الميثاق نت -

السبت, 19-أغسطس-2023
أ‮. ‬يحيى‮ ‬حسين‮ ‬العرشي‮*‬‬‬‬‬ -
كان‮ ‬لأبد‮ ‬من‮ ‬تجاوز‮ ‬الظروف‮ ‬التقليدية‮ ‬والممارسة‮ ‬السابقة‮ ‬ليكون‮ ‬للوطن‮ ‬تجربة‮ ‬ديمقراطية‮ ‬وحرية‮ ‬ممارسة‮ ‬العمل‮ ‬السياسي‮ ‬والاختيار‮ ‬بما‮ ‬لا‮ ‬يتعارض‮ ‬مع‮ ‬الدستور‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

اضطرت‮ ‬قيادتا‮ ‬صنعاء‮ ‬وعدن‮ ‬إلى‮ ‬الأخذ‮ ‬بخيار‮ ‬الحوار‮ ‬السلمي‮ ‬سعياً‮ ‬نحو‮ ‬إعادة‮ ‬الوحدة‮ ‬بقليل‮ ‬من‮ ‬الجدية‮ ‬وكثير‮ ‬من‮ ‬التكتيك‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

استطاع‮ ‬المؤتمر‮ ‬أن‮ ‬يكتب‮ ‬في‮ ‬سجل‮ ‬تاريخه‮ ‬ما‮ ‬يجعله‮ ‬تجربة‮ ‬فكرية‮ ‬وتنظيمية‮ ‬رائدة‮ ‬فافت‮ ‬التجارب‮ ‬العربية‮ ‬نجاحاً‮ ‬وتمُّيزاً‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬

حين اضطرت قيادة اليمن في صنعاء وعدن إلى الأخذ بخيار الحوار السلمي في قضية الشعب اليمني، سعياً نحو إعادة الوحدة، وإنهاء حالة التشطير عقب المواجهة المسلحة المؤسفة في عام 1972م وإبرام أول اتفاقية وحدوية في القاهرة في أكتوبر 1972م، وأن يتم ذلك من خلال حوار فيه‮ ‬من‮ ‬الجدية‮ ‬الأقل،‮ ‬ومن‮ ‬التكتيك‮ ‬الأكثر‮.‬‬‬‬‬‬‬‬
كان لابد من أن يستعد كل طرف للمواجهة من نوع (جديد) والانتقال من حالة حوار طلقات البندقية وقذائف المدافع التي أدمت جسم الوطن، إلى الحوار السياسي بما تبديه أو تخفيه من شائعات وأهداف وباستخدام كل الوسائل الممكنة لكل جانب والتي تتلخص في إقناع أبناء الوطن بأن المانع‮ ‬من‮ ‬إعادة‮ ‬الوحدة‮ ‬هو‮ ‬عدم‮ ‬الاتفاق‮ ‬على‮ ‬مستقبل‮ ‬نظام‮ ‬الحكم‮.. ‬وديمقراطية‮ ‬المستقبل‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وهو‮ ‬ما‮ ‬جعل‮ ‬من‮ ‬بيان‮ ‬طرابلس‮ - ‬ليبيا‮ ‬في‮ ‬نوفمبر‮ ‬عام‮ ‬1972م‮ ‬الذي‮ ‬أعقب‮ ‬اتفاقية‮ ‬القاهرة‮ ‬مباشرة‮ ‬أن‮ ‬يتطرق‮ ‬إلى‮ ‬هذا‮ ‬البعد‮ ‬بما‮ ‬نص‮ ‬عليه‮ ‬الأساس‮ ‬التاسع‮ ‬من‮ ‬هذا‮ ‬البيان‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
(ينشأ تنظيم سياسي موحد يضم جميع فئات الشعب المنتجة صاحبة المصلحة في الثورة للعمل ضد التخلف ومخلفات العهدين الإمامي والاستعماري, وضد الاستعمار القديم والجديد والصهيونية.. وتشكل لجنة مشتركة لوضع النظام الأساسي للتنظيم السياسي ولوائحه, مستهدية بالنظام الخاص بإقامة‮ ‬الاتحاد‮ ‬الاشتراكي‮ ‬العربي‮ ‬في‮ ‬الجمهورية‮ ‬العربية‮ ‬الليبية‮.. ‬وعلى‮ ‬ضوء‮ ‬مناقشته‮ ‬من‮ ‬قبل‮ ‬فئات‮ ‬الشعب‮).‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
رغم‮ ‬أن‮ ‬النص‮ ‬في‮ ‬المادة‮ ‬الثالثة‮ ‬من‮ ‬اتفاقية‮ ‬القاهرة‮ ‬كان‮ ‬قد‮ ‬أوضح‮ ‬في‮ ‬فقراته‮ ‬الثلاث‮ ‬مستقبل‮ ‬نظام‮ ‬الحكم‮:‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮ ‬أ‮. (‬نظام‮ ‬الحكم‮ ‬في‮ ‬الدولة‮ ‬الجديدة‮ ‬نظام‮ ‬جمهوري‮ ‬وطني‮ ‬ديمقراطي‮).‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮ ‬ب‮. (‬يضمن‮ ‬دستور‮ ‬الوحدة‮ ‬جميع‮ ‬الحريات‮ ‬الشخصية‮ ‬والسياسية‮ ‬والعامة‮ ‬للجماهير‮ ‬كافة‮ ‬ولمختلف‮ ‬مؤسساتها‮ ‬ومنظماتها‮ ‬الوطنية‮ ‬والمهنية‮ ‬والنقابية‭,‬‮ ‬وتتخذ‮ ‬جميع‮ ‬الوسائل‮ ‬الضرورية‮ ‬لكفالة‮ ‬ممارسة‮ ‬الحريات‮).‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮ ‬ج‮. (‬تضمن‮ ‬دولة‮ ‬الوحدة‮ ‬جميع‮ ‬المكاسب‮ ‬التي‮ ‬حققتها‮ ‬ثورتا‮ ‬سبتمبر‮ ‬وأكتوبر‮).‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وبما‮ ‬أن‮ ‬النظام‮ ‬في‮ ‬عدن‮ ‬هو‮ ‬نظام‮ ‬الحزب‮ ‬الواحد‮ ‬بينما‮ ‬النظام‮ ‬في‮ ‬صنعاء‮ ‬يختلف‮ ‬عنه‮ ‬تماماً‮ ‬إذ‮ ‬أن‮ ‬الحزبية‮ ‬وفقاً‮ ‬لدستوره‮ ‬غير‮ ‬مسموح‮ ‬بها‭,‬‮ ‬وفي‮ ‬مفهوم‮ ‬النظام‮ ‬أن‮ ‬الحزبية‮ ‬تبدأ‮ ‬بالتأثر‮ ‬وتنتهي‮ ‬بالعمالة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
لذلك فقد احتدم الحوار حول هذا الموضوع أكثر من أي موضع آخر، إذ أن اللجنة الدستورية لم تجد صعوبة في تشكيلها واجتماعاتها والخروج بمشروعها على الرغم من السنوات التسع التي أمضتها بين صنعاء وعدن وبعض عواصم المحافظات، وهي تقضي لياليها لتتمكن من الاتفاق حول (أين يكون الألف وأين يكون الميم)، وبما يكفل ويستوعب وجهتي النظر.. ومستقبل الحكم، بينما صعب الاتفاق على موعد ومكان الاجتماع (للجنة التنظيم السياسي الموحدة) على الرغم من الجهد الذي كانت تبذله القيادات المتتابعة التي تعاقبت في صنعاء وفي عدن لحسن اختيار أعضاء اللجنة من الجانبين ليتوافر في أعضائها القدرة على التمسك بالموقف، والقدرة على الإقناع، والأمانة في عدم التفريط، وعلى الرغم من كل ذلك لم تجتمع هذه اللجنة، ولم يضف إلى ملفها أكثر من نص بيان طرابلس وقوائم بعد كل التطورات والأحداث التي شهدتها التشكيل المتكرر عقب كل لقاء‮ ‬قمة‮ ‬وبعد‮ ‬كل‮ ‬حدث‮.‬‬‬‬‬‬
وجاء عهد الأخ الرئيس علي عبدالله صالح: بعد كل التطورات والأحداث التي شهدتها صنعاء وعدن وجميعها لاشك كان لها تأثيرها على قضية الوحدة والتطورات إزاءها خاصة وأن الوحدة جوهر الأحداث.. وشعار كل جديد.. ولا مناص من ذلك, فأدرك أهمية الاتجاه نحو الوحدة، وأهمية خيار الحوار، خاصة وقد كان للمواجهة المسلحة الثانية المؤسفة بين الشطرين في عام 1979م، وكان لها تأثيرها في التفكير الوطني, وفي القرار السياسي تجاه الوحدة ووسائل إنهاء حالة التشطير، وإلى أهمية النظر بوعي إلى أبرز معوقات الحوار، وجاء لقاء القمة اليمني في الكويت في مارس 1979م التي انعقدت في أجواء المواجهة المسلحة وانعكاساتها على الواقع الوطني على الرغم من كل المحاولات الوحدوية منذ اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس ولقاءات القمة في خارج الوطن وداخله، ولجان الوحدة واللقاءات اليمنية على كافة المستويات على الرغم من كل ذلك، فقد حدثت المواجهة المسلحة الثانية وتحمل الوطن طعنة جديدة - في أحلامه وفي تفاؤله وفي تطلعاته - ووجد الجميع أنفسهم أمام خيار الحوار السلمي وجهاً لوجه وللجميع وعلى الجميع ديمقراطية الحوار، ونقل الرأي والرأي الآخر.
لذلك حدث التطور في النهج السياسي في صنعاء، وكان لا بد من تجاوز الظروف التقليدية المعتادة والممارسة السابقة، والدخول في تجربة سياسية تتعلق بالتعددية السياسية والتنظيمية, وكيف يمكن الأخذ بتجربة تنسجم مع الواقع اليمني وخصوصيته, وواقع الوجود (الخفي) للتعددية الحزبية‮ ‬والتنظيمية‮ ‬والضرورة‮ ‬الملحة‮ ‬التي‮ ‬تتطلب‮ ‬أن‮ ‬يكون‮ ‬للوطن‮ ‬تجربة‮ ‬ديمقراطية‮ ‬وحرية‮ ‬ممارسة‮ ‬العمل‮ ‬السياسي‮ ‬وحرية‮ ‬الاختيار،‮ ‬وأن‮ ‬يتم‮ ‬ذلك‮ ‬بما‮ ‬لا‮ ‬يتعارض‮ ‬مع‮ ‬الدستور‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وحقيقة كانت الصعوبة بارزة في التعامل مع هذا التوجه دون تعديل الدستور، وأتذكر في هذا حين شكلت أول لجنة لهذا الغرض عام 1979م ولإعداد مشروع الميثاق الوطني وكنت عضواً فيها من خارج مجلس الشعب التأسيسي حينذاك، والتي سبقت لجنة الحوار التي اضطلعت بالصياغة النهائية للميثاق الوطني والإعداد للحوار الوطني والاستفتاء عليه عام 1982م, كنا نتساءل عن المخرج من القيد الدستوري دون تعديله ومع مراجعة تجربة سابقة مر بها الوطن بإنشاء الاتحاد اليمني في النصف الأول من عام 1974م لم يقدر لها النجاح ووجدنا أنفسنا نكتب الاستقالة قبل أن نقبل بمسئولية المشاركة في قيادته.. لأنه نشأ في تلك الظروف، ولأهداف لا مجال لذكرها هنا.. حقيقة لقد نجح الحوار الوطني منذ عام 1979م.. وحتى عام 1982م لإنجاز مشروع الميثاق الوطني، ومن ثم انعقاد المؤتمر الأول للمؤتمر الشعبي العام عام 1982م واستطاعت هذه التجربة‮ ‬أن‮ ‬تعطي‮ ‬ثمارها‮ ‬بصورة‮ ‬ربما‮ ‬لا‮ ‬مثيل‮ ‬لها‮ ‬على‮ ‬الأقل‮ ‬في‮ ‬الواقع‮ ‬العربي‭,‬‮ ‬إذ‮ ‬استطاعت‮ ‬أن‮ ‬تكفل‮ ‬الحرية‮ ‬السياسية‮ ‬في‮ ‬إطار‮ ‬تنظيمي‮ ‬واحد‮.. ‬وهنا‮ ‬تكمن‮ ‬الصعوبة‮.. ‬ويكمن‮ ‬النجاح‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ويكفي من هذه التجربة أنها استطاعت أن تضطلع بمسئولية الحوار التنظيمي تجاه إعادة وحدة الوطن، وأن تنهي الصعوبة التي كانت تقف أمام النظام في صنعاء والنظام في عدن على السواء. صنعاء لأنها لا تمتلك التجربة التنظيمية في عملها السياسي الرسمي, ولذلك فإنها غير مؤهلة للقيام بهذا الدور، وعدن لأنها تمتلك التجربة، وتريد أن تفرضها على صنعاء فصعب اجتماع لجنة التنظيم السياسي الموحد طوال مراحل الحوار السابق، وصعب التوصل إلى قاسم مشترك في مستقبل العمل السياسي ومفهوم الديمقراطية ووسائلها, وتأخرت خطوات الوحدة.
وبعد أن مر المؤتمر الشعبي العام بتجربة عملية في العمل السياسي من خلال تكويناته، ومن خلال مؤتمره الأول, والثاني, والثالث وجاء المؤتمر الرابع عام 1988م, ليقف بمسئولية تجاه الحوار الوحدوي وأن يأخذ على عاتقه من خلال لجنة التنظيم السياسي الموحد الحوار المباشر مع الحزب الاشتراكي في عدن, فقد تحقق من خلال المؤتمر الشعبي العام التكافؤ الذي كانت تفتقده صنعاء ما قبل عام 1982م، وانعقدت لجنة التنظيم السياسي الموحد في أول اجتماع لها لدورتها الأولى في أكتوبر - نوفمبر 1989م، في تعز لتنعقد دورتها الثانية في مدينة عدن في يناير 1990م، ودورتها الثالثة والأخيرة في مدينة تعز في مايو 1990م إذ اتفقنا من خلالها بعد حوار جاد على مستقبل العمل السياسي في الوطن اليمني وكان البديل الثاني من البدائل الأربعة التي بحثناها في اللجنة هو المتفق عليه وهو: (احتفاظ الحزب الاشتراكي اليمني والمؤتمر الشعبي العام باستقلاليتهما, وحق القوى الوطنية والشخصيات الاجتماعية الوطنية في ممارسة نشاطهم السياسي هو حق يكفله دستور دولة الوحدة لجميع التنظيمات السياسية في ظل دولة الوحدة), وشعرنا بهذا الاتفاق أننا تجاوزنا عقبة كبيرة لم يكن في إمكان الظروف السابقة - ربما‮ - ‬بدون‮ ‬تجربة‮ ‬المؤتمر‮ ‬الشعبي‮ ‬العام‮ ‬أن‮ ‬تتجاوزها‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وبهذا أسدل الستار على حوار - لم يتم - دام منذ أكتوبر عام 1972م وحتى أكتوبر عام 1989م, وحوار - تم - منذ نوفمبر 1989م حتى مايو 1990م حين استعاد الوطن وحدته وعافيته وحقق بإرادته ما ناضل من أجله طويلاً، ودفع الثمن غالياً.
ولنا من خلال هذا أن نتبين دور المؤتمر الشعبي العام في تحقيق هذا الإنجاز العظيم, وللمؤتمر في مؤتمره الخامس أن يكتب في سجل تاريخه ما يجعله تجربة فكرية وتنظيمية رائدة فاقت - بتواضعها - وبما استطاعت أن تحققه في العمل السياسي، وفي ظروف صعبة وتطورات متلاحقة - وطنياً وقومياً ودولياً - وأن تلعب دورها الإيجابي في التعددية الحزبية والتنظيمية ما يجعلها أكثر التجارب العربية نجاحاً وتميزاً تستحق البحث, وتستحق الدراسة وتستحق التأمل, وتستحق التقدير.. (إنها الحكمة اليمانية)..
‮* ‬وزير‮ ‬الثقافة‮ ‬والسياحة‬‬‬

تمت طباعة الخبر في: السبت, 23-نوفمبر-2024 الساعة: 04:01 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-64645.htm