د. عبدالعزيز البكير ❊ - في البداية أتقدم بالتهاني إلى كافة أبناء شعبنا اليمني وقيادته السياسية والعسكرية والأمنية وقواه الوطنية بمناسبة الذكرى الـ 33 لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الـ 22 من مايو 1990م
وأقول بهذه المناسبة إن الوحدة اليمنية مستقبل أمة وخيار شعب وُجِدَت لتبقى، فالوحدة اليمنية ليست كأي وحدة يمكن تحقيقها وتعود للتمزُّق والتفرُّق بمجرد اجتماع لمجموعة تابعين لدول معتدية على اليمن ومحتلة لأجزاء من أراضيها وجزرها وموانئها، لأن وحدتنا اليمنية تمتلك مقومات قوية وراسخة جعلتها صامدة أمام كل العواصف والمؤامرات التي مرت بها، وستبقى راسخة وستفشل كل مؤامرات ودسائس آل سعود وآل زايد وأسيادهم أمريكا وبريطانيا ولن ينالوا منها، يشهد لهذا ما مرت به الوحدة من مؤامرات ومكائد حتى اليوم الذي تشهد فيه الوحدة اليمنية حرباً شعواء من قِبل تحالف العدوان ومرتزقتهم من تجار القيم والمبادئ الذين يتنكرون لخيرات الوحدة وعطائها، في الوقت الذي نسوا فيه ما كان عليه حالهم إلى ما قبل الثاني والعشرين من مايو 1990م، يوم أن كانوا يعيشون عهداً أممت فيه الممتلكات، وصودرت فيه الحريات وكُممت فيه الأفواه، عهداً عاش الناس فيه حياةً لا ترقى إلى أدنى مستوى للعيش في أي دولة من دول العالم، وذلك لأن النظام الشمولي "آنذاك" فرض على الناس في الشطر الجنوبي من الوطن سابقاً عزلة إجبارية جعلت الناس يعيشون في بعد عن التطورات المتسارعة التي يشهدها العالم كل يوم، عهداً كرَّس في الناس العجز والبطالة، وجعل من الناس أسرى ما يملأ النظام به بطونهم، ولهذا ما من عاقل اليوم في أي محافظة من المحافظات الجنوبية والشرقية يرضى بأن يعود الوطن إلى ما قبل الوحدة.
لا أحد يمتلك الحق في تقرير مصير الوحدة سوى الشعب لأنها ليست ملكاً لحزب أو مكون سياسي أو شخص أو قائد أو رئيس بل ملكاً للشعب اليمني الذي ضحى وقدم في سبيل تحقيقها قوافل من الشهداء.
لماذا لا يتم إجراء استفتاء شعبي يتحدد معه مصير الوحدة اليمنية، في ظل الأصوات النشاز المنادية بفك الارتباط بين الشمال والجنوب، لأن من أبرز مقومات وحدتنا اليمنية أن المواطن اليمني في أي مكان كان يشعر دائماً أنه وُلد حراً ويرفض أن يصير في يومٍ من الأيام مسلوب الحقوق مصادر الحريات.. من هنا كانت الوحدة استجابة لمطالب شعبية واسعة، كما أن من مقومات الوحدة الترابط والاندماج السكاني فالكثير ممن اكتوى بنار التشطير ما اكتوى بنارها إلا لأن التشطير حال بينه وبين أقاربه الذين ربما كانوا لا يبعدون عنه كثيراً لولا أن برميل التشطير حال دون تواصلهم وتزاورهم، فطالما والاندماج السكاني بين مواطني المحافظات الشمالية ومواطني المحافظات الجنوبية والشرقية له تاريخه العريق إن لم يتعرض اليمن لأعاصير التشطير، فلا يمكن لدُعاة التشرذم والانفصال أن يفرضوا دعواتهم المُطالِبة بفك الارتباط على شعب امتزج وزاد امتزاجه أكثر فأكثر بعد الوحدة المباركة يوم أن انتقل المواطن من الشمال ليستثمر في الجنوب ويعيش ويتزوج وينجب في الجنوب، ويوم أن انتقل المواطن من الجنوب ليستثمر أو يعمل ويعيش ويتزوج وينجب في الشمال، إلى ذلك تعد العادات والتقاليد الكثيرة المشتركة بين أبناء المحافظات الجنوبية وإخوانهم في المحافظات الشمالية مقوماً رئيسياً من المقومات التي تشهد بأننا كُنا وسنبقى بإذن الله جسدًا واحدًا مهما أرجف المرجفون وتداعى المبطلون وكما طردنا المستعمر البريطاني سنطرد المستعمر السعودي الإماراتي الأمريكي وعملاء بريطانيا المحتل القديم، ومما يُضاف إلى هذه المقومات مقوم أساسي لا يمكن لأيٍّ كان من عدو أو صديق أن يتجاهله وهو وحدة النسيج الجغرافي والذي يرسخ في أذهان الباحثين الجيولوجيين والتاريخيين أن هذه الأرض اليمنية خلقها الله موحدة، وإن حصل في حقبة من حقب التأريخ انفصال فإن الانفصال هو الاستثناء والوحدة هي الأصل، ومن مقومات وحدتنا كذلك الدين واللغة فمعلوم أن أبناء اليمن حينما أشرق نور الرسالة المحمدية دخلوا في دين الله، لم يذكر المؤرخون أن عبدالرحمن الغافقي الحضرمي الذي استُشهِد في معركة بلاط الشهداء في ما يعرف اليوم بأسبانيا لم يذكر المؤرخون أنه كان من شطر اليمن الجنوبي أو الشمالي بل ذكروه وعرفوا بلده اليمن، هذا إضافة إلى أنه وطالما أن اليمنيين يجمعهم دين واحد لا يعرف الطائفية في الشمال أو الجنوب فإن معتقدات ونصوص وقيم هذا الدين العظيم كلها تدعو إلى التوحد على أساس العقيدة.. وحدة اندماج تذوب معها كل الحواجز.. قال الله تعالى »واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرَّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألَّف بينكم فأصبحتم بنعمته إخوانا« وجاء التحذير الإلهي من مغبة التنازع والاختلاف والدعوة إلى التفرق بقوله تعالى »ولا تكونوا كالذين تفرَّقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات وأولئك لهم عذاب عظيم«، إلى جانب الدين تأتي اللغة فالكل يتكلم العربية ولم يقف الأمر عند التحدث بالعربية فحسب بل إن اللهجات المتعددة المنتشرة في اليمن قد شارك بعض أبناء المحافظات الشمالية إخوانهم من أبناء المحافظات الجنوبية فيها.
وكذلك من مقومات الوحدة التي تجعلها شامخة راسخة والتي دفعت وستدفع بكل يمني أن يقف في وجه كل داعٍ للفرقة والانفصال سواء من الداخل أو من الخارج، الممتلكات التي فرضت نفسها كواقع لا يمكن تجاوزه بأية حال لأبناء المناطق الشمالية، في كل المحافظات الجنوبية التي انتشر فيها اليمنيون من مختلف المحافظات تلبية للدعوة الموجهة لرأس المال المحلي للاستثمار وإعمار المحافظات الجنوبية والشرقية التي تأخرت عن مواكبة البناء والتطوير جراء الحكم الشمولي الذي صادر المال والأرض والعمران.
فإذا كانت هذه بعضًا من مقومات الوحدة اليمنية والتي يجب على كل من تحدثه نفسه وتمنيه بأنه يمكن أن يصل إلى مآربه بتمزيق اليمن أن يعود إليها ويراجعها جيداً قبل أن يخسر رهانه وقبل أن يدخل في نفق مظلم لا يعلم نهايته إلا الله وحده.
* وزير الدولة- الأمين العام للحزب القومي الاجتماعي
|