الميثاق نت -

الخميس, 09-مارس-2023
حسني‮ ‬محلي‮ ‬ -
بعد 11 شهراً من زيارته الإمارات في 18 مارس العام الماضي، اختار الرئيس بشار الأسد سلطنة عمان لتكون محطته الثانية في الانفتاح على الدول العربية، التي يبدو أنها ما زالت على موقفها العدائي التقليدي ضد دمشق. فعلى الرغم من مرور 11 شهراً على زيارة الأسد إلى الإمارات،‮ ‬لم‮ ‬تتخذ‮ ‬أبو‮ ‬ظبي‮ ‬أي‮ ‬موقف‮ ‬عملي‮ ‬على‮ ‬طريق‮ ‬إعادة‮ ‬العلاقات‮ ‬إلى‮ ‬وضعها‮ ‬الطبيعي‮ ‬مع‮ ‬البلد‮ ‬العربي،‮ ‬سوريا،‮ ‬خلافاً‮ ‬لما‮ ‬تفعله‮ ‬مع‮ ‬الكيان‮ ‬العبري‮ ‬المحتل‮.‬
وهذا هو حال باقي الأنظمة العربية التي استغل البعض من حكّامها الزلزال الأخير فاتصلوا بالرئيس الأسد، ومن دون أن يفكّر أي منهم بالقيام بمبادرة تسعد شعوبهم والشعب السوري، وعلى سبيل المثال زيارة المناطق المنكوبة. وهو ما كان كافياً لإزالة الجليد برمّته في العلاقات‮ ‬العربية‮ ‬مع‮ ‬سوريا‮ ‬التي‮ ‬لم‮ ‬تقم‮ ‬بأي‮ ‬عمل‮ ‬عدائي‮ ‬ضد‮ ‬هذه‮ ‬الدول،‮ ‬على‮ ‬الرغم‮ ‬من‮ ‬كل‮ ‬ما‮ ‬قامت‮ ‬به‮ ‬بعض‮ ‬هذه‮ ‬الدول‮ ‬لتدمير‮ ‬سوريا‮ ‬أرضاً‮ ‬وشعباً‮ ‬ودولة،‮ ‬وخدمة‮ ‬للمشروع‮ ‬الصهيوني‮ ‬وهو‮ ‬ما‮ ‬زال‮ ‬مستمراً‮.‬
فمع استمرار حماس العديد من الأنظمة لمزيد من الحوار والتنسيق والتعاون والتحالف مع الكيان الإسرائيلي لا تخفي أنظمة أخرى خوفها من هذا الكيان الذي يمنعها جميعاً من أي تقارب مع دمشق بحجة علاقتها مع إيران أو حزب الله.
وإلا فكيف لنا أن نرى في زيارة الرئيس الأسد إلى الإمارات والآن إلى سلطنة عمان "انتصاراً للدبلوماسية السورية والعربية" في الوقت الذي يراهن فيه البعض على "منّة" النظام السعودي للانفتاح على سوريا بعد تصريحات وزير خارجية هذا النظام الأخيرة. ومن دون أن يتذكّر أحد أن هذا النظام وباعترافات حمد بن جاسم آل ثاني ومعه نظام المشيخة القطرية وتركيا والأنظمة الأخرى، هو الطرف المتآمر على سوريا مع الدول الإمبريالية والاستعمارية، وجميعها كانت وما زالت في خدمة الكيان العبري الصهيوني.
ويكفي أن نتذكّر كيف قام هذا الكيان بتهريب المئات من عناصر "الخوذ البيضاء" ذات المنشأ البريطاني/الأميركي الاستخباراتي من جبهة القتال من جنوب سوريا إلى "إسرائيل" ومنها إلى الأردن. كما علينا أن نتذكّر كيف أن المروحيات الإسرائيلية كانت تنقل جرحى الإرهابيين إلى‮ ‬المستشفيات‮ ‬الإسرائيلية‮ ‬وتعالجهم‮ ‬ثم‮ ‬تعيدهم‮ ‬إلى‮ ‬جبهات‮ ‬القتال‮ ‬ضد‮ ‬الجيش‮ ‬السوري،‮ ‬وكل‮ ‬ذلك‮ ‬بتغطية‮ ‬من‮ ‬مخابرات‮ ‬الأنظمة‮ ‬العربية‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬وما‮ ‬زالت‮ ‬في‮ ‬خدمة‮ ‬الكيان‮ ‬العبري‮.‬
وإلا لماذا هذه المماطلة في الانفتاح على سوريا التي لولا صمودها لكانت هذه الأنظمة ودولها وشعوبها عبيداً لدى الكيان المذكور الذي فرض إرادته وأجندته على هذه الأنظمة عبر ما يسمّى بالاتفاقيات الإبراهيمية التي قيل إنها ستساهم في تحقيق "السلام". فاستغلّتها تل أبيب‮ ‬وتمادت‮ ‬في‮ ‬قتل‮ ‬الفلسطينيين‮ ‬يومياً‮ ‬ليزيد‮ ‬عدد‮ ‬الشهداء‮ ‬عن‮ ‬260‮ ‬منذ‮ ‬بداية‮ ‬العام‮ ‬الماضي‮ ‬و10‮ ‬منهم‮ ‬يوم‮ ‬أمس‮ ‬فقط‮.‬
كما أهان هذا الكيان كل الأنظمة العربية والإسلامية التي فقدت إرادتها حتى في التعبير عن "استنكارها" لما يقوم به يومياً من قتل وتشريد. وهذا شيء طبيعي طالما أن هذه الأنظمة كانت طرفاً مباشراً وغير مباشر في عمليات القتل والدمار التي استهدفت الشعوب العربية برمّتها‮ ‬بدرجات‮ ‬متفاوتة‮ ‬في‮ ‬سوريا‮ ‬والعراق‮ ‬واليمن‮ ‬وليبيا‮ ‬ولبنان‮ ‬ومصر‮ ‬وتونس‮ ‬والبحرين‮.‬
فسجل هذه الأنظمة ضد الشعوب العربية لا يختلف عن سجل الكيان العبري ضد الشعب الفلسطيني والشعب السوري حيث العدوان المتكرّر على سوريا بعيداً عن أي رد فعل جدي من هذه الأنظمة التي يعرف الجميع أنها متآمرة على قضايا الأمة برمتها. فالإمارات التي "يتغنّى" البعض "بنواياها الصادقة" للانفتاح على سوريا وهو ما تستطيع أن تثبته بموقفين عمليين، ألا وهو زيارة ابن زايد إلى دمشق ووقف العدوان على الشعب اليمني فوراً.
وهذا هو الحال بالنسبة للرياض التي "تماطل وتتدلل" في اتخاذ أي موقف عملي تجاه سوريا وهي مستمرة في عدوانها على الجارة اليمن حالها حال التآمر على لبنان لأنه العمق الاستراتيجي لسوريا. فما يعاني منه لبنان وسوريا معاً ليس إلا نتاجاً للتآمر "العربي" مع الكيان العبري ويهدف في نهاية المطاف لدعم هذا الكيان في هذا التوقيت بالذات حيث يتحدث حكّامه عن احتمالات انفجار الوضع الداخلي وزواله‮ ‬إلى‮ ‬الأبد‮.‬
وهو ما أشار إليه رئيس المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد الأربعاء عندما قال "بعد نصف سنة من الآن ستكون إسرائيل مفكّكة من الداخل ومجتمعها سيكون منشغلاً بكراهية الواحد للآخر". وهو التشخيص الواقعي للداخل الإسرائيلي الذي يسعى حكّام تل أبيب لتجاوزه بالمزيد من القتل للشعب الفلسطيني وأمام أنظار الأنظمة العربية المتواطئة ليقولوا للشعب اليهودي "انظروا هؤلاء هم الحكّام العرب والمسلمون وسنجعلهم جميعاً عبيداً لكم"، وذلك في محاولة منهم لرفع معنوياتهم الهزيلة بعد صمود الشباب الفلسطيني وتهديدات حزب الله لتل أبيب ومن معها وخلفها‮ ‬من‮ ‬الأنظمة‮ ‬العربية‮ ‬والعواصم‮ ‬الإمبريالية‮ ‬وفي‮ ‬مقدمتها‮ ‬واشنطن‮.‬
وإلا فالموضوع لا يحتاج لكل هذا المد والجزر في العلاقات بين الأنظمة العربية مع دمشق التي كان على الأنظمة أن تستجدي صداقتها وتعتذر من شعبها لما قامت به ضد هذا الشعب الذي عانى وما زال ومعه الشعب اللبناني ما يكفيه من المآسي والآلام التي لو عانت منها شعوب الأنظمة‮ ‬المذكورة‮ ‬لاندثرت‮ ‬إلى‮ ‬الأبد‮.‬
وهذا هو حال الكيان العبري الذي ومهما أطالت الأنظمة العربية والإسلامية من عمره فالزوال سيكون مصيره من دون أدنى شك. فحتى لو تركنا الدين جانباً فليس هناك أي منطق يضمن بقاء هذا الكيان في 20 ألف كم2 من فلسطين وهو محاط بـ 13 مليون كم2 من الأرض العربية ويعيش فيها أكثر من 400 مليون من سكانها العرب وغير العرب، ويكره غالبيتهم الساحقة الكيان العبري الذي يسعى الحكّام العرب لتحسين صورته القبيحة وهي ليست أقل قبحاً من صورة هؤلاء الحكّام وسجلهم الأسود، ليس الآن فحسب بل منذ أن صنعتهم بريطانيا وبعدها أميركا.
وكلّ ذلك حتى يكونوا معاً في خدمة المشروع الصهيوني في فلسطين، والآن ضد كل من هو عربي شريف لا ولن يقبل بهذا المشروع العبري. وهذا ما أثبته بصمود سوريا ضد الهجمة الإمبريالية الاستعمارية الصهيونية الرجعية طيلة سنوات ما يسمّى بـ "الربيع العربي" ومن قبله ضد ما يسمّى بحركات الإسلام السياسي المعتدل منه والمتطرف. وكانت الأنظمة العميلة الراعي الرئيسي لها من القاعدة إلى طالبان ومن حركة الشباب إلى بوكو حرام وأخيراً من "داعش" إلى "النصرة" وأمثالها. وكانت جميعاً في خدمة الكيان العبري بعلم أو من دونه ولكن بجهل وغباء وبالطبع‮ ‬بخيانة‮ ‬وتواطؤ‮ ‬مستمر
تمت طباعة الخبر في: الأحد, 24-نوفمبر-2024 الساعة: 01:52 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-63893.htm