راسل القرشي - يشكو بعض الكتّاب والإعلاميين العرب من انعدام إعلام عربي محايد.. فيما يطالبون في الوقت نفسه بأخذ التجربة الغربية كنهج يسير عليه الإعلام العربي..
ولكن قبل أن نشخص هذه الحيادية لابد أن نتعرف على المعنى المعروف والمتداول للحيادية.. فما مفهوم الحيادية لدينا ؟
الحيادية تعني الموضوعية وعدم الانحياز لطرف ضد آخر..
الحيادية تعني إعلاما حرا لا يتلقى توجيهاته من هذا النظام أو ذاك، ومن هذا الطرف أو ذاك..
هذا مفهوم الحيادية الإعلامية وبكلمات بسيطة لا تحمل أي تعقيد.. وهي الكلمات التي تصل لذهن القارئ والمتابع البسيط..
كما أن المهنية تتفاوت من وسيلة إعلامية إلى أخرى وتصل إلى حد الغياب الكامل..
ومن هنا نقول إن الحيادية الإعلامية بمعناها المتضمن للموضوعية والوضوح وعدم الانحياز منعدمة تماماً في وسائل الإعلام بشكل عام..
والمتسيّد حالياً هو إعلام الأنظمة الاستبدادية.. إعلام المصالح.. إعلام الدفع المسبق.!
هذه الحقيقة التي لا يمكن لأحد إنكارها .. ومن يقول غير ذلك فليُقيّم ما تبثه القنوات الفضائية وما يقرأه في وسائل الإعلام المختلفة عربية كانت أم غربية فيما يتعلق بكارثة الزلزال التي ضربت تركيا وسوريا قبل اسبوعين؛ وأنا هنا لا أقلل من حجم الكارثة في تركيا عنها في سوريا، فهي مأساة وكارثة إنسانية ينبغي التعامل معها بمنظار واحد لا بمنظارين كما تعكسه بعض وسائل الإعلام للأسف الشديد.!
ينبغي علينا أن لا نحصر انعدام الحيادية والموضوعية في وسائل الإعلام والصحافة العربية.. وإنما وبدرجة رئيسية الأنظمة الغربية "الديمقراطية" التي تدعي حمايتها للحريات والرأي الآخر فيما سياساتها تفضحها وتعري مبادئها وقيمها الفضفاضة.!!
هذه الأنظمة ومعها وسائل إعلامها تتبع معايير مزدوجة في تعاملها مع الأحداث من بلد لآخر ، فمصالحها هي الأساس في كل شيء ، ولتبدو الصورة واضحة لدى الكثير ممن نراه معجباً بديمقراطية وحرية وصحافة الدول الغربية عليه أن يجيب عن السؤال: كيف تعاملت تلك الأنظمة ووسائلها الإعلامية مع كارثة الزلزال في تركيا وسوريا ، وكيف تتعامل مع روسيا منذ بدء حربها على أوكرانيا؟!
المعايير المزدوجة هي المتسيّدة في وسائل الإعلام المختلفة وفي مقدمتها الغربية التي تقوم بترجمة سياسة أنظمتها ، ومحرم عليها تجاوزها أو القفز عليها..
هذه حقيقة ما زال البعض يرفض استيعابها؛ وتحت مطلب المزيد من الحرية التي ينادي بها يأتي ليستشهد بالإعلام الغربي ويقول لسنا أحسن منهم.. ونريد أن نعيش نفس الأجواء الديمقراطية والحرية التي يعيشونها.!!
منذ العام 2011م والبلدان العربية تعيش أجواء الحرية التي طالبت بها شعوبها ونراها اليوم وقد عكست هذه الأجواء بأوسع معانيها وبدا واقعها ينعم بالأمن والأمان والهدوء والاستقرار وبوجود صحافة حرة مترجمة للديمقراطية بأسسها ومبادئها العامة..، ولم تعد هناك أي شكاوى تصدر من هذه المجتمعات جراء "التضييق" الذي كان يحيط بها سابقاً وأقصد قبل الثورات الربيعية.!!
تابعوا القنوات العربية وغير العربية التي يتباهى بها البعض العربي وإن اختلفت آراؤهم حولها من قناة لأخرى.. تابعوا خطابها.. توجهها.. سياستها الإعلامية عامة..
هل وجدتم أن سياستها الإعلامية ظلت ثابتة طيلة الـ12 سنة الماضية وتتناول مجمل القضايا بموضوعية وحيادية أم شابها التغيير بحسب الأحداث الواقعة والمرتبطة بأنظمتها وسياسة بلدانها..؟!!
تبدو تلك الوسائل الإعلامية على اختلافها وتنوعها متقلبة ومنحازة كلياً للأنظمة التي تتبعها وتمولها ..، ونراها كيف تتعامل مع مجمل القضايا والأحداث الحاصلة في البلدان العربية والغربية.
وأختتم هنا بالتأكيد على أن وجود إعلام حيادي مهني حر وغير منحاز في بلداننا العربية يعد ضرباً من الخيال ولا يمكن أن يتحقق ويصبح واقعاً معيشاً مهما كانت توجهات من وصل إلى السلطة.
|