الميثاق نت -

الثلاثاء, 16-مايو-2023
استطلاع / عبدالرحمن الشيباني: -
مرت ثلاث سنوات على إقرار وزارة التربية والتعليم نظام الاتمتة،(الحوسبة) للشهادتين الثانوية والأساسية فى بداية العام 2020 - 2021م ،وهو يحاكى الأنظمة المعمول بها فى الدول المتقدمة وبطريقة حديثة متطورة، وقالت الوزارة أثناء تدشين هذا النظام حينها ،إن اتباع الخطوات الإجرائية الحديثة للانتقال إلى نظام الحوسبة ،جاءت وفق أسس علمية بعد أن تمت دراسة التجارب الرائدة في هذا المجال، وعمل تجارب أولية لتطبيق هذا النظام الحديث للاختبارات..

الوزارة قالت أيضاً إن نظام الحوسبة قد تبين نجاحه في الدول الغربية ،وهو يتميز بوجود نموذج اختباري مختلف لكل طالب داخل المركز الامتحاني الواحد، موضحة أنه تم عقد ورش عمل لتدريب مديري الاختبارات والموجهين والمختصين، وأرجعت أهمية نظام الحوسبة فيما يتعلق بالتصحيح، إلى عدم تأثرها بذاتية المصحح أو الظروف المحيطة به، فضلاً عن الدقة والسرعة في عملية التصحيح والتقدير ورصد الدرجات واختصار الجهد والوقت والتكلفة، كما أن هذا النظام بحسب الوزارة سيقضي على ظاهرة الغش، وتسرب بعض نماذج الاختبارات وانتحال الشخصية والتجمهر أمام المراكز الاختبارية ،فضلاً عن تفادي الأخطاء الفنية التي رافقت الاختبارات المعدة يدوياً..

تغيير السائد
قبل ثلاث سنوات من إقرار نظام الحوسبة، كان الطالب معتاداً على الطريقة التقليدية، فى الإجابة عن الأسئلة الموجهة له بناء على سنوات دراسته ،وتحصيله العلمي الذي يخضع للفحص لمعرفة مدى استيعابه من عدمه ،وحتى اختبار أداء المعلم نفسه ومقدرته على توصيل المعلومة بيسر وسهولة للطالب ، لكن هناك من يرى أن تلك الطريقة اصبحت قديمة لا تلامس تطور العصر وتحولاته ،وأصبح من الضروري تغيير النمط السائد في وضع الأسئلة طالما أنه يؤدي نفس الغرض ولكن بطريقة أفضل وأنجع ، غير أن هناك من ينتقد هذا الأمر ويراه سابقاً لاوانه وكان الأفضل وقبل البدء بهذه الخطوة إيجاد استراتيجية شاملة للنهوض بواقع التعليم الذي يعاني تراجعاً كبيراً وأول هذه الاستراتيجية انتشال وضع المعلم من واقعه المزري واعطاؤه حقوقه، إضافة إلى توفير الكتاب المدرسي الذي أصبح له سوقاً سوداء..

تدريب وتأهيل
والحقيقة أن هناك مسألة مهمة لم تحظَ بالاهتمام في خضم هذا الجدال بين مع وضد الحوسبة، والذي ما زال مادة للتناول حتى اللحظة.. وقبل الخوض فى هذا الأمر دعونا نعرج إليه ، وهو التقصير الحاصل في تأهيل الكوادر العلمية والإدارية ،أثناء فترة الإجازة الصيفية وهذا الجانب يشوبه الكثير من الاهمال، وكان الأجدر بالوزارة الالتفات لهذا الأمر وإعطاؤه أولوية ولا يجب إغفال هذا الجانب إذ يعبر (ع . ز)- مدرب- عن آسفه "لتراجع الاهتمام بالتأهيل خصوصاً في الآونة الأخيرة" .. وأضاف: "اليونيسف وبعض الجهات المانحة كانت تضع ميزانية لهذا الشأن لكن للأسف المبالغ التي كانت تصل للمتدرب زهيدة جداً مقارنة بالمرصود ،لذلك الكثير من المعلمين والإداريين يعزفون عن الحضور تحت حجج شتى بالرغم من أهمية الدورات"..
مشيراً الى أن الأموال التى تُخصص للتدريب يتم إنفاقها في مسائل أقل أهمية ، ودعا قيادة الوزارة إلى النظر لهذا الأمر ومعالجة واقع التدريب والتأهيل، فهذا القطاع كما يقول مهم جداً وحيوى نظراً لأهميته بإعداد الكوادر الكفؤة القادرة على القيادة والتغلب على المعوقات التي تواجه العملية التعليمية التي تعاني الكثير من الاختلالات..

مهارات معطلة
وعودة على ذي بدء عن موضوعنا الأساسي وهو نظام الحوسبة ،والذى يرى البعض أن لهذا النظام مآخذ منها إجابة الأسئلة ،التى تعتمد هنا على الحظ وليس على الذكاء ،ويكون القياس غير صادق، نظراً لانة بإمكان أي شخص يقرأ ويكتب يجيد القراءة بمقدوره ان يختار ويضلل دائرة الإجابة ،علاوة على ان طريقة اختبارات الأتمته حدت كثيراً من قدرات الطلبة على اكتساب الكثير من المهارات مثل الكتابة، والتعبير عن آرائهم وافكارهم ،من خلال الشرح والتوضيح والوصف والرسم بشكل او بآخر ،تؤدي الى التجهيل اكثر من التعليم والتعلم البناء، طريقة اختبارات الأتمتة قد تتناسب في قليل من الأحيان في بعض مجالات التعليم العالي ولا تتناسب كثيراً في مرحلتي التعليم الاساسي والثانوي، حيث ان سلبياتها اكثر من إيجابياتها بكثير، ولكن اذا ما تم تعديلها وتطويرها، ولتأخذ بعداً إضافياً وحيزاً اكبر تتضمن من الاختبارات الموضوعية عندها ستكون تطوراً وتقدماً ونقلة نوعية..
وعلى ما يبدو ان نتائج ذلك ظهرت سريعاً فى مستوى الطلاب الملتحقين بالجامعة" المستجدين " خريجي الثانوية الملتحقين بالجامعة الذي يعانون من ضعف كبير فى الإملاء والخط وعدم قدرتهم على التعبير وصياغة اجاباتهم بطريقة علمية رصينة تراعي الجوانب العلمية واللغوية ، مدللين على إجابات الطلاب والصيغة التى كتبت بها الإجابة ناهيك عن رداءة الخط والذي هو اشبه بالطلاسم وقد حصلنا قد على نموذج لاجابات أحد الطلاب فى السنة الأولى فى إحدى الجامعات وكان الأمر مضحكاً ومبكىاً فى نفس الوقت..

أخطاء محدودة
»الميثاق« استمعت لاجابات بعض المعلمين والتربويين حول مدى نجاح نظام الاتمتة بعد ثلاث سنوات من تطبيقة وهل كانت التجربة ناجحة..؟ وهل راعت نماذج امتحانات الشهادتين الاساسية والثانوية العامة مستويات الطلاب والطالبات كافة أم اقتصرت لتناسب مستويات المدارس الخاصة والمدارس النموذجية التي لا يتجاوز عددها اصابع اليد الواحدة كعبدالناصر مثلاً؟!.. وللإجابة على ذلك يقول الأستاذ / سيف البسارة مدير مكتب التربية والتعليم بمديرية التحرير إن تجربة الاختبارات بنظام الاتمتة نجحت إلى حد كبير جداً في الحد من ظاهرة الغش والفوضى في المراكز وكذلك في توفير كثير من الأموال والوقت التي كانت تنفق بالتصحيح وترافقه كثير من الاخطاء.. مضيفاً: ان نظام الاتمتة الاخطاء فيه محدودة جداً سواء فى موضوع التصحيح وكذلك شمولية المنهج " لكنة عاد وقال " هناك بعض اوجه القصور وبعض الاخطاء في صياغة الفقرات تتم وفق بعص المواصفات والمعايير التي من المفترض ان تتوافر بالاختبار الجيدة لكنها محدودة وقليلة جداً وكل سنة تتم معالجة الكثير من الملاحظات بحيث يكون العام اقل من الذى بعده واقل ملاحظات وأقل اخطاء وهو ما نلاحظه هذا العام على ضوء المواد التي قد اختبرت وهى افضل بكثير من الاعوام السابقة..

وضع طبيعى
التجربة ممتازة وتحتاج إلى التقييم العلمي والمهني بشكل دائم، الاختبارات العامة تتم وفق جدول المواصفات ويجب ان تقيس مدى تحقق الاهداف التعليمية المفترض تحقيقها وهذا هو الوضع الطبيعي لايجب ان تفصل الاختبارات على مقاسات معينة انما وفق الاهداف التعليمية المفترض أن تحقق طوال العام لان الاختبارات تقيس مدى تحققها من عدمه ، أما موضوع المدارس الحكومية وماتواجهة من صعوبات ومعوقات عكس المدارس الاهلية ومدارس المتميزين هذا موضوع آخر..

وضع اسثتائى
أما الأستاذ عبدالحكيم الآنسى (مدير مدرسة) أكد أن مثل هذه القرارات كانت يجب أن تخضع لدراسة مستفيضة قبل البدء في تطبيقها مؤكداً أن اليمن فى وضع غير طبيعى وكان المفترض تأجيل هذا الأمر حتى تعود الامور إلى نصابها ، واضاف الآنسى " لدينا معلم يتجرع مرارة العيش والطالب لا يستطيع الحصول على الكتاب كما أن التعديلات كانت بحاجة إلى تمهيد، من خلال تدريب المعلم ورفع كفاءته ،مشيراً إلى أن الاختبارات اختلفت بعض الشيء عما كان فى السابق ،فمادة القرآن الكريم قد تغيرت صيغة السؤال فيها ولم يعد الطالب بحاجة لكتابة الآيات وإنما الإشارة إلى السورة كما أن مادة اللغة الانجليزية كانت صعبة جدا وأثار استياء الطلاب واولياء امورهم " ..هذا وكان أحد المعلمين قد وصف هذا الأمر بانه استعراض عضلات واستفزاز واستهتار بعقلية ومستقبل الطلاب وقال إن من وضع الامتحان ليس له علاقة بالتربية والتعليم، او مهتم بشؤونها نظراً لبعده عن المنهج وما اخذه الطالب.. وقال " انها محاضرة جامعية في الادب الانجليزي والفلسفة وكان لذلك اثر بالغ على نفسية ابنائنا الطلاب ،واساءه لهم تستوجب على الوزارة اعادة النظرفي كافة اجراءات التصحيح وعند رصدالدرجات، وبما يستحقه الطالب وفقاً لهذه المعطيات ، الاستاذ الآنسى اكد "ان التعليم بحاجة إلى جهود مشتركة من أجل النهوض به لماذا مثلاً لا نستلهم تجارب الآخرين كما هو فى سلطنة عمان فلديهم خطط خمسية للزراعة والتعليم..الخ..

إعادة الاعتبار
كما أن تحويل اختبارات صف سادس وسابع وثامن مركزياً، كان قراراً غريباً وهو غير منطقي ومن يتحمل اعباءه المعلم الذي يُلزم بالتصحيح وإكمال المنهج والذى لا يتوفر للطالب فى المدارس الحكومية مقارنة بالمدارس الخاصة فيضطر المعلم لاخذ درسين فى حصة واحدة لإكمال المنهج وهذا تخبط ، واضاف الآنسي : اعتقد ان اي قرارات تخص العملية التعليمية ووضع سياساتها تحتاج لذوي الاختصاص، وتكون مدروسة بشكل جيد لأن هذا الأمر متعلق بجيل كامل ،ويجب أخذ كل الاعتبارات، لكن مانراه غير ذلك ،علينا العودة للمعلم نفسه قبل كل شىء وتلبية احتياجاته ،أنا لدي الآن معلمون يجب أن يحالوا للتقاعد لكن ما زالوا فى الميدان كيف سيكون أداؤهم وهم فى هذا السن ، فالمعلم لا يمكن مقارنته بموظف يعمل فى وزارة فهو حامل رسالة كبيرة وصانع الاجيال، وأي ضرر به ستكون تداعياته على المستقبل.. ودعا الأستاذ عبدالحكيم إلى إنصاف المعلم واعادة الاعتبار له ولدوره قبل كل شيء..

احتضار قلم
المحرر التقى ببعض الطلاب أثناء خروجهم من لجان الاختبارات حيث يقول عدي الاصبحى " إن الاختبارات كانت متوسطة لكن يشوبها بعض الاختلالات مثل التقيد الصارم بالتضليل..
فإذا خرجت سنة القلم قليلا عن محيط الدائرة تحرم الدرجة على الطالب ويخسر الدرجة.. زميله عبدالخالق السلامي يوافق عدي على هذا الأمر قائلاً "المشكلة فى التضليل" .. أما عبدالله جمال فيقول هناك سؤال ثقافى خارج المنهج لا نعلم عنه شيئاً لا استطيع الإجابة عليه طيب انا مش مثقف ماذا أفعل فى هذة الحالة (يضحك) اذاً درجة هذا السؤال راحت، أيضاً هناك اختيارات متعددة اثنتين منها صح والآخر صح الصح، هذا يدخل الطالب فى حيرة ، بدوره يقول زميله عبدالرحمن النابهى، إن نماذج الأسئلة غير عادلة، فهناك نموذج سهل وآخر صعب وآخر متوسط هذا يعتمد على الحظ، وبعكس الاختبارات السابقة كانت النماذج خمسة فقط الآن لكل طالب نموذج ،وقال النابهى متسائلاً هل هذا عدل ؟ الملاحظ هنا عزيزى القارىء أن كل سنة تتغير صيغ الأسئلة وتدخل تعديلات وسيكون على الطالب المراهنة على ذاكرته القوية فى استحضار الإجابة وسيتخلى عن القلم رويداً رويداً وسيقتصر دور الطالب فى اجاباته على التضليل فقط بدلاً من كتابة الإجابة .

قبل الختام
وإزاء كل ما تقدم هل كان المعنيون بوزارة التربية والتعليم ينظرون للكلفة المالية التى كانت تنفقها الوزارة على الامتحانات فأرادوا التخلص من هذه الأعباء والاستغناء عنها وهي تعرف أن الميزانية المرصودة لإجراء الامتحانات لا تكاد تُذكر وما يحصل عليه المعلم مقابل التصحيح والمراقبة لا يكاد يُذكر ولذلك قامت بتفعيل نظام الحوسبة لتوفير تلك الأموال ،والتى تقول إن هذا النظام معمول به في الدول المتقدمة مثل هولندا وأمريكا وتراه خطوة جيدة في التحديث والتطوير، السؤال الذي يتبادر للذهن هنا هل يمكن مقارنة اليمن بهذه الدول ؟وهو البلد الوحيد في العالم الذي لا يحصل المعلم على راتبه؟ إنها مفارقة عجيبة فعلاً!!
ألا يعلم هؤلاء أن التربية ليست فقط نقلاً للمعارف وإنما هي أيضاً تفكير وتحليل واستنتاج وابتكار وتخيل ، وان الطالب هنا يخلق لنفسه تصوراً حياتياً ووجودياً، فهل يا ترى يكون الطالب اليمني والعربي عموماً قادراً على أن يجد تصوراً لحياته ووجوده وهو غارق بين التلقين والتسطيح لا يبارح مساحة تفكيره نحو المعرفة والابداع والابتكار إلا سنتيمترات قليلة؟
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 10:32 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-64214.htm