د. عبدالوهاب الروحاني - يعود تأسيس الاحزاب التاريخية في اليمن الى مطلع اربعينيات القرن الماضي، فبعضها يحتفل اليوم بدخول العقد الثامن على تأسيسه؛ بالامس احتفل المؤتمر بالذكرى الـ41 لتأسيسه، واليوم وعلى خلفية إرث الفضيل الورتلاني في الاربعينيات، ثم عبده محمد المخلافي وعبدالمجيد الزنداني في الستينيات يحتفل الاصلاح بالذكرى الـ٣٣ على تأسيسه، والاشتراكي بالذكرى الـ45، والناصري بدخول العقد السادس، وقبلهم جميعاً حزب البعث العربي الاشتراكي الذي احتفل في ابريل بذكرى 75 عاماً على تأسيسه.
هذه الأحزاب التاريخية العريقة، وغيرها الكبيرة منها والصغيرة.. المتماسكة او الممزقة "المفرخة".. كلها وعلى حد سواء تأسست على فكر ومنهج وطني وقومي وانساني ايضا.. وناضلت خلال عقود مضت حتى مطلع تسعينيات القرن الماضي من اجل قضية الدولة والمجتمع والوحدة، ولكن كل على طريقته ومنهجه، وكما افلحت في كثير من اهدافها اخفقت ايضا في أخرى.
وبرأيي، يُحسب لهذه الاحزاب انها اسهمت جميعها في تنمية الوعي السياسي والثقافي في المجتمع، وقاد كل من موقعه (سلطة ومعارضة) حركة تنويرية رائدة نهضت بالوعي المجتمعي، ووعت بواجبات الدولة تجاه الفرد والمجتمع، كما وعَتْ بحقوق وواجبات الافراد تجاه الدولة والمجتمع ايضا.
ولعل اهم ما اسهمت به هذه الاحزاب مع الحكومات الجمهورية المتعاقبة هو الدفع بالمرأة لان تتعلم وتشارك في صنع الحياة؛ وهنا لعب الحزب الاشتراكي اليمني في ظل الدولة الشطرية في الجنوب دوراً محورياً كماً لعب "الاخوان" في جمهوريات الشمال دوراً مهماً في كسر التابوهات الدينية التي رسخت في الذهنية اليمنية مفاهيم مغلوطة عن تحريم تعليم المرأة ومشاركتها..
بين اليوم والأمس:
وشتان بين اليوم والامس؛ ولعلي هنا لا أجانب الصواب، لو قلت بأن دور الاحزاب اليوم لم يخفت ويتراجع فقط بل تلاشى، وتحول من نضال من اجل تصحيح مسار بناء الدولة الوطنية الى نضال من اجل البحث عن مسار بناء الذات والاولاد، و"الفلة" و"المزرعة" و"الرصيد".. واقرأوا -ان شئتم- خارطة مافيا وعصابات الفساد التي تحكمكم اليوم..
ذلك، لان النخبة الوطنية التي كانت.. ماتت، وما تبقى منها شاخ، ولكن لا يزال ممسكا بقرون حزبه ولا يريد ان يسلم الراية للجيل الذي يليه؛ فنحن اليوم لم نعد نسمع او نقرأ من هذه الاحزاب حتى بيانات تستنكر انتهاك السيادة الوطنية هنا او هناك.. فضلاً عن شعور أو احساس بمسئولية تجاه هذا التجريف المخيف لأخلاق وقيم الدولة والمجتمع .
الفشل الكبير:
الآن وقد فلت الزمام ووصلت النخبة بالبلاد الى هذا الفشل الكبير، واصبح قرار ومصير الوطن بيد المتعهد الاقليمي والدولي، وضاعت المواطنة المتساوية، وسلبت عن المواطن حقوقه وحريته لم يبق امام هذه القوى السياسية والحزبية الا ان تنقذ ما تبقى لها من تاريخ وسمعة ومصير ..
كيف؟! هي برأيي ثلاث خطوات.. صعبة وجريئة لكنها مهمة:
1) ان تتوقف عن المشاركة في السلطة وممارسة الفساد وتنتقل إلى المعارضة.
2) ان تقف أمام نفسها واعضائها موقف المراجعة والمحاسبة، وتعتذر للشعب عن اخطائها.
3) تسلم القيادات التاريخية، التي شبعت وترهلت، زمام قيادة احزابها بالصندوق وبنزاهة للجيل الجديد بعيداً عن الاملاء والتوريث.
نحن اليوم لم نعد بحاجة لسلطات ومسئولين يثرون من قوت وعرق الفقراء ويمنعون عن الموظف مرتبه، والمواطن البسيط حقه في العيش والامن والحياة، بقدر حاجتنا لأحزاب وطنية تعارض برؤى وبرامج وتقدم حلولاً ومعالجات.
نقول ذلك، لاننا نرى في الاحزاب كقوى وطنية معارضة ومنافسة "نزيهة" افضل السبل ليس فقط لتلمس هموم الناس، وتحسس أوجاعهم، وانما لاستعادة دورها في تصحيح المسار الوطني، والمساهمة في انقاذ ما يمكن انقاذه، وكبح جماح تغول الظلم والفساد في مرحلة خطرة كالمرحلة الراهنة.
نعرف ان مراجعة من هذا النوع صعبة لكنها ضرورية ان ارادت هذه الاحزاب ان تستعيد عافيتها وثقة أعضائها بها؛ اتذكر انتي في الذكرى الـ39 لتأسيس المؤتمر نصحت قادته الذين مايزالون ممسكين بأهداب السلطة ان يجربوا الإبحار خارج السلطة.. ويحاولوا ان يتنفسوا ما يتنفسه العامة، ويشربوا ما يشربونه ويأكلوا ما يأكلونه حتى يستعيدوا العافية.. وهي نفس النصيحة التي اوجهها اليوم للإصلاح والاشتراكي والمؤتمر ومن تبقى من الاحزاب القومية والوطنية.
نصيحة خالصة لله وفي الله ولمصلحتكم ايضا؛ فهل تجرأون وتفعلون؟!
|