زكريا الغرسي - عندما نتأمل الأحداث وما يحصل في الواقع اليوم من إبراز أُسلُـوب جديد لشرعنة الاحتلال الأمريكي والبريطاني في أية منطقة في العالم نجده أُسلُـوباً خطيراً جِـداً وهو: (التقسيم في المناطق وزرع الاختلاف المجتمعي من خلال المناطقية والعنصرية والجغرافية والطائفية).
وبعد أن فشل العدوان عسكريًّا في اليمن على مدى 8 أعوام، برغم أنه تحالف ما يقارب 17دولة ومنها دول كبرى ولها ثقلها في العالم وبكل إمْكَاناتها المتطورة وسلاحها الضخم من العتاد والعدة وحشد المرتزِقة من جميع أنحاء العالم (من السودان من الإمارات من السعوديّة من ضباط أمريكيين وبريطانيين وإسرائيليين وغيرهم)، وكان شاهداً على ذلك ضربة (صافر) عندما اختلطت الدماء من كُـلّ أجناس المرتزِقة، ورغم العمل الاستخباراتي والتجسسي والمعلوماتي والتخطيط الدقيق والتكتيكي والدعم اللوجيستي والتضليل الإعلامي الكبير لتغطية المعركة في كُـلّ جوانبها والحرب الاقتصادية المنهكة ونقل البنك المركزي وعدم سماح دخول النفط إلى ميناء الحديدة، وَأَيْـضاً بما يتعلق بالحرب البيولوجية ونشر الفيروسات القاتلة التي استهدفت الناس كلهم، والحرب الناعمة والفساد الأخلاقي والانحراف بالقيم والأخلاق والمبادئ ومسخ الناس عن هُــوِيَّتهم الإيمَـانية وعن انتمائهم الإسلامي، وغيرها من الاستهدافات والعدوان في كُـلّ المجالات لإخضاع الشعب اليمني وصموده وسلب حريته ونزع كرامته وأن يقبل بالذل والهوان والعار وانتهاك سيادة بلده ونهب ثرواته ومقدراته، إلَّا أن الدول (الرباعية) التي تقود التحالف وأدواتهم وعملاءهم في المنطقة المتمثلة في السعوديّة والإمارات وغيرهما ومرتزِقتهم وبعد كُـلّ هذه الأعوام من الصمود والثبات وصل العدوان إلى طريق مسدود وعرفوا وآمنوا وأدركوا أنهم لم ولن يصلوا إلى الهدف في احتلال اليمن عسكرياً واليوم هم مصدومون ومنبهرون جِـدًّا بهذا الصمود الشعبي العظيم.
بل إن الشعب اليمن خلال سنوات العدوان والحصار استطاع أن يكون قوة عظمى في العالم وأن يصنع الصواريخ والأسلحة من (الألف إلى الياء) واستطاع أن يكون قوة ضاربة بعون الله تعالى على من يعتدي عليه وأن يدافع عن نفسه وأن يستقل بقراره السيادي والسياسي وألا يكون تحت وصاية أحد من العالم وهذه نعمة كبيرة.
وبعد أن عرفت دول التحالف وعلى رأسهم الأمريكي والإسرائيلي والبريطاني أنه لا جدوى من الحرب العسكرية وعدم النجاح فيها واحتلال الأراضي اليمنية ونهب ثرواتها وخيراتها، يسعى العدو ويصب كُـلّ جهوده وطاقاته وإمْكَاناته لتمزيق الصف الداخلي وتشتيت النسيج الاجتماعي بين أبناء اليمن وإثارة الفتنة الطائفية وإثارة النزاعات القبلية والشائعات الكذابة، وخُصُوصاً (بريطانيا)؛ لأَنَّها تعرف الكثير من المعلومات عن الشعب اليمني وكان لها تجربة سابقة عندما كان الاحتلال البريطاني في الجنوب لأكثر من 100 عام، وهذا ما جعل الأمريكي يعتمد على البريطاني لتنفيذ مخطّطاته في اليمن وغيرها.
واليوم العدو الأمريكي يستعين بالبريطاني أكبر وأكثر من ذي قبل لتنفيذ مخطّط الاحتلال رغم أن البريطاني أَسَاس في هذا العدوان، وأكبر شاهد على ذلك أن بريطانيا أرسلت ما يقارب (6300) من خبراء وضباط وجنود بريطانيين في السعوديّة والقواعد المجاورة لليمن، وَأَيْـضاً وصول قوة بريطانية إلى عدن من ضباط وجنود قوامهم (450) وَأَيْـضاً إجمالي ما أنفقت بريطانيا خلال العدوان على اليمن في صفقات أسلحة ما يقارب (23 مليار جنيه إسترليني).
وفي هذه المرحلة يسعى العدو الأمريكي والبريطاني إلى تقسيم اليمن جنوباً وشمالاً وشرقاً وغرباً وإلى أقاليم ودويلات وأحزاب وجماعات وطوائف ومذاهب وغيرها، من التشرذم والتقسيم وزع الاختلاف بين أبناء المجتمع اليمني لكي لا يتوحد ولا يكون أُمَّـة واحدة، وما يحصل اليوم في المناطق المحتلّة والمحافظات الجنوبية خير شاهد وأكبر دليل على حقد وكراهية وخبث هؤلاء على الشعب اليمني ويريدون أن يتناحر في ما بينه.
وإن تصريح السفير البريطاني قبل أَيَّـام لمباركة حكومة المرتزِقة بالجرعة الجديدة لرفع سعر (الدولار الجمركي) دلالة واضحة أن البريطاني هو من يمثل الركيزة الأَسَاسية في العدوان والحصار على اليمن واليمنيين.
وأيضاً أن الأمريكي والبريطاني والإسرائيلي هم من يعطون الضوء الأخضر لعملائهم - السعوديّة والإمارات- للتفاوض مع صنعاء متى ما أراد البريطاني والأمريكي ذلك!، أما المرتزِقة فهم يعرفون أنهم أدوات لهم فقط وليس لهم صلاحيات في اتخاذ القرار.
ولهذا نقول إن العدو يسعى إلى تنفيذ المخطّط لهذه المرحلة في المناطق المحتلّة لبيع الجزر وتقسيم المحافظات وزرع مَـا هو في خدمة العدو للاحتلال والسيطرة لوقت زمني أطول.
وإذا لم يعِ أبناء الشعب وخُصُوصاً أبناء المحافظات الجنوبية هذا المخطّط فَـإنَّهم سيسقطون في المستنقع، وقد جربوا ما مر عليهم من مخطّطات ومؤامرات خلال سنوات العدوان.
وفي الأخير.. إن صنعاء استطاعت -بقوة الله- أن تفشل مخطّطات الأعداء، وإن المجتمع اليمني اليوم أكثر وعياً وبصيرة وفهماً بما يسعى له الأعداء، واستطاعت أَيْـضاً أن تنتصر في جبهة المعركة السياسية وأن تفرض شروطها بإذن الله على قوى تحالف العدوان وتجبرهم على إعطاء الشعب اليمني حقوقه من ثرواته ونفطه، وهذا لا يكفي لأن نثق بهم ونطمئن اليهم بل نكون أكثر جهوزية واستعداداً -إذَا لم يوافقوا- للحرب والقتال، فهم لا يعرفون إلَّا قوة الله والسلاح، وأن لا تنطلي علينا الخدع والمكائد والشائعات والأراجيف وغيرها.
|