حلمي الكمالي - في خضم الصراع الفتاك بين السعودية والإمارات على الساحة اليمنية، وما يرافقه من تحشيدات متبادلة ومعارك دامية بين فصائل التحالف أنهكت قواعدها السياسية والعسكرية معاً؛ فإن كل ما يحدث يقودنا إلى حقيقة واحدة، وهي قرب آفول التحالف وطي مرحلة العبث المستمرة للعام الثامن على التوالي.. وتلك حقيقة يحاول المتفذلكون والمستفيدون خلف جلباب هذا التحالف أن يصموا آذانهم عنها، ولكن من يشيح أبصار الناس عن الحقيقة الجلية؟!
لا يبدو المشهد اليمني قاتماً إلا على أولئك الحمقى الذين يشهدون كل إخفاقات التحالف ولم يدركوا بعد أن زمن الأخير قد انتهى وولَّى.. وأن ما يحدث اليوم ليس أكثر من انعكاس لهزائم متوالية ومتراكمة لقوى التحالف، التي تجر أذيال الانكسار عاماً بعد عام.. صحيح أن هناك صراعاً دموياً فتاكاً ينخر جسد قوى التحالف المتهالك، للسيطرة على ثروات البلاد، ولكن أي نتيجة سيفضي إليها هذا الصراع أكثر من كونها ستكتب النهاية الحتمية والمتوقعة لكلا قطبي التحالف السعودي الإماراتي.
بالتأكيد لا يمكن إخفاء المساعي السعودية لإيجاد موطئ قدم لها في المحافظات الجنوبية اليمنية إلى جانب الإمارات، شريكها الأول في حرب التحالف، وذلك في محاولة لتسجيل أي حضور لها في المشهد مهما كان ضئيلاً، لتقديمه على طاولة المفاوضات التي تقف "تحتها" خالية الوفاض.. والحقيقة أن السعودية والإمارات كلتيهما لا تملكان، اليوم، أي وسيلة ضغط على صنعاء، سواء سياسية أو عسكرية أو حتى اقتصادية بعد فشل الحصار في تركيع اليمنيين، وإحكام صنعاء قبضتها في مجمل تفاصيل المعركة القائمة؛ لذا فما من قيمة لتلك التحركات السعودية على الأرض أو ما يقابلها من تحركات إماراتية مماثلة.
الحقيقة، أن التحالف لم يعد قادراً حتى على استثمار صراعاته وتناقضاته التي سبق وأن زرعها في صفوف فصائله بغرض التحكم بها، إذ أنه يدور في حلقة مفرغة على ساحة تضيق كل يوم بأطماعه التي أصبحت عارية أمام جميع اليمنيين، ولا يجد اليوم وسط أكوام فصائله الهشة من يواريها ويمضي بها، وعليه فإن الصراع الإماراتي السعودي القائم ليس إلا انعكاساً لهذه الهشاشة، لن ينتهي قبل أن يدون زوال جميع الفصائل من المشهد كنتيجة طبيعية للواقع.
هذا الواقع الهش تعكسه الزيارة القصيرة الأخيرة لرئيس مايسمى المجلس الرئاسي إلى مدينة عدن، التي لم يلبث فيها سوى بضعة أيام حتى عاد سريعاً إلى الرياض، بعد فشله في تمرير آخر المخططات السعودية في تشكيل قوات جديدة لتصدر المشهد جنوباً، وهذا الفشل لا يتعلق بتاتاً بالتقدم البطيئ للقوات البديلة عن الفصائل الإماراتية، مع رفض الانتقالي تسليم بعض مواقعه للمخطط السعودي، بل لتصدع المشهد بشكل عام أمام التحالف في ظل الخيبات والانقسامات الحادة في فصائلها السابقة والجديدة، ناهيك عن تصاعد حالة الغليان الشعبية التي لا ترى في التحالف أكثر من كونه معتدياً وغازياً جاء لنهب ثروات البلاد.
على أية حال، فإن التحالف السعودي الإماراتي يلفظ أنفاسه الأخيرة في اليمن، وهو ما كشفته الحقائق جلياً عندما ذهبت قائدة التحالف إلى إجراء مفاوضات مباشرة مع صنعاء في سلطنة عمان، بعيدةً عن أدواتها وعلى رأسها الرئاسي وحكومة معين وفصائلهما، والتي أكد قادتها أنهم علموا بالمفاوضات من وسائل الإعلام، وهي المفاوضات التي بدأت تُؤتي أُكلها لصالح صنعاء ووفقاً لمطالبها، وهو ما يتضح من خلال البدء في رفع الحظر عن ميناء الحديدة بعد استقباله عدداً من السفن التجارية للمرة الأولى منذ بداية العدوان على اليمن.
استناداً لكل ما سبق، يمكن القول بأننا أمام مرحلة جديدة، من الواضح أنها ستشهد طي صفحة التحالف وإيقاف حربه على اليمن إلى الأبد، في وقت ليس أمام السعودية والإمارات أي خيار إلا المسارعة في الرحيل وإنهاء حالة العبث، ولا شك أن قوى التحالف التي هرولت لاستجداء صنعاء بعد أن تلقت الصفعات والضربات في عقر دارها، تعرفان جيداً ضريبة الاستمرار في الحرب على اليمن، فيما يعدّ العليمي ومعين ومن معهما من قادة المنفى، الخيبات والحسرات ولا خيار أمامها سوى التسليم المطلق بالواقع الذي فرضته صنعاء على أدوات الداخل وقوى الخارج بحنكة عالية.
|