عبدالكريم الوشلي - يرى سياسيون ومحللون كبار وناشطون مرموقون في مراكز الأبحاث السياسية الأمريكية، وهذا حال نظرائهم في ميدان التحليل السياسي الغربي.. فضلاً عن الشأن ذاته بالنسبة إلى المراقبين والمهتمين بالسياسة والإستراتيجيا العالمية على مستوى بلدان العالم الأخرى.. كل هؤلاء يرون أن صوت الولايات المتحدة الأمريكية اليوم هو أكبر من حجمها الفعلي ،الذي يشهد تآكلاً واضحاً تنحدر معه هيمنةُ أمريكا وهيبتها ونفوذها وقدرتها على التأثير في الأحداث ومساراتها في الإطار الدولي برمته..
وهذا واقع ملموس وحقيقة منطوقة بملء فم الحراك المتسارع للمشهد السياسي الدولي، بمختلف مصاديقه وشواهده الساخنة، في أوكرانيا وجنوب غرب آسيا وجنوب شرقها وشرقها الأقصى، ومناطق عدة أخرى في عالمنا الذي تختلج به المخاضات متفاوتة الأحجام، والتي تشير في خلاصتها إلى أننا بصدد عالم جديد قيد التشكل ،سِمتُه الأساس تعدُّدُ الأقطاب وأفولُ طور القطب الواحد المهيمن، وهو أمريكا وتوابعُها في الغرب الأوروبي وبقيةُ المنظومة الهيمنية الإستئثارية ،التي ظَلَّ الأمريكيُّ كبيرَ كهنة معبدها !طيلة الفترات الماضية، التي تلت الحرب العالمية الثانية، وخصوصا العقود التي أعقبت انهيار الإتحاد السوفييتي ومنظومته الشيوعية بداية تسعينيات القرن الفائت..
اليوم، في خضم المشهدية العالمية المتحركة المثيرة للعقل المهتم المراقب والقارئ-بحصافة-لما يحدث..أن يلتقط العنوان العريض للمسار الذي تشير إليه بوصلة الأحداث.. وفي بعض تفاصيله غولٌ أمريكي هو الأكبر في المعترك الدولي أو حلبة الصراع الكبرى على الثروات والمصالح ومصادر الطاقة.. يترنح تحت وطأة شيخوخته المتفاقمة، ويفقد عنفوانه شيئاً فشيئاً، ومعه أذرعٌ ومخالبُ آخذةٌ،بدورها، في الضمور والإهتراء والتكسر.. والمثلُ الواضح هنا هو كيان الغدة الإحتلالية الخبيثة في فلسطين ؛وقريبا (قد لايتعدى الأمر عقدا أو عقدين) سيشهد العالم حقيقة (الموت لأمريكا والموت لإسرائيل) .. وماعدا هذه الحقيقة سيكون من مسطورات كتب التاريخ، التي ستطالع فيها الاجيال ،باندهاش، عن ماكانت (الإمبراطوريةَ الأكبرَ في التاريخ) ! ومن بين المقروء حينها أن أمريكا تعودت الاختباء وراء جدران سميكة من الخداع والمناورة والشعارات والعناوين الكاذبة المضللة، التي تبرر بها تدخلاتِها العدوانية الكارثية وجرائمَها في حق الشعوب المستضعفة والمستهدَفة بسياساتها الاستكبارية التي جلبت الموت والدمار والجوع والمآسي الشتى للعشرات من تلك الشعوب على مستوى المعمورة.. لعل أبرز اليافطات أو العناوين الذرائعية التي تحضر في السياق : حقوق الإنسان..الديمقراطية..الحرب على الإرهاب..مكافحة المخدرات..وغيرها؛ وجميعها تعبر عن ازدراء أمريكي متماد واستخفاف بالمعقول من الواقع العالمي بالضرورة ! فأمريكا ليست ،فحسب، المتهمَ الأول في كل مقترَفٍ ضمن تلك العناوين، بل هي المُدان الأول، وبامتياز ! ومن المضحك أن تقف أمريكا في منصة الإدعاء في قضايا كالإتجار بالمخدرات،بينما الواقع أن ال cia هي المتعهد العالمي الأول لحفلات توريده واستيراده وتوظيفه في أحط مستويات الإبتزاز السياسي، وهذا عين مافعلته أنظمة وظيفية تابعة كالنظام السعودي.. والواقع أن المرحوم جارودي لم يبالغ حين قال في أحد مؤلفاته المهمة(أمريكا طليعة الإنحطاط) :" إن المخدرات هي بخور المعبد الأمريكي! " . ويتقاطع مع المطروح في سياقنا أمرٌ وثيق الصلة الموضوعية به، وهو خطوط السياسة الأمريكية(والغربية عموما) المتعرجة والشديدة الإلتواء.. فشتان بين تصريحات ساستهم وما يعلنونه عبر وسائل الإعلام من مواقف ومحسنات لفظية ووعودٍ لايوفَى بها أبدا من جهة.. وحقائقِ سياساتهم الفعلية التي تحملها الوقائع والأحداث في شتى القضايا والمشاكل التي يكون لأياديهم دور فيها من الجهة الأخرى..! لكن الثابت ،على الدوام، في كل ذلك..أن بشاعة جرائمهم وارتكاباتهم تبقى أكبر بكثير من وسائل التجميل اللغوية والدعائية والإعلامية، رغم ضخامة إمكاناتها وتقنياتها وآلاتها الدائرة ليلا ونهارا في مهامها السحرية التضليلية السوداء، على مستوى الفضاء الإعلامي والسياسي والإستخباري الدولي، وهجماتِها المدمرة والخطيرة وذات الملمس الأفعواني الناعم على العقل البشري، لمسخ الحقائق والوقائع وتزوير المفاهيم والمعطيات التي يتعاطى معها إزاء كل القضايا الساخنة والجارحة للضمير الإنساني، المطروحة على أوسع مستويات النظر وأبعدها..
|