الميثاق نت -

الإثنين, 19-ديسمبر-2022
عبدالعزيز‮ ‬المقالح -
أتمنى على القارئ ألا يسارع ويعتقد أن هناك، بين الرز المعروف في الأسواق، نوعاً اسمه الرز اليمني، لكن ذلك لا ينفي أنَّ اليمن عرفت نوعًا من الرز المتميز في المنطقة الوسطى من البلاد وذلك قبل أن تسيطر شجرة القات وتلتهم الأراضي التي كانت تنتج الرز والبن.
وأتذكر عندما كنت طفلاً أن الحكومة كانت تصرف لأبي جزءًا من راتبه من الحبوب من الرز، وعلى العكس من ذلك صنعاء والمناطق المحيطة بها التي لم تكن تعرف الرز في الخمسينيات عند بدء استيراده من عدن.. وكانت صنعاء وأهاليها والمحيطون بها لا يطيقون أكل الرز، ولهم طعامهم‮ ‬الخاص،‮ ‬ولم‮ ‬ينتشر‮ ‬أكل‮ ‬هذه‮ ‬المادة‮ ‬إلَّا‮ ‬بعد‮ ‬أن‮ ‬زاد‮ ‬عدد‮ ‬البشر‮ ‬وزاد‮ ‬التواصل‮ ‬مع‮ ‬شرق‮ ‬آسيا‮ ‬وبدأت‮ ‬أطنان‮ ‬الرز‮ ‬يتزايد‮ ‬حضورُها‮ ‬عامًا‮ ‬بعد‮ ‬عام‮.‬
إن في الحديث عن الرز اليمني شيئًا من الطرفة لكنه حقيقة ثابتة، عرفتُ ذلك بعيني وذقته بفمي، وأتذكر تمامًا كيف كانت أشجار الرز تنتشر فوق الصخور ويأتي الفلاحون لجنيها، قبل أن يعتدي القات على الأرض التي تحولت إلى غابات من الأشجار المسماة بالقات، والتي وجدت لها رواجًا‮ ‬في‮ ‬أنحاء‮ ‬كثيرة‮ ‬من‮ ‬البلاد‮ ‬لا‮ ‬سيما‮ ‬في‮ ‬المناطق‮ ‬التهامية‮ ‬التي‮ ‬تستخدم‮ ‬هذا‮ ‬المستوى‮ ‬البديع‮ ‬من‮ ‬القات‮ ‬الذي‮ ‬يسمونه‮ ‬بـ‮"‬الـشامي‮" ‬نسبة‮ ‬إلى‮ ‬الأرض‮ ‬التي‮ ‬تنتجه‮. ‬
وللتاريخ، والتاريخ وحده، فقد كانت اليمن تنتج الرز وتستخدمه في بعض مناطقها، وأكرر القول إن هذا ما عرفتُهُ وشاهدتُه وأكلتُه، وكان يمكن لهذه الأمور الاقتصادية أن تسير على ما هي عليه لولا ما طرأ على البلاد في السنوات التي أعقبت الحرب العالمية من تطورات سياسية‮ ‬عكست‮ ‬نفسها‮ ‬على‮ ‬الحياة‮ ‬بكل‮ ‬جوانبها‮.. ‬ومن‮ ‬المؤسف‮ ‬أن‮ ‬هذه‮ ‬الصفحة‮ ‬من‮ ‬تاريخ‮ ‬اليمن‮ ‬أصبحت‮ ‬في‮ ‬حكم‮ ‬المنسية‮ ‬إن‮ ‬لم‮ ‬تكن‮ ‬منسية‮ ‬تمامًا،‮ ‬وما‮ ‬هذه‮ ‬الإشارات‮ ‬إلَّا‮ ‬من‮ ‬باب‮ ‬التذكير‮ ‬بجزء‮ ‬من‮ ‬التاريخ‮ ‬المنسي‮.‬
ومن المؤسف أيضًا أن أبناء المنطقة التي كانت تنتج هذه الأنواع من المواد الغذائية لم تعد تتذكر عنها شيئًا، ولم يعد حتى المُسِنُّون من أبناء المنطقة يهتمون بشيء من ذلك، مع أن ذلك يهمهم بالدرجة الأولى، كما يهم بقية أبناء اليمن الذين قامت الثورة لإحيائهم على أسس‮ ‬تتناسب‮ ‬والحياة‮ ‬الجديدة‮. ‬
والتوقف عند مادة الرز يجعلنا ننتقل إلى الحديث عن إنتاج الحبوب، لا سيما الوفيرة منها في منطقة تهامة الغنية بتربتها وخيراتها المادية.. وقد قيل بعد فترة وجيزة من قيام الثورة إن تهامة، أو المنطقة المعنية، تضم الكثير من الأراضي التي في مقدروها أن تزود كل اليمن من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب بما يحتاجه الناس من الحبوب، إلا أن التصرفات السياسية العابثة والانشغال بصغائر الأمور أضاعت الأمنيات، وأهدرت خيرات هذه الأرض الممتدة من الشمال إلى الجنوب، عبر وديان غنية بالمياه العذبة.. ولا يزال الأمل حتى هذه اللحظة قائماً بأن‮ ‬تنجح‮ ‬الدولة‮ ‬اليمنية‮ ‬في‮ ‬إدارة‮ ‬مواردها‮ ‬والتحكم‮ ‬بمقدراتها‮ ‬الاستراتيجية‮ ‬الثابتة‮ ‬والدائمة‮.‬
نحن الآن، وبعد السنوات الطوال من زراعة اليمن للرز، لا نريد أن ننافس العالم، أو يكون لنا إنتاج من هذه المادة، ولكننا فقط نريد أن نذكّر بما كانت عليه الأحوال، وبما ينبغي أن تكون عليه، إذا صلحت الأحوال واستقرت أمور البلاد.. والجدير بالذكر هنا الإشارة إلى التنوع الجغرافي الذي تتعدد مناخاته وتنعكس آثاره على الواقع، وعلى أهمية تحرر الإنتاج وحماية المستهلك من الضغوط الخارجية التي من شأنها أن تهدر حقوق المواطنة أولاً، والعدل الاجتماعي ثانيًا. وإذا تم ذلك فستكون البلاد قادرة على إنتاج ما يريده انسانُها ويتمناه لها أبناؤها‮ ‬المخلصون‮ .‬

❊ في‮ ‬هذا‮ ‬المقال‮ ‬الذي‮ ‬كتبه‮ ‬الدكتور‮ ‬عبدالعزيز‮ ‬المقالح‮ »‬رحمة‮ ‬الله‮ ‬عليه‮« ‬في‮ ‬الثمانينات‮ ‬من‮ ‬القرن‮ ‬الماضي‮ ‬أكد‮ ‬أن‮ ‬هناك‮ ‬مناطق‮ ‬في‮ ‬اليمن‮ ‬تصلح‮ ‬لزراعة‮ ‬الرز‮ ‬وأشار‮ ‬الي‮ ‬ضرورة‮ ‬العودة‮ ‬لزراعته‮.‬
اليوم‮ ‬يتم‮ ‬الاعلان‮ ‬عن‮ ‬تمكن‮ ‬أحد‮ ‬المزارعين‮ ‬في‮ ‬حضرموت‮ ‬من‮ ‬زراعة‮ ‬الرز‮.‬

تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:10 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-63447.htm