توفيق الشرعبي - لا يمكن فصل ما يتعرض له المؤتمر الشعبي العام اليوم من حملات سياسية وإعلامية مسيئة ممنهجة عن مخطط فوضى الربيع التي استهدفت الأنظمة الحاكمة في عدد من الدول العربية، وكلمة (فوضى) أكدها أساطي السياسة على مستوى العالم كونها تنفيذاً للمشروع الأمريكي المسمى (الفوضى الخلاقة) وأثبت الواقع أنها كانت فعلاً (خلاقة) للمصالح الأمريكية و(فوضى) بالنسبة للاوطان والشعوب التي أصيبت بها ولا تزال تداعياتها الكارثية تتخلق فيها باستمرار..
لا نريد هنا التوسع في موضوع تلك (الفوضى) التي لايزال »المقامرون« يتغنون بذكراها.. ونقتصر على نصيب المؤتمر الشعبي العام منها وكيف استطاع النجاة من مخططها الذي رسم له مصير نظرائه من الأحزاب الحاكمة في مصر وتونس والسودان..
أعتقد جازماً أن بعد 12 عاماً من تلك الفوضى لم يعد هناك التباس وعدم وضوح للمخطط (الفوضوي) الذي اعتمدته امريكا في إحداث عمليات التغيير في البلدان التي استهدفها (الربيع) بالاضطرابات وسعّر فيها فتن الحروب الأهلية والتقاتل الداخلي لمحو واقع الحال لا يخفى على أحد ولا يحتاج لتوضيح الواضحات ولا لشرح الفاضحات..
ولكن لابد من الإشارة الى أن اجتثاث الأحزاب الحاكمة كان من ضمن المخطط الى جانب إسقاط الأنظمة، لأن الاجتثاث يعني الشرارة الأولى للاقتتال الداخلي، ولم يكن المؤتمر الشعبي العام في منأى عن ذلك المخطط الذي تبنى قادة الإصلاح المطالبة بتنفيذه ولا تزال تصريحات القيادي الإصلاحي النائب عبدالرحمن بافضل موجودة في أرشيف قناة الجزيرة على الانترنت!!
أسباب البقاء
كثيرة هي الأسباب التي أبقت المؤتمر الشعبي العام ولا يمكن اقتصارها على »المبادرة الخليجية« فقط كما يردد البعض، لأنه لايمكن مقارنة المؤتمر كحزب حاكم ببقية الأحزاب الحاكمة التي تم اجتثاثها في مصر وتونس والسودان كون المؤتمر آمن بالشراكة الوطنية والسياسية مبكراً ومارسها في فترات مختلفة مع الأحزاب الفاعلة سواءً التي في أقصى اليمين أو في اقصى اليسار رغم امتلاكه الأغلبية المريحة في البرلمان وهذا الأمر يعني في ميزان الوعي المجتمعي أن المطالبين باجتثاث المؤتمر هم أسوأ منه وكانوا شركاءه في السلطة..!!
كما أن المؤتمر الشعبي العام لم يكن حزباً نخبوياً كنظرائه من الأحزاب التى تم اجتثاثها في دول الربيع، بل كان تنظيماً جماهيرياً له قاعدته الشعبية الواسعة التي ظلت تعبر عن تمسكها به والمراهنة عليه في مرحلة معقدة كانت الأحزاب الحاكمة فيها تدفع فاتورة باهظة الثمن، وبرغم ذلك ظل المؤتمر في سلوكه وبياناته قريباً من مطالب (الساحات) ومعبراً عن تطلعات الجماهير بما يحفظ لليمنيين دماءهم ووحدتهم واستقرار وطنهم، فلم يلجأ للجيش لإدارة المرحلة كما حصل في مصر وتونس والسودان، بل ظل يغلب دولة النظام والقانون ، محتمياً بالمؤسسات الدستورية، ومرتبطاً بالمنظمات المدنية ومتمسكاً بالقنوات السياسية للتواصل مع مختلف الأطراف الداخلية والخارجية ، مجسداً حقيقة نهجه عبر اتخاذ الديمقراطية سلاحه الوحيد لإدارة الأزمة ومواجهة مخاطرها، وبانتمائه الوطني وخبرة قياداته استطاع الانتصار على خصومه من عملاء الخارج المدعومين بالمال والسلاح والقرار الدولي..
صحيح أن وجهات النظر لبعض قيادات خلال أحداث »فوضى الربيع« قد تباينت بين مساندٍ ومنضمٍ ومخاصم ومعادٍ لتلك الفوضى، إلا أن ذلك لم يغير شيئاً في الوعي السياسي للمجتمع اليمني تجاه المؤتمر بل عزز من إيمانه التام أن بقاء المؤتمر الشعبي العام ضرورة ملحة لمستقبل مجهول يتشكل في »دهاليز« السفارات و»بدرومات« المتآمرين وقليل من مخيمات الطامحين..!!
وبالمقابل هذا الوعي عزز من صمود المؤتمر في وجه الفوضى حتى وصل بها الى تسوية سياسية تمثلت في المبادرة الخليجية التى وقع عليها مع خصومه.
من الربيع إلى العدوان
لم تكن (فوضى الربيع) شراً محضاً على المؤتمر الشعبي العام، بل فيها جانب خير عليه تمثَّل بتساقط المؤدلجين ممن بقوا فيه بعد عام 1990م ولم يغادروه الى أحزابهم عندما تم إعلان التعددية، وأغلبهم من الإخوان المسلمين ليبدأ المؤتمر الشعبي مرحلة جديدة من العمل السياسي والوطني في ظل توغل عميق للمشروع الخارجي الذي طور من أساليبه لتمرير مشروع مخطط (الفوضى الخلاقة) التى تدعمها الولايات المتحدة الأمريكية وقد عمل المؤتمر والقوى الوطنية على عرقلة خطوات ذلك المشروع وافشال كل محاولات الأعداء، ويُعد مؤتمر الحوار الوطني اخطرها، الأمر الذي دفع بالمشروع الفوضوي نحو عمل عسكري أعدت له امريكا تحالفاً كونياً بقيادة السعودية والإمارات ضد اليمن..
ولأن العدوان على اليمن انطلق تحت شعارات »رنانة« وعناوين »مغرية« سقط في وحلها الكثير من الأحزاب والتنظيمات السياسية والعديد من نخب التبعية، بينما كان المؤتمر الشعبي العام ذلك الرائد الذي لا يكذب أهله.. محدداً موقفه الوطني الى جانب شعبه، لتزداد مخططات استهدافه ومشاريع القضاء عليه، وظل معرضاً لاهتزازات مستمرة اعتمد في مواجهتها سلسلة من التدابير والإجراءات التي تضمن استمراره في أداء دوره الوطني والتنظيمي، ولكن المخطط الفوضوي الذي يعمل على هدم مكونات جهاز الدولة والرافض لبقاء تنظيم المؤتمر زاد ضراوة نتج عنه أحداث ديسمبر 2017م التي كانت صدمة عنيفة بكل المقاييس على المؤتمر الشعبي العام..
* أصناف الواهمين
ذهب المسرفون في الوهم مذاهب شتى حول مصير المؤتمر بعد رحيل رئيسه وأمينه العام وتنوعت أصناف الواهمين ونعرض بعضها في التالي:
- النوع الأول: تحالف العدوان الذي تيقن أنه انتصر في شق الجبهة الداخلية من خلال أحداث ديسمبر.!!
- النوع الثاني: دعاة التشطير والانفصال ذهب بهم الوهم الى أن التنظيم الذي حقق الوحدة اليمنية سيرتمي بعد أحداث ديسمبر في حضن اعدائها وسيجبر على تقرير مصيرها الى ما قبل تحقيقها.!!
- النوع الثالث: أدعياء السياسة ممن كانوا يرون في المؤتمر في شخص (صالح) وبرحيله انتهى المؤتمر تماماً.!!
- النوع الرابع: ظن أن المؤتمر أصبح سائباً وتائهاً ويمكن استخدامه كأداة لتصفية تركة (النظام السابق) بشكل سريع ومريح وسيعمل على فرض سياسة وتوجه ومصالح هذا النوع مع إسقاط كل الحواجز التي تعترضه من خلال تحويل كل مؤسسات الدولة لصالحه وخاضعه لتوجيهاته..!!
مابعد الأحداث
ربما أن المسرفين في الوهم لم يفهموا المؤتمر الشعبي العام كتجربة حزبية يمنية المنشأ والهوية، وأنه يمتلك رصيداً ضخماً من حصانة العقيدة اليمانية الإيمانية، ولهذا مثّل لهم اجتماع الـ8 من يناير 2018م للجنة العامة برئاسة صادق أبوراس مفاجأة أكثر منه خيبة لأوهامهم..
فتسامى المجتمعون فوق الجراح وأكدوا أهمية الحفاظ على المؤتمر وماضيه ورصيده النضالي والفكري والوطني الذي يشرّف كل من ينتسب إليه..
مجسدين نصوص الميثاق الوطني في الولاء والانتماء للوطن وقدسية الدفاع عنه وعن وحدته وسيادته واستقلاله..
معلنين استمرار الدور الذي يلعبه المؤتمر الشعبي العام في مواجهة العدوان والوقوف في مقدمة القوى الوطنية إلى جانب الوطن في قضيته ومع الشعب اليمني في مظلوميته.. وفقاً لنهج المؤتمر وميثاقه ووفقاً للدستور والقوانين النافذة.
وكان اختيار اللجنة العامة للأخ صادق بن أمين أبوراس رئيساً للمؤتمر قد قطع الطريق على الطامحين والواهمين ، وبث روح الطمأنينة في الأوساط المؤتمرية والجماهيرية ببقاء المؤتمر والحفاظ على وحدته التنظيمية وإفشال كل المؤامرات عليه في الداخل والخارج ..وتعزز هذا الاختيار في انعقاد الدورة الاعتيادية للجنة الدائمة في صنعاء في الـ2 من مايو 2019م بانتخاب قيادة جديدة للمؤتمر برئاسة صادق أبوراس ووضحت المواقف الوطنية والتنظيمية للمؤتمر..
ومع كل هزة يتعرض لها المؤتمر يتساقط منه المؤدلجون الانتهازيون والانتفاعيون الذين اتخذوا من المؤتمر محراباً لعبادة المصالح ، وهذا التساقط وإن أحدث شوشرة إعلامية آنية إلا أن نفعه أشد من ضرره للتنظيم..
مخطط المرحلة الراهنة
الأوضاع الراهنة ومعطياتها واضحة وهي تشير إلى استمرار الصراع الداخلي والتدخلات الخارجية، الأمر الذي يعني أن المؤتمر الشعبي العام لن يكون في منأى عن استمرار مخطط الأعداء والعملاء وستدخل استراتيجية الفوضويين - مكونات وأفراداً ـ طوراً جديداً لاستهداف المؤتمر وتقطيع أوصاله..
وباعتقادي أن أبرز أساليب استهداف المؤتمر في المرحلة القادمة ستتم من خلال:
- المزيد من التحركات السياسية خارجياً باسم المؤتمر من قبل المفصولين لخلق حالة هشة عن استقراره التنظيمي في الداخل.
- المزيد من الضغوطات داخلياً للحد من نشاطه التنظيمي وأدائه السياسي لإفقاده الكثير من جماهيره.
- الزج باسمه عند الحديث السلبي عن مرحلة ماقبل 2011م لتكريس الصورة المشوهة عنه.
- استخدام الإعلام والأقلام المأجورة داخلياً وخارجياً للضخ الإعلامي من الأفكار والمفاهيم المسيئة للمؤتمر وقياداته لتشويههم في الوعي المجتمعي.
- استغلال بعض »الانتفاعيين « من قبل نافذين لافتعال » منغصات « داخل المؤتمر تحت عناوين المطالبة بالاصلاحات التنظيمية والشفافية المالية وحقوق الشباب ..و..الخ، لزعزعة الاستقرار التنظيمي.
- تلميع شخصيات مغمورة وخلق هالة من الأهمية حولها وتسخير وسائل اعلامية لها للحديث عن المؤتمر ضد قياداته المنتخبة.
المسئولية تتعاظم
وهذه الاساليب وغيرها تجعل قيادة المؤتمر برئاسة صادق أبوراس أمام مسئولية كبيرة ومهمتها تتعاظم بحجم التحديات ..وبرأيي أنه لم يعد من الممكن أو الجائز مواجهة التهديدات التي تتهدد المؤتمر من خلال المفاهيم والسياسات الماضوية فقط، ولابد من الانفتاح أكثر على مفاهيم وسياسات تنمي الوعي الحقيقي بطبيعة المنطق الصراعي لفهم التحديات التي تقف في طريق المؤتمر، ولن يتأتى ذلك إلا بالمزيد من تطوير البناء المؤسسي في أداء التنظيم والاستمرار في التأهيل السياسي للكوادر لخلق قيادات شابة لتتكامل الخبرة والتجديد في كل مكونات المؤتمر، بالإضافة إلى إبقاء المؤتمر في هذه المرحلة في حالة مراجعة دائمة وتقييم مستمر لأدائه وتعزيز مبدأ الشفافية والوقوف بمسئولية أمام كل نقد بنَّاء ومعالجة الأخطاء ودراسة جوانب التقصير أولا بأول..
ومثلما أشرنا سابقاً.. أن من أسباب بقاء المؤتمر ارتباطه بالجماهير يتوجب عليه اليوم تعميق هذا الارتباط ليكون المعبر الأصدق عن هموم المواطنين والمتلمس لاحتياجاتهم والعمل بكل إخلاص لتحقيق آمالهم واحلامهم في الانعتاق الكلي من اوضاعهم السياسية والاجتماعية والاقتصادية..
وكذلك العمل على تمتين تحالفات المؤتمر مع كل القوى الوطنية التي تتشارك معه الهم الوطني وفي مقدمتها حركة أنصارالله ، وتعزيز الحفاظ على تماسك الجبهة الذاخلية..
وكذلك على المؤتمر التمسك بقوة بكل انجازاته المناصرة للحقوق والحريات ومنها قضايا المرأة، ونسج خيوط التشبيك مع منظمات المجتمع المدني ..وإعطاء الاعلام أهمية كبرى كونه أصبح في متناول كل الناس بمختلف شرائحهم وفئاتهم والعمل على تطويره ليواكب كل الوسائل العصرية..
وبكل تأكيد أنه وبالنظر إلى المستقبل وعدم التوقف عن نقطة التغني بالماضي سيستعيد المؤتمر دوره السياسي والتنظيمي وسينتصر على كل المؤامرات ..متسلحاً بمواقفه المبدئية والثابتة المنتصرة للجمهورية والوحدة والديمقراطية والسيادة والقضايا العادلة للأمة وفي مقدمتها قضية فلسطين.
|