إبراهيم العشماوي - "رأيت المشير عبد الله السلال أول مرة في احتفال السفارة المصرية بمرور 38 عاماً على ثورة 23 يوليو بصنعاء عام 1990 بحضور السفير المصري في اليمن أمين يسري صاحب الاتجاه القومي الناصري العروبي ، شعرت بسعادة غامرة وأنا أصافح السلال الذي قرأت عنه في كتب التاريخ ، رجل ضخم البنيان على خلاف أجسام اليمنيين التي تتميز بالنحافة والقصر وكأنما أعدتهم الطبيعة لسهولة تسلق الجبال الوعرة.. احتفال اليوم الوطني المصري لم يكن يوماً عادياً كما تحتفل بقية السفارات ولا يشبه أي حدث آخر ، فقد كان يحضره رئيس الوزراء حينها المهندس حيدر أبو بكر العطاس وأغلب وزراء الحكومة ، أغاني أم كلثوم وعبدالحليم وفايدة كامل الوطنية تهز أرجاء المكان بمكبرات الصوت في حديقة السفارة المملوكة لمصر بعقد وقعه الدكتور عبدالرحمن البيضاني نائب رئيس الجمهورية حينها كما أخبرنا بذلك شخصياً في إحدى المناسبات .
تعددت اللقاءات الصحفية مع المشير السلال في منزله بمنطقة العلفي القريبة من شارع الزراعة ، رجل متواضع بسيط للغاية يعيش حالة من الرضا والتصالح مع النفس ولا يدعي أدوارا بطولية خارقة مثل بقية المدعين الكثر في تاريخ اليمن الحديث رغم قيمته الوطنية والقومية ، يبالغ في كرمه وحفاوته بالمصريين ، ولديه شغف وحماس للحديث عن علاقته مع الزعيم الراحل جمال عبدالناصر ودعم مصر اللامحدود لثورة اليمن ، تحدث معي كثيرا عن تفاصيل الثورة وظروف اختياره زعيما لها وموقعه كرئيس لحرس الإمام محمد البدر ومسئول عن قصر السلاح وأوامره بفتح القصر للثوار عند انطلاق الثورة رغم ما يعنيه ذلك من قطع رقبته في حال فشل الثورة.. نشر ملخصاً لبعض مذكراته السياسية ولكن الحرج من نظام الرئيس علي عبدلله صالح والقلق من التصادم مع السعودية منعه فيما يبدو من طباعتها كاملة.. وفاتحت في غير مرة نجله اللواء علي عبدالله السلال وهو أحد ضباط الثورة في هذا الأمر فكان يقول إن المذكرات تتضمن تفاصيل عن السعودية ودورها والحروب التي أعقبت قيام الثورة مع الملكيين المدعومين منها وهو لا يريد وضع النظام اليمني في حرج لكنه أيضا حريص على أن تُنشر المذكرات بأمانة ودقة كما دونها والده لأنها جزء مهم من تاريخ اليمن .
في أحد اللقاءات الصحفية التي أجريتها مع المشير السلال طلب من أحد العاملين في بيته أن يقوم بتصويرنا حسب طلبي للتوثيق فأعطيته الكاميرا ، وإذا بالمصور يقفز من مكانه كلما أخذ لقطة، ويكتشف المشير أن الشاب يمسك الكاميرا بالعكس وأن الفلاش يومض في عينيه أثناء التصوير ، عندها ضج بضحكة عميقة طويلة وقال في سخرية وظرف : يفعل هكذا وقد قامت الثورة فما بالك إذا لم تقم من الأصل !
عُرف عن السلال روحه المرحة وقدرته على التخلص من المواقف المحرجة بسرعة البديهة، ويردد اليمنيون قصته مع أهالي ذمار وهي مدينة تقع وسط البلاد بين جبال وهضاب وسهول ولا تطل على أي بحار ويعرف أهلها بإطلاق النكت والدعابات عندما زارها فهتفوا في وجهه.. المينا المينا يا سلال، فأسقط في يد الرجل الذي فكر لبرهة من الزمن ثم قال لهم : عليكم البحر وعليَّ الميناء.. وهي نفس المدينة التي أرادت التمازح والعتاب مع الرئيس علي عبدالله صالح بسبب إهمال قضية النظافة وتراكم القمامة فرفعوا لافتة عريضة كُتب عليها " أهلا بالرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية اليمنية الشقيقة " وكأنهم من جمهورية أخرى ."
❊ من كتابي »علي عبدالله صالح.. الرقصة الأخيرة« تحت الطبع..
❊ عن المشير عبد الله السلال أول رئيس جمهورية في اليمن وقائد ثورة 26 سبتمبر 1962م.
|