الفريق الركن / جلال علي الرويشان❊ - منذ أن تأسس المؤتمر الشعبي العام في الـ24 من اغسطس 1982م ، جعل قضية إعادة تحقيق الوحدة اليمنية واحدة من أبرز أولوياته ، ووضع نصب عينيه تحقيق وتنفيذ هذا الهدف ، مُتجاوزاً جميع الحسابات والتوقعات التي كانت ترتبط بالصراعات الإقليمية والدولية ، وقد انطلق المؤتمر نحو تحقيق هذا الهدف ، باعتبار أن الوحدة اليمنية هي وحدة شعب موحد أساساً في الدين والنسب والتاريخ والجغرافيا ، ولا تُفرِّق بينه لا إثنيات ، ولا قوميات ، ولا أعراق ، ولا طوائف ، ولا مذاهب .. وليس هذا فحسب ، بل إن مثل هذا الهدف هو حق للشعب كل الشعب وليس حق لفئة أو لحزب أو لجماعة من الناس .. واعتمد المؤتمر في هذا التوجه على حقيقة تاريخية ، مفادها أنه لا يجوز أن ترتبط الوحدة اليمنية بصراع النخب السياسية ، وزاد على ذلك أن نص صراحةً في الميثاق الوطني ، وهو الدليل النظري للمؤتمر الشعبي العام ، فقال: "الوحدة الوطنية هي القوة التي نواجه بها كل المخاطر التي تهدد كياننا واستقرارنا وسيادتنا الوطنية"، وقال: وحدة الوطن هي قدر شعبنا وضرورة حتمية لتكامل نموه وتطوره وضمانة لقدرته على حماية كيانه وقدرته على أداء دور فعال وإيجابي على المستوى القومي والدولي..
وقد استمرت قيادة المؤتمر، وحتى هذا اليوم على هذا النهج، وهذا ما يؤكد عليه باستمرار الأخ الشيخ المناضل صادق أمين بن أبو راس في أحاديثه وخطاباته.
والوحدة اليمنية ليست مكسباً وطنياً يمنياً فقط ، وإنما تعتبر عامل استقرار مهماً للمنطقة ، كونها قضت على بؤرة توتر غير مريحة للمنطقة والعالم خلال فترات الصراع الماضية .. كما أن الموقع الجيوسياسي لليمن لا يسمح باستقرار المنطقة إلا في ظل وحدة يمنية شاملة .. وهذه حقائق يدركها كل من يتناول أسباب وعوامل ودوافع الصراع الجيوسياسي الذي شهدته اليمن والإقليم خلال العقود الماضية .. وللأسف الشديد ، لم تدرك دول العدوان هذه المعطيات ، فارتكبت خطأها الأول ، والمتمثل في العدوان الغاشم على اليمن ، الذي استمر لما يزيد عن ثمان سنوات ، ولا تزال أدواته قائمة في الحصار والمعاناة الإنسانية ، ويبدو أنها - دول العدوان - تتجه نحو ارتكاب خطئها الثاني والقاتل ، وهو المؤامرة على الوحدة اليمنية ، واستمرار احتلال الأراضي اليمنية .. وعلى دول العدوان ، وعلى المجتمع الدولي كذلك ، أن يدركوا أن أكبر مهدد للمنطقة والإقليم هو عدم استقرار اليمن ومحاولات تقسيمه .
وعليهم أن يدركوا كذلك أن الشعب اليمني لن يقبل بأن يبقى شبر واحد من أرضه تحت الاحتلال، وهم يعرفون جيداً طبيعة الشعب اليمني وطباعه في التعامل مع المستعمر والمحتل .. وهذا الشعب المجاهد والصابر يعتمد في مواقفه على تأييد الله أولاً، ثم وحدة القيادة والشعب ، وتماسك الجبهة الداخلية .. وصنعاء تمتلك جميع الخيارات للحفاظ على الوحدة اليمنية وتحرير الأرض وإخراج المحتل، وما لم يتحقق بالقوة العسكرية لن يتحقق بالمؤامرات .. وللتذكير فإن قرار حماية الثروات السيادية، الذي هو في الأساس حق مشروع لشعبنا، كان واحداً من الخيارات التي تدافع بها صنعاء عن وحدتها وسيادتها .
وصنعاء في موقفها المقاوم والواضح، ورفضها لعمليات نهب الثروات اليمنية ، تعرف أن الهدف الغربي من خلق بؤر التوتر هو نهب الثروات ، وأن الدول التي تمتلك الثروات ، إما أن تكون تابعة بشكل مطلق يضمن تدفق الثروات ، وإما أن تبقى تحت الاحتلال والصراع ، والأمثلة واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار من خلال التأمل في ما يجري في ليبيا والعراق ونيجيريا وفنزويلا.. ودول أخرى .
لقد تابع الشعب اليمني باهتمام نتائج المفاوضات التي تمت من خلال زيارة وفد سعودي إلى صنعاء، بوساطة عُمانية .. ومع أننا نسمع جعجعةً ولا نرى طحيناً حتى الآن - كما يُقال - إلا أن من المؤكد هو أن السعودية قالت أنها ترغب في الخروج من الحرب .. لكنها - وللأسف - لا تعرف حتى الآن كيف يجب أن تخرج ، أو إنها لا تريد أن تعرف ، أو بالأصح أنها لا تريد أن تعترف بأنها تريد الخروج فعلاً مما يمكن تسميته بالمستنقع اليمني الذي وقعت فيه .. وظهرت في نهاية الجولة التفاوضية لتقول بأن عليها ضغوطاً من الولايات المتحدة الأمريكية ، ولولا تلك الضغوط لسارعت في إجراءات وقف العدوان ورفع الحصار وتعويض أضرار الحرب وإعادة الإعمار ، وهذا عُذرٌ أقبح من ذنب - كما يُقال - ، فالشعب اليمني يعرف جيداً أن العدوان أُعلِن من العاصمة الأمريكية واشنطن ، من قبل وزير الخارجية السعودي حينها ، وهذا الارتباط البيولوجي بين الممول والمنفذ ، وبين المخرج والممثل ، وبين الآمر والمباشر ، وبين واشنطن والرياض ، لا يمكن فصم عُراه ، ولا فك الارتباط فيه ، إلا إذا كانت الرياض صادقة مع الله ومع نفسها ومع شعبها في الخروج من المستنقع اليمني .. أما بالنسبة لصنعاء، فقد أوضح الرئيس مهدي المشاط في خطابه الأخير- الذي ألقاه في محافظة حجة- الصورة الكاملة للموقف اليمني دون لبس ولا غموض فقال : " في الفترة الأخيرة العدو السعودي أدرك أن استقراره مرتبط باستقرار اليمن ، هذه الحقيقة التي وصل إليها السعودي .. ولكن قوى إقليمية ودولية لا تريد للسعودية الاستقرار، وتحاول منع السعودي من الخروج من مستنقعه الذي وقع فيه، والأمريكي لا يريد الحل، ولا يريد أن تُدفع المرتبات، رغم قناعة السعودي بضرورة دفعها .. ومن يستجيب للابتزاز الأمريكي فهو من يتحمل المسؤولية، السعودي هو المسؤول الأول، فهو من جلب كل هذا الوضع لنا وله وللمنطقة جميعاً .. أتحنا له فرصة الخلاص من هذا الابتزاز، هذه الخلاصة، كثير من الأخوة السياسيين يسأل ما الذي يجري ؟ الخلاصة هنا، أننا أتحنا له فرصة الخروج من الابتزاز الأمريكي، وهذا هو سبب التأخير والضبابية في المرحلة الأخيرة ، لكن السعودي هو المعني بقراره ، إذا قرر أن يخضع للابتزاز الأمريكي والبريطاني هذا شأنه ، نحن في الجمهورية اليمنية لا يوجد لدينا ما نخسره بعد " .. هل يوجد موقف أقوى من هذا الموقف !؟
وهل يوجد حديث أوضح من هذا الحديث !؟
الكرة في ملعبهم، ونحن - بفضل الله تعالى - قادرون على الصمود لثمان سنوات أخرى .. " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ" صدق الله العظيم .
❊ نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع والأمن
نائب رئيس الوفد الوطني المفاوض
|