د. عبدالوهاب الروحاني - الوحدة اليمنية كانت حلماً جميلاً وتحققت وأغنية وجدانية غنيناها جميعاً بلحن الامل والمودة والطموح.. أتعرفون لماذا؟!
* لأننا كنا نرى فيها إعادة الكرامة للوطن وللمواطن اليمني.
* ولأنها أوقفت نزيف الدم بين اليمنيين عند براميل ونقاط كرش والشريجا وسنح وقعطبة ومناطق الوسط.
* لأنها أوقفت نزيف الجهد والوقت والمال لنظامين شطريين كانا ينفقان كل ميزانياتهما للمسألة الأمنية والتآمر والحرب.
* ثم لأنها اعادت البسمة لوجوه اليمنيين، وجمعت شمل الأسر والعوائل التي مزقتها الحروب وشتتها التقسيم.
رأيت بأم عيني توترات آلة الحرب بين البيضاء وأبين، وقعطبة والضالع، وجيوب الموت في المناطق الوسطى التي أخافت المواطن وقتلت الابرياء وشتتت الأسر..
بين عامي 1987-1989م قبل الوحدة سمحت لي المهنة التي أعشق (الصحافة) ان اقف على حياة الناس ومعاناتهم في مناطق التماس، فوقفت على مآسي وعذابات مرعبة يعيشها اليمنيون.
كانت وأصبحت:
زرت عدنِ والضالع ولحج وأبين، وطفت بالأحياء والشوارع والحارات، التي كانت خاوية بائسة.. فجاءت الوحدة وأورقت بيومها ثم أزهرت بربيعها، وحيت بحياتها..
حملت الوحدة معها الحلم والحياة، وعمّرت الجنوب كما لم يعمر من قبل، ووجهت ميزانية الدولة للمشاريع الحيوية خلال 20 عاماً من عمرها، وبنيت المدن، والطرقات، والمطارات، والمدارس، واهلت مؤسسات الدولة والمجتمع.. واسترجعوا من الماضي صوره -إن أردتم- وسترون ماذا فعلت الوحدة في الجنوب؟!، وكيف كانت الضالع والحبيلين، والمنصورة، والشيخ عثمان، والحوطة، وزنجبار، والمكلا، وعتق والغيضة وحديبو.. وقارنوا لتحكموا بأنفسكم..
في صيف عام 2001م حضرت مع عدد من الوزراء برفقة المرحوم رئيس الحكومة حينها عبدالقادر باجمال مهرجان يافع التراثي، وكان افتتاح أهم المشاريع في عدن.. زمن طه غانم وعبدالكريم شايف، وفي لحج والضالع، من بينها كان مشروع مياه "يهر لبعوس"، وهو مشروع عملاق نُفذ بتمويل كبير، ثم تحديث كهربة المنطقة في زمن وزارة المهندس القدير يحيى الأبيض (رعاه الله).. وفي حضرموت وبمعية الرئيس الشهيد (رحمه الله)، وحضور وحيوية رجل الدولة الأنظف والأنزه صالح عباد الخولاني (رعاه الله) شهدت مشاريع كبيرة.. مركز ثقافي المكلا.. مدينة فوه، مشروع الخور، حدائق وفنادق.. وطرقات.. كانت أياماً تشرق بالوحدة والانجاز..
انتكاسة ولوحة دائل
بالتأكيد لم يكن كل شيء ورديا فاي نجاح لابد أن يصاحبه بعض الفشل، وشخصياً رأيت العبث والفوضى المصاحبة من قيادات مدنية وعسكرية جنوبية وشمالية.. شوهت اللوحة وافسدت المسار ..
شهدت نهب وتقاسم الاراضي، وبيع ممتلكات القطاع العام والخاص .. ضياع المزارع التعاونية، والمنشآت الحيوية، ومصادرة مؤسسات الدولة وبيعها باسم "الخصخصة" الذي تورط فيها عبدالقادر باجمال رحمه الله .. ثم تسريح الموظفين، وتسريح القيادات الجنوبية من الجيش.. وإحياء نظام "المعقلة"، وإعادة انتاج القبيلة... الخ.
كل ذلك أحدث خدوشاً كبيرة في لوحة الوحدة .. وأتذكر ان الفنان التشكيلي "الاشتراكي" المبدع عبده دائل(رعاه الله) اهداني لوحة زيتية لحصان يبدو منتكسا ما أزال محتفظاً بها.. وكانت هديته عندي محل فهم واستيعاب وتقدير لقيمتها ومعناها ودلالتها.
من تلك الخدوش بدأت الانتكاسة، لكنها ليست الوحدة.. بل كان الفشل الذي صاحب ادارة الوحدة، ثم التركيز على إعادة انتاج القديم، من الاهتمام بالقوى السياسية التقليدية على حساب جيل الوحدة، وعدم القدرة على احتوائه وادماجه في الحياه السياسية إلى الغطرسة والاقصاء..
نعم حدث حيف وظلم كبير لكنه الظلم الذي لا ذنب للوحدة فيه، ولا يجوز ان يقود للانفراط.. ثم لا يجوز ان نتنكر للوحدة وصنيعها .. فالوحدة هي خيار اليمنيين، ومستقبلهم، ولكن في ظل قيادة وطنية وديمقراطية رشيدة، تحقق العدل والمساواة والحرية والمشاركة.
وكل عام والوحدة بأمان.. |