طه العامري - دأب البعض في دول الغرب على الإساءة للإسلام وثوابته ومقدساته ورموزه، مثل نشر (رسومات كاريكاتورية مسيئة) لرسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام، أو (تدنيس كتاب الله القرآن الكريم، تارة بالحرق العلني أمام وسائل الإعلام، وتارة عبر تمزيق المصحف وإلقائه بالمراحيض كما فعل الجنود الأمريكيون في معتقل جوانتانامو)..!!
ظواهر استفزازية تعكس دناءة وانحطاط من يُقدِم على ارتكاب مثل هذه المخالفات المسيئة للإسلام والمسلمين ومعتقداتهم ومقدساتهم، وهي أفعال قطعاً إجرامية ومستفزة لمشاعر أكثر من مليار ونصف مسلم ويزيد، ويقوم بها بعض الأفراد في الغرب، وبعض وسائل الإعلام وبرعاية رسمية من أجهزة وأنظمة تلك الدول التي تبرر مثل هذه السلوكيات المشينة بذريعة (الحرية والديمقراطية) ودائماً ما يتم إدراج مثل هذه السلوكيات في سياق حرية الرأي والتعبير، غير أن رد الفعل الإسلامي الذي نشاهده عند كل حادثة (تدنيس للمقدسات أو إساءة للرموز الإسلامية) للأسف الشديد يزيد من تشجيع (المسيئين) لمواصلة (إساءاتهم) وتطوير وسائلهم في (الإساءة للإسلام والمسلمين ورموزهم وثوابتهم)..!
وأعتقد أن مجابهة مثل هذه الظواهر تحتاج من المسلمين إنْ كانوا فعلاً جادين في الدفاع عن دينهم ومعتقداتهم ومقدساتهم ورموزهم، أن يبتعدوا عن ردود الأفعال التقليدية والعابرة التي تأتي بمثابة الصدى ورد فعل على فعل ما كان يجب أن يحدث، لو أن المسلمين ارتقوا بمواقفهم إلى مستوى من الفعل يجعل من يحاول الإساءة للإسلام والمسلمين ورموزهم ومقدساتهم يفكر ألف مرة قبل أن يُقدِم على فعلته ويجعل دولته وأجهزتها تقوم بدورها بالضبط والحسم ومنع الإساءة قبل وقوعها..؟!
إن رد فعل المسلمين على كل إساءة لم يردع (المسيئين) بل صنعت منهم (أبطالاً) في بلدانهم ومجتمعاتهم..؟!
ألم نحول (سلمان رشدي) وأمثاله من (أتفه الكتاب) إلى مفكرين ورموز مشهورة؟ وهناك من نال (جائرة نوبل للأدب) لأنه فقط أساء للإسلام ومقدساته ورموزه؟!
لقد صار كل باحث عن الشهرة في الغرب يستطيع وبكل سهولة أن يحصل على الشهرة وان تفتح له أبواب المؤتمرات الثقافية والفكرية وتتسابق إليه وسائل الإعلام ويحقق النجاح الذي يحلم به بكل بساطة بمجرد أن يرسم رسما أو يمزق مصحفا، أو يكتب رواية تسيئ للإسلام والمسلمين، ومع ذلك لم تأته الشهرة من أعماله هذه إن تم تجاهلها، لكن الشهرة تأتيه من رد فعل المسلمين من المسيرات والمظاهرات والتنديدات وهي أفعال لم تردع أمثال هؤلاء بل تمنحهم الشهرة وعلى مستوى عالمي..!!
إن الإسلام يأمرنا بالدفاع عن ديننا ومقدساتنا، ولكن بطرق ووسائل أكثر نجاعة وفعالية، إذ لا أعتقد أن (الله سبحانه وتعالى) سيرضى عنا إن نحن تظاهرنا على (إحراق مصحف) ولم نحرك ساكناً تجاه مسلمين يُقتلون ويُهانون وتُهتك أعراضهم وتُدمر منازلهم ويُطردون من ديارهم واراضيهم..؟
لا أعتقد أن (رسول الله صلَّى الله عليه وآله وسلم) سيرضى عنا ويبارك أعمالنا إن نحن تظاهرنا ضد من أساء إليه بالرسومات، ولم نحرك ساكناً على تدنيس المقدسات الإسلامية في فلسطين وبيت المقدس والمسجد الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين..؟!
إن الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم وكل انبيائه ورسله لن يرضوا عنا إن خرجنا نهتف ونندد بمن أحرق أو مزق (المصحف) أو رسم أو كتب وألف روايات مسيئة للإسلام والمسلمين، في زمن يهان فيه مسلمو فلسطين ويُقتلون بدم بارد ويُطردون ويُشردون من أرضهم وتُدنس مقدساتهم التي هي مقدسات كل مسلم هذا إن كان المسلمون فعلاً كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى كما جاء في حديث الرسول المصطفى عليه الصلاة والسلام وعلى آله، وهو القائل صلوات الله عليه :أن هدم الكعبة حجراً حجراً أهون عند الله من إراقة دم امرئ مسلم..
فهل إحراق (مصحف) أهم من إزهاق أرواح الشعب العربي في فلسطين؟ .. يقول الله سبحانه وتعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنَّا له لحافظون) وبالتالي إذا أردنا فعلاً أن يكون لنا مكانة وهيبة واحترام وتقدير في هذا العالم علينا أن نحترم أولاً أنفسنا وان نعمل بقيم وأخلاقيات ديننا وان لا نجعل ديننا عرضة للتوظيف السياسي والإعلامي، ولا نتعامل مع ديننا بطريقة انتقائية أو أن تداهمنا الغيرة عليه بالمناسبات وفق قاعدة الفعل ورد الفعل..
إن العالم سيحترمنا ويهابنا وسيحترم ديننا ومقدساتنا إن نحن وقفنا إلى جانب اخواننا في فلسطين -أولاً- باعتبارهم الأقرباء وهم أولى بالمعروف، والعالم سيحترمنا إن تمسكنا فعلاً لا قولاً بقيم وأخلاقيات الإسلام وبقيم وأخلاقيات وسلوكيات نبينا المصطفى عليه الصلاة والسلام وعلى آله ، لكن هذا العالم لن يحترمنا ولن يكترث بمظاهراتنا التي ربما لا يشاهدها الجناة وان شاهدوها فلن تؤثر بهم بل سيشعرون بأهميتهم وسيحظون برعاية واهتمام دولهم ومجتمعاتهم..
إن ما يجري لإخواننا في فلسطين على يد العلوج (الصهاينة وغربان المستوطنين) يجعل نضالنا إلى جانبهم ونصرة قضيتهم قولاً وفعلاً سلوكاً وممارسة وعقيدة (فرض عين) فالقدس يجب أن تكون (قبلة نضالنا) وبوصلة توجهنا ونصرتها وأهلها حتى الحرية والاستقلال هو ما يجب أن نقوم به كعرب ومسلمين إن أردنا أن يهابنا الآخر ويحترم مقدساتنا ويكف عن ممارسات هذه السلوكيات القذرة التي يختبر من خلالها مواقفنا ويقيس رد فعلنا..
بل إن كل الإساءة التي وجهت للإسلام ومقدساته ورموزه وثوابته من قبل الآخر الجاهل لكل قيم الإسلام وتسامحه قد لا يرتقي لمستوى الجرائم التي يرتكبها بعض المحسوبين على الإسلام زوراً ممن نطلق عليهم (بالوهابيين والتكفيريين والمتطرفين دينياً دون وعي أو حجة) الذين شوهوا الدين وكانوا سبباً في إطلاق مثل هذه الإساءة للإسلام والمسلمين من قبل الآخر الحضاري والديني..؟!
إذاً أيهما أحق بالإدانة ذاك الذي أحرق (مصحف) أم ذاك الذي فجر نفسه داجل مسجد في بيشاور الباكستانية وقت صلاة الفجر ليذهب ضحية جريمته (100) شهيد وأكثر منهم من الجرحى؟!
في كلتا الحالتين قد يكون المخرج والمخطط واحداً، لكن ما يجب التركيز عليه وبوعي هو كيفية التعامل مع أولويات يفرضها علينا ديننا وقيمنا وأخلاقياتنا فالإسلام لا ينحصر في كتاب الله وسنة رسوله الكريم عليه وعلى آله أفضل الصلاة والسلام، بل هناك منظومة قيم وأخلاقيات وسلوكيات مثالية يتميز بها الإنسان المسلم ويستنبطها من سيرة الرسول المصطفى الذي أُرسل رحمةً للعالمين.. وحسبي الله ونعم الوكيل.
|