إبراهيم ناصر الجرفي - هناك العديد من التحديات والمعوقات التي تفرض نفسها ضد كل ثورة تحررية في كل زمان ومكان ، لأنها وبدون شك قد قامت ضد قوى لها نفوذها وحضورها على الساحة السياسية ولها مصالحها وارتباطها بالنظام السابق ، وهو ما يجعلها في حالة عداء مستمر ضد الثورة التحررية وقادتها ورجالها ، ويجعلها تعمل بكل الطرق على عرقلة مسارها الثوري وإفشال خططها النهضوية ومشاريعها التنموية ، عبر لوبيات سياسية وإدارية ووظيفية تزرعها داخل أجهزة الدولة والمؤسسات الحكومية التي يقودها قادة ورجال الثورة التحررية ، والتي تعمل على رسم صورة سلبية عنهم عند الجماهير ، وصناعة الخلافات فيما بينهم ، وصولاً إلى إسقاطهم واسقاط ثورتهم عندما تحين الفرصة لذلك ، ويسمى هذا النوع من الحراك السياسي بالثورة المضادة ، لذلك يظل أبرز خطر يهدد الثورات التحررية حول العالم ، هو قوى السلطة والنفوذ والمصالح المرتبطة بالأنظمة السابقة (الثورة المضادة).
ومن أبرز التحديات التي تواجهها الثورات التحررية أيضاً التدخلات الخارجية الداعمة للقوى المناهضة لها ، خصوصاً من الدول ذات الايديولوجيات المتعارضة مع ايديولوجيا وأفكار الثورة التحررية ، والمتطابقة مع ايديولوجيات وأفكار القوى المعارضة لها ، والتي تعمل على صناعة القلاقل والاضطرابات الداخلية عن طريق الدعم المالي والعسكري لقوى النظام السابق ، وفتح بلادها وحدودها لاستقبال العناصر الموالية للنظام السابق وصولا إلى تشكيل جبهات عسكرية تخوض المعارك ضد قادة ورجال الثورة ، ويظل الدعم الخارجي لقوى السلطة والنفوذ والمصالح الموالية للنظام السابق هو الأخطر على حاضر ومستقبل كل الثورات التحررية حول العالم ، وعادةً ما تستخدم الدول الخارجية قوى النظام السابق كورقة ضغط ضد قادة الثورة ورجالها لابتزازهم سياسياً واقتصادياً..
وحيث إن ثورة 26 سبتمبر 1962م الخالدة ثورة تحررية ضد نظام رجعي واستبدادي وعنصري ، فإن ذلك قد وضع أمامها العديد من التحديات والمعوقات التي عملت على عرقلة مسارها الثوري والتحرري بكل الطرق ، وما ينطبق على الثورات التحررية حول العالم ينطبق على ثورة 26 سبتمبر ، فيما يتعلق بالتحديات والمعوقات التي تعمل على إفشالها وعرقلة جهودها النهضوية والتنموية ، فمنذ أول يوم قامت فيه ، لم تتوقف القوى الموالية للنظام الإمامي السابق عن العمل على وضع الخطط والمؤامرات الهادفة إلى عرقلة جهودها وتشويه صورة قادتها ورجالها ، ولم تتوقف الدول الخارجية الداعمة لها عن تقديم كل صور الدعم لها ، ورغم ذلك فقد تمكن قادة ثورة 26 سبتمبر من تجاوز العديد من تلك التحديات والمعوقات ، وتمكنت من إحداث نهضة تنموية مقبولة رغم الصعوبات المالية والاقتصادية ، وتمكنت من تحقيق انجازات كبيرة خصوصاً في الجانب السياسي ، حيث تمكن قادة ثورة 26 سبتمبر ورجالها المخلصون من إعادة تحقيق الوحدة اليمنية بين شمال الوطن وجنوبه في 22 مايو 1990م ، وتمكنوا من تطبيق النظام الشوروي الديمقراطي وصولاً إلى قيام الشعب اليمني بحكم نفسه بنفسه من خلال تجربة ديمقراطية رائدة ، رغم الممانعة المستمرة التي كانت تقوم بها قوى النفوذ والمصالح الموالية للنظام الإمامي السابق..
ورغم كل ذلك إلا أن التحديات والمعوقات التي تعترض مسار ثورة 26 سبتمبر لا تزال قائمة ومحدقة وتمثل خطراً حقيقياً عليها ، ويظل الاصطفاف الجماهيري حولها وحول أهدافها الجماهيرية العظيمة هو السلاح القوي والقادر على حمايتها والذود عنها ، وإفشال كل المخططات التآمرية التي تستهدفها وتعمل على إسقاطها والانقضاض عليها ، ولن أبالغ إذا قلت بأن الاصطفاف الجماهيري الكبير حول ثورة 26 سبتمبر والتمسك القوي بأهدافها وأفكارها التحررية والجماهيرية هو خط الدفاع الأخير ، الذي يمنحها القدرة على الصمود والاستمرارية ومواجهة الأخطار الكبيرة والجدية التي باتت تحيط بها ، وهو العائق الكبير الذي يجعل قوى النفوذ والمصالح الموالية للنظام الإمامي السابق ومن يدور في فلكهم يراجعون أنفسهم ألف مرة قبل التفكير في أي مغامرة انقلابية صريحة ضد ثورة 26 سبتمبر..
ولن أبالغ إذا قلت بأن الخلاف السياسي بين القوى والأحزاب السياسية الجمهورية ، هو التحدي الأكبر اليوم الذي يعترض مسار ثورة 26 سبتمبر ، والذي يشكل تهديداً مباشراً لها ، والذي يمنح الفرصة المواتية للقوى الموالية للنظام الإمامي السابق لتشكيل تهديد مباشر لثورة 26 سبتمبر ، لأن أي انقسام في الصف الجمهوري هو بدون شك لمصلحة القوى الإمامية المتربصة بالثورة السبتمبرية التي أطاحت بها ، وأعلنت قيام النظام الجمهوري ، ومن يتحمل مسئولية ذلك هم قادة القوى والأحزاب الجمهورية ، الذين سمحوا لخلافاتهم واطماعهم ومصالحهم الشخصية والحزبية بأن تشق الصف الجمهوري وتضعف موقفه وتشتت قوته ، فثورة 26 سبتمبر قوية بقوة الصف الجمهوري وتوحده ، وضعيفة بضعف الصف الجمهوري وتمزقه ، وكل من يعمل على تمزيق الصف الجمهوري وصناعة الخلافات بين قياداته هو حتماً لا يخدم ثورة 26 سبتمبر بل يعمل ضدها ، ويخدم القوى الموالية للنظام الإمامي السابق سواء بقصد أو بدون قصد.
وبذلك فإن أهم التحديات الماثلة حاضراً ومستقبلاً أمام ثورة 26 سبتمبر المجيدة ، يتمثل في استمرار قوى النفوذ والمصالح الموالية للنظام الإمامي السابق في العمل التآمري المتواصل والمستمر ضد ثورة 26 سبتمبر المجيدة وأهدافها الثورية التحررية الجماهيرية العظيمة ، وكذلك التدخلات الخارجية السلبية والعدائية الداعمة بشكل سافر للقوى المناوئة للنظام الجمهوري الديمقراطي السبتمبري ، بالإضافة للخلافات السياسية داخل الصف الجمهوري والتي أدت إلى انقسامه وإضعافه وتشتيت قوته ، بسبب الأطماع السلطوية والمصالح الشخصية والحزبية عند بعض قادته ، والتي دفعتهم للتمرد على النظام الجمهوري الديمقراطي التعددي والخروج إلى الشوارع للمطالبة بإسقاطه ، بدلاً من المطالبة بإصلاح بعض السلبيات التي كان يعاني منها ، والتي كانت كفيلة بتصحيح مساره بأقل تكلفة ممكنة دون الحاجة لذلك الخطاب العدائي والاستفزازي الموجه ضد بقية القوى الجمهورية ، ولن يعود لثورة 26 سبتمبر ألقها ووهجها وحضورها ِإلا بعودة التلاحم والاصطفاف المسئول والصادق والجاد داخل الصف الجمهوري على كل المستويات ، وبعودة التلاحم داخل الصف الجمهوري سوف تكون ثورة 26 سبتمبر في وضع أفضل وأقوى لمواجهة التحديات والمعوقات التي تعترض مسارها حاضراً ومستقبلاً..
|