبة أحاطت بقصر عابدين هاتفة "الله مع الملك" وخرج الملك لتحية المظاهرة ست مرات من شرفة قصره قائلاً : "نعم الله معنا" (نقلاً عن الأهرام 22/12/1937م)، وتعتبر الجماعة الملك فاروق أنّه: "الأسوة الحسنة والمثل الأعلى لأمته" "الاخوان المسلمون 16/6/1936م".ثم يوجه البنا حديثه للملك قائلاً : "إنّ شعبك الذي عرفك مؤمناً صالحاً تقياً ووثق بك مجاهداً، وأنّ هذا الشباب الذي ناديته فلبى، وهبت به فأستعد، ليعلن بهذه المناسبة السعيدة عظيم إخلاصه وولائه للعرش المفدى، وقد عرف فيك شعبك المنقذ له، والحارس لدينه، والساهر على رعاية مصالحه والداعي إلى الخير والفضيلة فيه بالقول والعمل، فأحبك وأخلص لعرشك من قرارة نفسه، وعقد على عهدك الرجاء، وكنت عنده رمز الأمل" ( النذير 8 محرم 1358ه من مقال لحسن البنا بعنوان : "ملك يدعو شعباً فيجيب" إلى جلالة الملك الصالح فاروق الأول). أما نهاية هذا التملق فهي معروفة فقد دفع البنا ثمناً باهظاً تمثل في حل الجماعة وإنهاء حياته هو، ومع ذلك ظل الاخوان يراهنون على الملك. وتكثر الروايات عن سر اختيار المستشار الهضيبي خلفاً للبنا ويردد كثيرون حتى من الاخوان أنفسهم أنّ أصبع القصر كانت كامنة خلف هذا الاختيار. والحقيقة أنّ الشيخ حسن البنا استمد كل قدراته على المناورة من هذه العَلاقة التي جعلت القصر الملكي يوفر له دعماً سياسياغير محدود ، ثم انتهت هذه العلاقة كما هو معروف للجميع إلى محنة سياسية قلسية عصفت بكيان الجماعة، وانتهت بمؤسسها وإمامها ومرشدها إلى الاغتيال بعد أن اكتشف القصر الملكي ان الاخوان المسلمين حاولوا التلاعب به فتلاعب بهم.على أثر إغتيال حسن البنا، و أيام من اختياره مرشداً توجه الهضيبي إلى قصر عابدين ومعه رتل من قادة الجماعة ليسجلوا في سجل التشريفات ولاءهم لقاتل إمامهم ومرشدهم.وبعدها بأيام أخرى، استقل الهضيبي واحدة من عربات القصر الملكي ليقوم بزيارة وصفها بأنّها "زيارة كريمة لملك كريم" ثم قام الهضيبي بزيارة أخرى في نوفمبر 1951م، أي في أوج التهاب المشاعر المصرية ضد الملك وفساده وضد الاحتلال، ومع ارتفاع موجة الكفاح المسلح في القتال.في عددها الصادر يوم 27 اكتوبر1951 كتبت مجلة ( النداء ) المقربة من الاخوان المسلمين ان المرشد العام للأخوان دعا شباب الاخوان قائلا ً : " اعكفوا على قراءة القرآن" مؤكا ً أنّ الإخوان لا يشاركون في معركة القتال، وأنّ من ذهب منهم فقد ذهب بصفته الشخصية. وفي 16 يناير 1952م وبرغم تصاعد الغضب الشعبي ضد الملك وضد الاحتلال توجه المستشار الهضيبي إلى قصر عابدين مهنئًا بمولد ولي العهد، وفي الطريق إلى القصر كانت المظاهرات صاخبة ضد تعيين الملك حافظ باشا عفيفي رئيساً للديوان. وقد هنأ المستشار الهضيبي القصر بتعيين حافظ عفيفي وهنأ عفيفي بموقعه السامي بينما كانت مجلة "الدعوة" التي يشرف عليها صالح عشماوي "الذي نافس الهضيبي منافسة ضارية على موقع المرشد العام" تهاجم تعيين حافظ عفيفي. فأسرع الهضيبي من أجل عيون القصر إلى إصدار تصريح رسمي نشرته مجلة (النداء) المحسوبة على الاخوان المسلمين في تاريخ 2 فبراير 1952 يقول: "إنّ مجلة الدعوة لا تعبر عن وجهة نظر الاخوان الرسمية". وكانت هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها المرشد العام للجماعة عن وجود خلافات داخل الجماعة. والثابت من الوقائع المنشورة والموثقة في أدبيات الاخوان المسلمين أن المرشد العام حسن الهضيبي كان مصمما ً على مواصلة سياسة التملق للملك والخضوع له، فعندما اشتعلت المظاهرات الطلابية ضد الملك فاروق وفساد حكمه وفساد أسرته توجه الهضيبي إلى قصر عابدين مرة أخرى في 25 مايو 1952م ليسجل اسمه في دفتر التشريفات معرباً عن ولائه للملك ومستنكراً هذه المظاهرات "ص 132". ??
تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 03:10 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-6344.htm