د. شادي صالح باصرة - تاريخياً، صراعات اليمن شمالاً وجنوباً وشرقاً وغربا أزلية ولم تبدأ في 1994م ولن تنتهي في 2015م.. وحلم الوحدة اليمنية الذي تحقق في 22مايو1990م لم يكن وليداً لتلك اللحظة، ولم تبدأ كما يعتقد البعض بالتدخل الجنوبي العسكري لفك حصار صنعاء في 1968م. فحلم الوحدة والتوسع كان جلياً في صراعات الممالك اليمنية القديمة منها سبأ وقتبان و ذوريدان وحمير، وبأنماط سياسية، وايديولوجيات مختلفة في تداخلاتها ومصالحها بالمقارنة بمصالح 1990م، لكن المشترك بين كل تلك الأزمنة والأنظمة والاطماع والصراعات هو الجغرافيا التي لن تتغير وستظل إلى الأبد. شئنا أم ابينا نحن سجناء الجغرافيا. فإما ان نخلق صيغة مستديمة للتعايش المشترك تتوافق مع مصالح الشمال والجنوب معا او ان نستمر في الحروب التي ستضعفنا وتهدر ثرواتنا ومقدرات ابنائنا، وتجعلنا نستمر في حفر القبور لنعيش خارج إطار الزمن الذي يفتقد المواطن فيه (شمالاً وجنوباً) أبسط مقومات الحياة في القرن الـ21 .
شخصياً اخشى ان يتحول الجنوب إلى كردستان جديدة في المنطقة. دولة جنوبية بمساحات وحدود جغرافية كبيرة وثروات لا بأس بها، وبكثافة سكانية صغيرة، هويتها وأهدافها تتبلور حول حماية نفسها بشكل دائم من "الخطر" الشمالي ذات الكثافة السكانية الأكبر و بموارده المحدودة بالتناسب. و بالتالي، وفي حالة استعادة الدولة الجنوبية، سيُفرض على الجنوب عسكرة الدولة كما عاشها في سبعينيات القرن الماضي - لنستثمر كل مانملك في السلاح، وعلاقاتنا الدولية والإقليمية ستظل رهينة التعاون العسكري، بل وأخشى العودة للتجنيد الإلزامي حتى للنساء!
بالعودة للتاريخ، فإن الوحدة اليمنية ستظل حلماً يراود الكثير في الشمال والجنوب، حتى لو فرضنا جدلاً ان النظام الحالي في الشمال سمح بانفصال الجنوب، او استغل الجنوبيون ضعف وتشتت القوى في صنعاء في الوقت الحالي لاستعادة دولتهم، طال الزمن او قصر لا بد وأن يحدث استقرار في صنعاء. ولا ابالغ إن قلت أن "الخطر على الوحدة" هو الذي سيُعجل بهذا الاستقرار وسيعود ملف الوحدة مرة أخرى إلى الواجهة.
ولماذا نذهب بعيداً، فكردستان العراق لها تجربة مشابهة. فعلى الرغم من اختلاف ثقافتها، وقوميتها، ولغتها عن العراق، والحقيقة ان العراق لن يجوع بفعل مشروع انفصال كردستان، يُصر العراق على مدى الأزمنة أن كردستان جزء منه. فقد خاض الرئيس الأسبق صدام حسين حرباً ضروس ضد كردستان في 1974م راح ضحيتها اكثر من 9 آلاف من الطرفين كمحاولة لإخضاع كردستان للدولة المركزية في العراق.. قاد صدام المعركة تحت راية بعثية قومية عربية. لكن بعد الغزو الأمريكي للعراق تم الاعتراف بالحكومة الكردية في 2005م من قبل النظام الشيعي الموالي لأمريكا حينها. فلم تمض 10 سنوات من ذلك التاريخ حتى يقود رئيس الوزراء الأسبق العبادي (الشيعي) عملية عسكرية كبرى للسيطرة على مناطق الاكراد ومنها السليمانية ويتعهد بإخضاع كردستان إلى العراق مثلما كانت في عهد الرئيس صدام حسين.
مما سبق يجب ان نستوعب جيداً أن تغيير الأنظمة وأيديولوجياتها، بعثية، قومية، مذهبية، ومصالحها الإقليمية والدولية، كل هذا لا يغير من اقدار الشعوب ومصالحها التي فرضتها الجغرافيا والتاريخ. وبالتالي إذا لم نستطع نحن اليمنيين ايجاد صيغة توافقية لقالب جديد لدولة قادرة على استيعاب مصالح واقدار الشعب في شمال وجنوب اليمن، فستتكرر الحروب، تحت مبررات وايديولوجيات وأنظمة مختلفة حتى لو نعمنا باستقرار مؤقت يسوده الترقب والاستعداد للمواجهة المحتومة مستقبلاً.
|