الميثاق نت -

الثلاثاء, 18-أبريل-2023
دز اسلام اوزكان -
يصعب التكهّن بتفاصيل الاتفاقية الموقّعة بين السعودية وإيران برعاية الصين، والتي تنصّ على أن الطرفين سيعيدان افتتاح سفاراتهما في غضون شهرين. ومع ذلك، فإن أول وأهمّ ما يجب قوله حول هذه القضية هو أن التطبيع بين إيران والسعودية هو نذير بتغييرات جوهرية في النظام الدولي والوضع الإقليمي.
على سبيل المثال، عندما نقول نظاماً ثنائي القطب، فإننا نتحدث عن قوتين متضاربتين أو متنافستين. وعندما نقول نظاماً متعدد الأقطاب، فإننا نتحدث عن تعددية المنافسة أو الصراع. لطالما كان الشرق الأوسط منطقة جغرافية تهيمن عليها الامتدادات الإقليمية أو انعكاسات الصراعات العالمية.
كان النظام الإقليمي العربي، على الرغم من ميزاته الخاصة، مجرد انعكاس للتنافس الشرس بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة خلال الحرب الباردة. في فترة ما بعد الحرب الباردة، تم طرح رؤى ومشاريع مختلفة للمنطقة، ولكن فشلت هذه المشاريع بسبب مشكلة التماسك الإقليمي حيناً، أو بسبب مواجهة هذه الأجندات مقاومة شديدة في أحيان أخرى. لذلك، يصعب إنشاء نظام موازٍ يمكن اعتباره مكافِئاً إقليمياً للتغيير في العالم في المنطقة.
اليوم، يتم تعريف النظام الإقليمي من خلال الصراع والتنافس بين الدول التي تعدّ امتداداً للنظام العالمي وخصومها. لذلك، فإن الصراع/التنافس بين السعودية وإيران هو في الواقع شيء يحدد النظام الإقليمي. بمعنى، إذا اختفى هذا الصراع وتحوّل إلى شيء آخر، فسيتم قلب النظام رأساً على عقب، وستكون هناك حاجة إلى تعريف جديد للنظام الإقليمي. بمعنى آخر، إذا تعذر إيجاد معادلة بديلة للمعادلة بين السعودية وإيران فلا يمكن إقامة نظام إقليمي جديد.
الصراع العربي -الإيراني هو شكل من أشكال الصراع الذي يحدد الهيكل الإقليمي في كل جانب. يقوم كل طرف على أساس تحالفات ورعاية مختلفة على المستوى الدولي، وهناك تناقض أيديولوجي لا يمكن التوفيق فيه (الوهابية -الشيعية). على الرغم من وجود بعض أوجه التشابه، فإن أنماط حياتهم وتوقعاتهم للعالم مختلفة تماماً. لكليهما عائدات نفطية ضخمة واقتصادات التي تعود إلى موارد الطاقة ما يجعلهما قوتين إقليميتين.
فكيف نفسر هذا التطبيع، رغم كل عناصر الصراع؟ أولاً، البحث عن التطبيع بين إيران والسعودية ليس جديداً. إذ استضافت بغداد أكثر من عام من المحادثات المغلقة والهادئة بين الجانبين. وكان الكاظمي رئيس الوزراء آنذاك قد أدلى بتصريحات تشير إلى إحراز تقدم جدي، وأن المحادثات على وشك الانتهاء. ثانياً، يبدو أن الصين ستتبع دبلوماسية أكثر نشاطاً في المنطقة، والخطوة الأولى في ذلك هي التطبيع بين إيران والسعودية. تم وضع أسس الوساطة الصينية خلال زيارة شي جين بينغ رفيعة المستوى للرياض في الأشهر الأخيرة. ثالثاً، تنبئ الخطوات التي اتخذها السعوديون نحو التقارب والمشاريع المشتركة مع الصين وروسيا في سياق سياسة خارجية أكثر استقلالية بتغييرات في السياسة الخارجية السعودية أحادية البعد.
بالطبع، من الواضح أن تراجع قوة الولايات المتحدة ونفوذها في السنوات الأخيرة في المنطقة والعالم شجع العديد من الدول، وخاصة الصين على أخذ زمام الأمور. وإلا لما تمكنت روسيا من مهاجمة أوكرانيا بهذه السهولة، ولم تكن إيران قادرة على ضرب القواعد الأميركية في العراق بعد اغتيال قاسم سليماني، ولم تكن الصين قادرة على الجمع بين طهران والرياض بهذه السهولة.
ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، يبدو أن مبادرة الصين قد تم تسهيلها من خلال رغبة دول الخليج في تنويع تحالفاتها من خلال التغلب على الرتابة في علاقاتها الخارجية، والتغلب على ما يتم تسميته بين الحين والآخر "التبعية للولايات المتحدة" وتطوير سياسات مستقلة نسبياً. كما أن فترة الشهرين المنصوص عليها في الاتفاقية التي وقّعت إيران والسعودية عليها في بكين لفتح السفارات ستكون بمنزلة اختبار لمدى صدق الطرفين والتزامهما باتفاقية السلام. ومع ذلك، من الواضح أن هناك مخاوف في نقل التواقيع الموجودة في الجدول إلى الساحة. كيف ستمحو إيران نفوذها في المنطقة، والذي بنته على مدى سنوات من العمل الشاق، بضربة واحدة؟ إذا لم يكن كذلك، فهل سيسمح للسعودية بتأسيس نفوذ مماثل؟ هناك أسئلة جادة حول التفاصيل، ولا يبدو أن تهدئة المخاوف بشأن سد الفجوة بين النظرية والتطبيق بسهلة.
ومن ناحية أخرى، هناك موضوع مهم يجب طرحه في مثل هذه المسائل وهو الاقتصاد. إذ يفرض نفسه دائماً على الأطراف وشروطه الخاصة على السياسة. الصين التي تؤيد دوام الصراع أو المنافسة وبقاءه مقتصراً على المجال الاقتصادي يبدو أنها لا تنوي الدخول في صراع ساخن مع الولايات المتحدة بتصريحاتها وأفعالها ومواقفها. تحتاج الصين أكثر من أي وقت مضى إلى القوة الناعمة لدعم اتجاهها وتحديده. على وجه الخصوص، تدرك بكين حقيقة أن استكمال "مشروع طريق واحد حزام واحد"، الذي يمتد من آسيا إلى أوروبا و أحد فروعه سيفتح على البحر الأبيض المتوسط عبر الشرق الأوسط، لم يعد ممكناً إلا من خلال نزع فتيل الصراع السعودي- الإيراني.. علاوة على ذلك، فإن إنهاء هذا الصراع سيكون بمنزلة ضربة للنظام الإقليمي الذي بنته الولايات المتحدة وسيزعج واشنطن.
بينما يعتقد البعض أن قبول الرياض للصفقة كان بدافع الرغبة في إحراج إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، فإن السياسة الخارجية ليست مجالاً مفتوحاً لـ "التوقعات العاطفية". سيكون من الأفضل تفسير ذلك على أنه رغبة محمد بن سلمان في استقلالية محفظته وتنويعها من أجل إنشاء دولة عربية قوية، من ناحية، وكتحذير صغير لصديقه عبر المحيط، من ناحية أخرى.
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-64129.htm