علي أحمد مثنى - الشجار الذي يحدث من حين لآخر في العلاقات الإنسانية وخاصة بين متقاربي التجاذب الروحي له دلالة صدق الحب والمودة .. وغالبا نتيجة حساسية الغيرة وسوء الفهم وانفعال غير متأنًّ تجاه موقف او تصرف ما ، يعتبر متجاوزاً لثوابت ومساساً بوفاء علاقة الحب ومستفزاً مؤذياً لمشاعر الطرف الآخر ، فيؤدي تلقائيا للشجار الذي يعقبه حالة عتاب متبوع بحالة حنق وصمت ، ثم عتاب ينفرج باعتذار وهذا دليل على صدق علاقة المودة واستمرارها..
- ورد عن الرسول الكريم المرسل رحمة للعالمين عليه وعلى آله الصلاة والسلام، ما معناه الأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف..
- يقول ابن حزم : إن المحبة هي اتصال نفساني بين اجزاء النفوس المقسومة بين الخلق .. وان الحب من الأمور الفطرية الطبيعية التي لا اختيار للأنسان فيها ... والحب بدايته هزل وآخره جد..
ومن الشعر الذي قاله :
يلوم رجال ٌ فيك لم يعرفوا الهوى....
وسيان عندي فيك لاحٍ وساكت
- يقول ابن القيم : التناسب بين الأرواح من أقوى أسباب المحبة فكل امرئ يصبو إلى ما يناسبه ، فإذا اختلف زال التوافق
- والحب لا يقف على الحُسن والجمال والعمر والمعرفة وانما هو تشاكل النفوس وتمازجها في الطباع والثقافة يقول الشاعر العربي في هذا الخصوص:
- وما الحبُ من حسنٍ ولا من ملاحة ....
ولكنه شيء به الروح تكلف
- ويقول الزاهي البغدادي:
وكم أبصرت من حسن ولكن.....
عليك لشقوتي وقع اختياري
- تكرار الشجار: حدوث الشجار من فترة لأخرى يقول علماء علم النفس وبعض الفقهاء: انه من علامات الحب تقع بين المتحابين كثرة الشجار.. ويفرق بين شجار المحبين وشجار المتباغضين:
- شجار المحبين سرعان ما يزول والخلاف بينهما سرعان ما يتلاشى، ويرجعان الى اجمل الصحبة، وصفاء المودة ، وإلى المضاحكة وانتهاز او اصطناع فرص للقاء والتواصل او ينتهزون الاسباب التي تساعد على ذلك ، وهكذا يستمر الحال بينهما ، وإذا رأيت هذا من اثنين فلا يخالجك شك ولا ريبة بالتباعد او حدوث فجور الخصومة ، لأن الحب بينهما سراً من الحب الدفين..الخ ، والمحبة إذا تأكدت واشتدت بين المحبين انتجت التشاجر والتهاجر لبعض الوقت ، ولكن دون قطيعة..
- شجار المتباغضين ناتج عن شدة الخصام والكراهية الذي يؤدي للقطيعة التامة لأي علاقة خارج دائرة شجار المحبين..
- الحب من علامات الصفات السوية الانسانية الخالية من اي عيوب عقلية ونفسية، وفي هذا الجانب يذكر التراث كما روي عن يحيى بن معاذ الرازي انه قيل له : ابنك يحب فلانة، فقال: الحمدلله الذي رده الى طبعه الآدمي..
، وكقول الشاعر العربي:
إذا أنت لم تعشق ولم تدرِ ما الهوى....
فأنت وعيرٌ في الفلاة سواء
- وقيل أيضاً
تَولع بالعشق حتى عشق
فلما استقل به لم يطق
- رأى لجةً ظنها موجةً
فلما تمكن منها غرق
- تمنى الاقالة من ذنبه.....
فلم يستطعها ولم يستطق
- في عتاب عدم الوصل والتواصل يقول الوزير العاشق ابن زيدون وهو يعاتب حبيبته ولادة بنت المستكفي لجفاء عنادها وتذبذب علاقتها معه:
- أضحى التنائي بديلا عن تدانينا....
وناب عن طيب لقيانا تجافينا
الى قوله :
- اعتبُ من ظلمك لي جاهداً...
ويغلب الشٌوقُ فاستعتبُ
- الزمتَني الذَنب ألذي جئتَهُ ....
صَدَقتَ فاصفح أيها المُذنِب
- يقول الشاعر أبو دهبل في عتاب محبوبته:
فلا خيرَ في حبًٌ يُخافُ وَبالُهُ ....
ولا في حبيب لا يكونُ له وصل
- فواكبدي إني شُهرتُ بحبها ....
ولم يكُ فيما بيننا ساعةً بَذلُ
- ومن عتاب وتعب الاغتراب يقول الشاعر الغزلي العفيف الذي يقال عنه بالشاعر الذي لم يمدح ولم يهجهو ولم يتكسب .. ومما قاله في غربته وعتابه..
- أبكي الذين أذاقوني مودتهم.....
حتى إذا أيقظوني للهوى رقدوا
- وفي الأغتراب ومعاناته وأوجاعه قال الاحنف
- ياغريب الدار عن وطنه.....
مفردًا يبكي على شحنه....
- كلما جد البكاءُ به .....
دبت الأسقام في بدنه
- ولقد زاد الفؤاد شجا....
طائر يبكي على فننه
- شفه ماشفني فبكا....
كلنا يبكي على سكنه
والسلام محبة وعتاب واغتراب بعد شجار
|