حاوره/ توفيق عثمان الشرعبي - التنقيب عن المكنون في محاريب الذاكرة لتجربة إعلامية بحجم الصوت الأخباري الأول المذيع عبدالله محمد شمسان ونصف قرن من الأحداث والأخبار والتحليلات والنضال مغامرة تستحق العناء والجرأة..
فالمحطات التاريخية والإعلامية التي عاشها مواطناً ومذيعاً ومناضلاً زاخرة بما يستحق التنقيب كون عبدالله شمسان امتلك من الموهبة وأدواتها ماجعله في المقدمة صوتاً مسموعاً إذاعياً ووجها مألوفا تلفزيونياً..
ولأنه كذلك ففي مضامين حواره ما يغني القارئ عن التقديم له..
وبالتالي صحيفة »الميثاق« تضع بين يدي القارئ الكريم حواراً مائزاً ،ماتعاً مع عملاق الميكرفون والشاشة فإلي التفاصيل:
* بداية وقبل الإبحار في خضم تجرية إعلامية لنصف قرن من الأخبار والتحليلات والأحداث والنضال ،نتساءل من هو عبدالله محمد شمسان؟
- سعيد جداً بهذا اللقاء مع صحيفة »الميثاق« التي تعتبر من الصحف اليمنية المرموقة ولاتزال تحظى بقاعدة عريضة من المتابعين..
أما عن سؤالك، فأنا من مواليد منطقة المقاطرة بمحافظة تعز أواخر أربعينيات القرن الماضي .. والدي محمد شمسان كان يعمل في محافظة عدن (أسطى) أي بناء في المقاولات، وقد انتقل بعائلتنا إلى مدينة الشيخ عثمان بعد عامين من مولدي..
درست في مدرسة النهضة العربية وبعدها انتقلت للدراسة في المعهد التجاري العدني في منطقة كريتر وتعلمت اللغة الانجليزية وبعض مهارات المحاسبة والطباعة على أيدي مدرسين يمنيين وهنود وأجانب..
* أشرت إلى التحاقك بالمعهد التجاري.. لكننا عرفناك مذيعاً كيف صار هذا التحول نحو الإعلام..؟
- أنت تعلم أن سنوات الخمسينيات كانت المنطقة العربية تشهد أحداثاً وثورات وتحولات ..وفي تلك الفترة اشترى والدي راديو ليتسنى له متابعة الأخبار من إذاعة صوت العرب ومن إذاعة عدن.. وطبعاً وجود الراديو في بيتنا جعلني أستمع للمذيعين وأحاول تقليدهم وأشعر أن لدي صوتاً مميزاً .. حينها كان يبث من إذاعة عدن برنامج »المواهب« كان يقدمه الإعلامي الراحل علوي السقاف وقد أعجب بصوتي وشجعني من خلال تقديم بعض الفقرات القصيرة في البرنامج.. وهكذا كانت تعتريني رغبة عارمة أن أكون مذيعاً..
* أنت تتحدث الآن عن بدايتك الإعلامية في عدن ومن إذاعة عدن.. لكن جمهورك عرفك من خلال إذاعة صنعاء .. كيف ومتى انتقلت إلى صنعاء..؟
- التحقت بإذاعة صنعاء في وقت مبكر وكانت الخطوة الأولى لمسيرتي الإعلامية الطويلة هي من خلال سماعي إعلاناً بثته إذاعة صنعاء في شهر أغسطس 1964م تعلن فيه عن حاجتها لمذيعين وفي هذا الإعلان وجدت ضالتي والهدف الذي كنت أنشده وأسعى إليه وفي اليوم التالي استأذنت أسرتي للسفر من عدن إلى صنعاء التي وصلتها قبل قبول الطلبات للإذاعة بيومين ودخلت الاختبار ومعي ما يقارب من عشرين متقدماً أنا أصغرهم ..وكان رئيس اللجنة خبيراً مصرياً انتدب من إذاعة صوت العرب لتدريب وتأهيل كادر الإذاعة، وتركز الاختبار على جودة الصوت واللغة والثقافة العامة وبعض الجمل الانجليزية .. ولله الحمد نجحت وأيضاً الزميل الراحل اسماعيل الكبسي إلى جانب أربعة فنيين ، وشعرت بالفرح والسعادة لأن الأمل الذي كنت أحلم به قد تحقق..
* بعد أن تم قبولك هل بدأت العمل مباشرة في إذاعة صنعاء..؟
- بعد أسبوعين من قبولي ، أي في سبتمبر من العام نفسه تم اختياري من قبل لجنة تضم خبراء من المصريين واليمنيين للسفر إلى القاهرة لتلقي دورة إذاعية مكثفة لمدة ثلاثة أشهر في المعهد العالي للإذاعة المصرية..
* كيف وجدت العاصمة المصرية في ذلك الوقت وأنت القادم من بلد معزول لعقود كثيرة عن العالم..؟
- أدهشتني فعلاً وأنا القادم من مدينة مثل عدن، فما بالك بدهشة القادمين إليها من أرياف اليمن المعزولة..
فقد كانت القاهرة في تلك الفترة تعيش أفضل فتراتها السياسية والثقافية والإعلامية، حينما كانت المركز الحيوي لصوت العروبة الكبير، مدينة كبيرة ونظيفة وجاذبة..
* ثلاثة أشهر أعتقد أنها فترة طويلة في وقت كانت المخاطر تحيط بالثورة اليمنية 26 سبتمبر لوأدها وهي بحاجة للاعلاميين كحاجتها للمقاتلين ..فهل كانت الدورة ضرورية وماذا بعد أن استكملت الدورة التأهيلية في القاهرة..؟
- كانت الدورة مهمة جداً لنا وقد قدم لنا خبراء حقيقيون في الإعلام خلاصة تجاربهم الطويلة..
أما الشق الثاني من سؤالك ..ففور عودتي إلى صنعاء تم تكليفي أنا وزميلي المرحوم حسن العزي لافتتاح إذاعة تعز والتي كانت عبارة عن محطة إرسال في منطقة الحوبان فقد أنشئت لدعم ثورة 14 أكتوبر من أجل تحرير جنوب الوطن من الاستعمار البريطاني وقد تم تزويدنا بعدد من الشرائط »الريل« تضم مجموعة من الأناشيد والمواد الدينية وبعض الأغاني..
ولدى وصولنا دار الضيافة بتعز كانت المشكلة الصعبة أمامنا عدم وجود استديو خاص بالتسجيل ولم نجد من حل سوى أن نتخذ من إحدى غرف السكن مكانـًا للتسجيل، وبسبب الأصوات الخارجية التي كانت تخترق الغرفة عانينا الكثير والكثير من المصاعب عند تسجيل البرنامج مما يضطرنا لإعادة التسجيل عدة مرات حتى يصبح صالحـًا للبث الإذاعي ويتم نقل الشريط المسجل مع جهاز التسجيل من دار الضيافة مقر سكننا إلى منطقة الحوبان التي تبعد عن المدينة حوالي 15 كلم ومن هناك يتم بث المواد الإذاعية المسجلة عبر محطة الإرسال..
* افتتاح اذاعة تعز من شخصين .. ما الذي كنتم تقدمونه عبر تلك الإذاعة؟
- كنت أتولى تقديم برنامج (صوت الجنوب الثائر) يساعدني في الإعداد الزميل المرحوم حسن العزي، وكان برنامجاً موجهًا لأبناء الجنوب عمومًا والمقاتلين والفدائيين بشكل خاص، والرفع من معنوياتهم وتوعية الناس بمساوئ الاستعمار الذي اغتصب أرضنا الطاهرة، وضرورة رحيله عنها، منها ما كان يتضمن أخبار متابعات عن العمليات العسكرية والفدائية، إلى جانب استعراض البيانات التي كانت تصدرها القوى الوطنية.
ونظراً للدور المهم والمؤثر للبرنامج لدى أوساط الجماهير والمقاتلين في جنوب الوطن وما يقوم به من وعيد ثوري وتحريض مباشر على مقاتلة المستعمر دفع بأحد عملائه الى وضع عبوة ناسفة في فتحة الجدار الخارجي للغرفة التي ننام فيها مما أدى إلى تحطيم الجدار بالكامل وبفضل الله نجونا من موت محقق ولم نسلم أنا وزميلي العزي من إصابات لم تثنينا عن مواصلة واجبنا الوطني وإدراكنا أهمية ما نقوم به ضد المحتل الأجنبي من مجهودات إعلامية لا تقل عن الكفاح المسلح.
بعد أن أنجزت مهمتي الوطنية التي تشرفت بالقيام بها وحصول جنوب الوطن على الاستقلال في 30نوفمبر 1967م عدت إلى إذاعة صنعاء في الوقت الذي كانت فيه العاصمة صنعاء المحاصرة من جانب فلول الملكية والمرتزقة بدعم قاري تخوض معركة وجودية في حرب السبعين كان النصر فيه للثورة اليمنية المجيدة ولعبت إذاعة صنعاء دوراً بطوليـًا وشجاعـًا إلى جانب الجيش والشعب في تحقيق ملحمة النصر الكبرى ..
* كنت المذيع الذي قرأ بيانَيْ تولّي الرئيس ابراهيم الحمدي واستشهاده.. هل كانت الصدفة..؟
- في عام 1974م شهدت البلاد نقلة استراتيجية وتاريخية مهمة بتولي الرئيس القائد إبراهيم الحمدي مقاليد الحكم في البلاد وكان لي الفخر بقراءة البيان التاريخي الأول من إذاعة صنعاء بهذه الحركة التصحيحية المباركة وكذلك مرافقته في عدد من زياراته المحلية والخارجية أهمها السعودية تونس وفرنسا، وخلال زيارته لفرنسا قمت بتغطية هذه الزيارة تلفزيونيـًا عبر النقل المباشر من باريس إلى صنعاء ويعتبر هذا النقل المباشر في زمن الأسود والأبيض خطوة نوعية متقدمة .. كما شاء القدر أن أذيع أيضـًا بيان استشهاد هذا القائد العظيم من التلفزيون بحزن وألم شديدين.
* كنت المذيع الذي غطى فعاليات تأسيس المؤتمر الشعبي العام في الـ24 من أغسطس 1982م .. ما الذي يمثله ذلك اليوم في مسيرة الإعلامي شمسان..؟
- في 24 أغسطس من عام 1982م في هذا اليوم التاريخي لتأسيس المؤتمر الشعبي العام كنت المذيع والمسؤول المكلف بالتغطية الكاملة لفعاليات الحفل عبر الإذاعة والتلفزيون ويعتبر يوم التأسيس للمؤتمر حدثـًا مهماً وبداية صحيحة للانطلاق على المسارات الديمقراطية والسياسية والتنموية ومنذ ذلك الحين كنت أحد الأوائل ممن حصلوا على بطاقة عضوية المؤتمر الشعبي العام.
* عند التحاقك بالعمل الإعلامي في اذاعة صنعاء ، كنت لاتزال طالبا في المعهد التجاري بمحافظة عدن .. هل توقفت عن مواصلة الدراسة ..؟
- كنت في عدن قد أتممت الإعدادية، وأكملت الثانوية العامة في صنعاء ..بعد ذلك حصلت على دبلوم إذاعي في المعهد العالي للإذاعة بالقاهرة ودبلوم آخر من إذاعة لندن التي عملت فيها مذيعـًا مشاركـًا في البرامج الأخبارية كما عملت مذيعـًا مشاركـًا لأكثر من عام في إذاعة كلونيا بألمانيا ضمن التعاون الإعلامي بين إذاعتي صنعاء وألمانيا.
* عبدالله شمسان إعلامي أوفى للمهنة، وأعطى الإعلام وقته وجهده وعمره وخبرته وتجربته.. ما الذي أخذه بالمقابل..؟
- يظل حب الجماهير هو المقابل الأجمل والأهم في مسيرة كل من يحترم موهبته .. وعلى الصعيد العملي فقد حصلت على وسام وشهادتي تقدير من الرئيس السابق علي عبدالله صالح وشهادة تقدير وعرفان من وزارة الإعلام وشهادات تقديرية أخرى نظير المجهودات الوطنية التي قدمتها في برنامج صوت الجنوب الثائر من إذاعة تعز في دعم ثورة 14 أكتوبر واستقلال جنوب الوطن في ملحمة حرب السبعين 1967م وغيرها من المحطات الوطنية الأخرى.
في عام 1984م تعينت ملحقـًا إعلاميـًا في دولة الكويت، وكان للفترة الطويلة التي عملت فيها مذيعـًا في الإذاعة والتلفزيون والخبرة الإعلامية التي اكتسبتها عاملاً مساعداً في انجاز مهمتي الجديدة كملحق إعلامي على الوجه المطلوب وبالنجاح الذي سعيت إلى تحقيقه حيث مثلت بلادي طوال أكثر من ست سنوات في كافة الأنشطة والفعاليات على المستويين الإعلامي والدبلوماسي على أفضل ما يكون.. عدتُ بعدها إلى عملي بإذاعة صنعاء من جديد.
* كلمة أخيرة في هذا اللقاء تكشف بها لجمهورك عن اهتماماتك التي تقوم بها حالياً بعد أن تقاعدت عن العمل الوظيفي.. ؟
- حاليـاً أقوم بإعداد كتاب أدون فيه مسيرتي الإعلامية لخمسين عامـًا من العمل الإعلامي المتواصل والتجارب والمصاعب والمخاطر التي مررت بها والمحطات والمواقف الوطنية والنضالية التي أسهمت من خلالها في خدمة وطني إلى جانب الذكريات وهي كثيرة منها ماهو خاص ومنها ماهو متعلق بالعمل مع الزملاء والأحباب في الإذاعة والتلفزيون.
|