أحمد الزبيري - عندما بدأ التنظير للقرن الأمريكي أثناء وبعد تفكك الاتحاد السوفييتي وانهيار المنظومة الاشتراكية في نموذجها الأوروبي الشرقي، اعتقد الطيبون في هذا العالم أن الإنسانية تنتقل إلى حقبة جديدة بقيادة أمريكا المؤسَّسة على انتهاء المجابهة بين العملاقين النوويين، وأن العنوان الرئيسي سيكون القيادة العاقلة للدولة العظمى المنتصرة وسيشهد العالم حالة من السلام والاستقرار والديمقراطية والحريات التي تعزز قدرة الإنسان على الابداع.
حينها كان واضحاً للكثيرين أن الأمور ذاهبة باتجاه المزيد من الهيمنة وفرض النموذج الواحد في السياسة والاقتصاد والثقافة ليكون الجميع خاضعين للنموذج الأمريكي، وهؤلاء أصحاب التفكير العميق أدركوا مبكراً أن غياب التوازن في النظام الدولي سوف يعني أن البديل عولمة ليبرالية متوحشة وهذا ما كان.
الواضح بعد ثلاثة عقود أن ما كان جنوناً أمريكياً وراء المزيد من الأرباح ولا يهم إن كان الثمن نسف سكان العالم، واتضح أن طبع الرأسمالية الاستعمارية غلب على تطبعها ولم تذهب إلى حل المشاكل الإنسانية الحقيقية بل زادتها تعقيداً، وأزمة المناخ نموذجاً.
أمريكا انتصرت وتسيدت على العالم وليس المهم الوصول إلى القمة ولكن في الحفاظ على البقاء فيها، والدولة العظمى المتوحشة أقامت أمجادها على الدماء ومثلها النظام الاستعماري الغربي، واعتقدت أنها بنفس ما اعتادت عليه ستُخضع البشرية لها، وها نحن في بداية النهاية للتاريخ الأمريكي الاحادي، وها هو العالم يكافح ويواجه لاستعادة توازنه.
منطقتنا بعد كل ما مر من أزمات وصراعات وحروب وفتن طائفية ومذهبية وعرقية تنفتح أمامها آفاق الخروج من كل هذا، والشرط الوحيد خروج البعض من العباءة الأمريكية، وليس المطلوب هنا العداء لأمريكا بل تغليب مصالحه كدولة ونظام وشعب على مصالح أمريكا، ولا ندري إن كان الأتباع وعلى رأسهم النظام السعودي قادرين على ذلك.
الاتفاق السعودي الإيراني برعاية صينية مؤشر في هذا الاتجاه ولا نستطيع أن نبني عليه إلا عندما نرى وقائع على الأرض وتبدأ هذه الوقائع من إحداث حلحلة في مشاكل المنطقة وانحسار العمل من أجل المشاريع الاستعمارية في قاعدتها الاثيرة (فَرِّق تَسُدْ).
بطبيعة الحال الاتفاق الإيراني السعودي له تأثير على مشاكل المنطقة مع التأكيد أن العدوان على اليمن له بعض الخصوصية بحكم التاريخ السلبي لعلاقات السعودية باليمن، والمدفوع من أمريكا والغرب لموقعه الاستراتيجي ولإمكانيات أن يصبح هذا البلد العربي حامل مشروع تحرري للأمة كلها.
اليوم هناك آمال تنفتح لوقف العدوان ورفع الحصار وانسحاب القوات الأجنبية من اليمن، ولكن مشكلتنا في الاعداء الداخليين والقوى الخارجية التي لا تريد لا لليمن ولا للسعودية ولا لدول الخليج ولا لإيران ولا للعرب والمسلمين الخير، والمقصود بالداخليين هم المرتزقة الذين أصيبوا بالجنون عندما عرفوا ان الأمور تسير باتجاه الحل ومعهم من القوى الخارجية أمريكا وبريطانيا وإسرائيل، ومع ذلك المتغيرات والتحولات الكبرى ستمضي إلى الأمام، والخاسر من يحاول وقفها.
|