الميثاق نت -

الخميس, 26-يناير-2023
طه‮ ‬الروحاني -
في منتصف الثمانينيات والتسعينيات ونحن طلبة كنا لا نحب السفر إلا على طيران اليمنية رغم أن الأردنية والمصرية والسورية مثلا كانت أسعارها اقل بشيء بسيط إلا أن كفاءة الطيارين اليمنيين كانت أعلى بكثير إضافة إلى أن الخدمة لم تكن اقل مما ذكرت، شبكة الاتصالات الدولية كانت افضل وارخص بكثير من الأردن مثلا التي كنت أعيش فيها، عدد المبتعثين للدراسة في الخارج كان إضعاف الطلبة العمانيين والليبيين والسودانيين والموريتانيين على سبيل المثال وبعض الدول التي كانت بحاجة إلى الابتعاث، كانت لدينا مؤسسات لم نجدها في ذلك الوقت في كثير من الدول التي عشنا فيها مثل اللجنة العليا للانتخابات ولجنة المناقصات وجهاز الرقابة والمحاسبة وغيرها، وكان لدينا قوانين وتشريعات كافية وجيدة ومعتدلة، وكان لدينا جيش كبير ومدرب وقوات أمنية متعددة وخفر سواحل ودفاع مدني وشرطة راجلة وإطفاء وفرق إسعاف وإنقاذ‮ ‬ومكافحة،‮ ‬ولم‮ ‬تكن‮ ‬الجريمة‮ ‬منتشرة،‮ ‬وعلى‮ ‬سبيل‮ ‬المثال‮ ‬لم‮ ‬أعرف‮ ‬في‮ ‬حياتي‮ ‬اني‮ ‬وصلت‮ ‬قسم‮ ‬شرطة‮ ‬أو‮ ‬دخلت‮ ‬نيابة‮ ‬أو‮ ‬حضرت‮ ‬تحقيقاً‮ ‬أو‮ ‬شاهدت‮ ‬قاضياً‮ ‬في‮ ‬محكمة،‮ ‬وكذلك‮ ‬والدي‮ ‬رحمه‮ ‬الله‮ ‬وإخواني‮ ‬حفظهم‮ ‬الله‮.‬
في التسعينيات كنا لا نشتري الكهرباء من السفن التي في عرض البحر مثل بعض دول الخليج، كان البترول العادي الذي في المحطات من النوع الخالي من الرصاص ويباع بأرخص الأثمان وبسعر مدعوم من الدولة، كان القمح المستورد من افضل أنواع القمح الكندي والاسترالي خالياً من الشوائب وبصلاحية جديدة مقارنة بالقمح المستورد لأغلب دول المنطقة، وكان كل ما في السوق يخضع للمواصفات والمقاييس، وكان الاستيراد محصوراً على البيوت التجارية الكبيرة ذات الثقة التي لا تستورد إلا افضل المنتجات والماركات العالمية وأجود البضائع.
كانت اغلب السلع الضرورية والأساسية لا تباع بسعرها الحقيقي وكانت مدعومة من الدولة مثل القمح والسكر والزيت والحليب، وكانت القوة الشرائية جيدة وفي ازدياد، واغلب قوانين الضرائب والجمارك موقفة أو معطلة للتخفيف على المواطن، كان التعليم الابتدائي والاعدادي والثانوي مجاناً كاملاً ولا نعرف أنا دفعنا ريالاً واحداً خلال دراستنا بما في ذلك الرحلات المدرسية، وكذلك التعليم الجامعي في الجامعات الحكومية، كما كان العلاج في المستشفيات الحكومية مجانا وصرف الأدوية مجاناً ناهيك عن مراكز الأمومة والطفولة وحملات التحصين المستمرة والتي‮ ‬كنا‮ ‬قريبين‮ ‬حينها‮ ‬من‮ ‬إعلان‮ ‬اليمن‮ ‬خالية‮ ‬من‮ ‬الأمراض‮ ‬الخمسة‮.‬
كان لا يمر علينا يوم إلا ونشاهد شق طريق أو توصيل مشروع كهرباء أو مياه أو مجاري أو تلفون، وعندما كنا نقارن مع الدول التي نقيم فيها كانت أسعار الخدمات عندنا مثل المياه والكهرباء اقل أسعاراً من تلك الدول ولا مقارنة، كانت مشاريع الريف اكثر بسبب التمدد السكاني وعدم التمركز في منطقة واحدة، كانت المعدلات تقول إن في كل ثمان ساعات يتم افتتاح مدرسة في المتوسط العام، كانت الإشارات المرورية في كل شارع، وبراميل القمامة في كل حي وسلات المهملات الحديدية على كل رصيف، كانت شوارع المدن والطرق والخطوط مضاءة جميعها.
كان هناك اكثر من أربعين صحيفة حكومية وأهلية وحزبية محلية، ومجلات أسبوعية وشهرية وإصدارات موسمية وإنتاج فكري وأدبي وثقافي تُغرق السوق، كانت هناك برامج تثقيفية مستمرة في الإذاعة والتلفزيون، تعنى بكل مناحي ومجالات الحياة، كانت هناك أسابيع ثقافية وفنية وسياحية‮ ‬وأسبوع‮ ‬للطفل‮ ‬وأسبوع‮ ‬للمرور‮ ‬وأسبوع‮ ‬للكتاب‮ ‬وللمنتجات‮ ‬الزراعية‮ ‬وللصناعات‮ ‬الوطنية‮ ‬ويوم‮ ‬للمعلم‮ ‬ويوم‮ ‬للشجرة‮ ‬وغيرها‮ ‬يتم‮ ‬الاحتفاء‮ ‬بها‮ ‬بالمعنى‮ ‬الحقيقي‮.‬
كان لدينا دوري لكرة القدم لم ينقطع، وكان يرافقه بطولة الكأس والدرع، وكانت لنا مشاركات اولمبية خارجية حصدنا فيها ميداليات عدة، ومشاركات أخرى ثقافية وزيارات متبادلة وفعاليات وبث مشترك واستضافات ووفود وسياحة واستثمارات أجنبية ولجان عليا مشتركة بين الدول وجمعيات‮ ‬صداقة‮ ‬ومكاتب‮ ‬ارتباط‮ ‬وعلاقات‮ ‬تجارية‮ ‬وسفارات‮ ‬وقنصليات‮ ‬وكنا‮ ‬على‮ ‬صلة‮ ‬وقرب‮ ‬من‮ ‬العالم‮.‬
لم يكن ما ذكرت وكتبت إلا اليسير ونقطة في بحر مما يطول ذكره، كما لم يكن تاريخاً قرأت عنه أعيد نقله إليكم وإنما هو واقع عشته وعايشته وعاشه اغلب من في جيلي، لا أجد الوقت الكافي لتنظيم ما كتبت وسرده بطريقة مرتبة ودعمه بالأدلة والوقائع إنما هي خواطر وتجليات لحظية‮ ‬كتبتها‮ ‬على‮ ‬عجالة‮ ‬شهادة‮ ‬لله‮ ‬ثم‮ ‬للتاريخ‮ ‬والأجيال‮ ‬القادمة،‮ ‬ولست‮ ‬بصدد‮ ‬الدخول‮ ‬في‮ ‬مناقشات‮ ‬جدلية‮ ‬حولها،‮ ‬وان‮ ‬لم‮ ‬يعجبك‮ ‬فتجاهل‮ ‬ما‮ ‬كتبت‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:44 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-63654.htm