الميثاق نت -

الخميس, 26-أكتوبر-2023
أ‮.‬د‮. ‬عبدالخالق‮ ‬هادي‮ ‬طواف‬‬‬‬ -
عندما نتابع أحوال الشعب العربي نتفاجأ أنه وصل إلى حالة من البؤس السياسي والقومي لم يكن أي متشائم يتصورها، فقد تبخرت أحلام الوحدة العربية وذهبت الأفكار القومية والاعتزاز بالأمة العربية أدراج الرياح، ويعود ذلك إلى اختلاف منظومات الحكم واختلاف رجالها، ولكن الواقع يحكي أن الديمقراطية ابتعدت أكثر، فقد كان العيب الأكبر في الحركات القومية التي ظهرت بعد استقلال أغلبية الدول العربية أنها رفعت هراوة الحكم باستخدام العسكر واستمرت تحقق مشاريعها التي اتسعت وارتفعت أحياناً وتقزمت أحياناً أخرى وحكمت أحياناً بالحديد والنار‮ ‬واقتربت‮ ‬من‮ ‬الشارع‮ ‬كثيراً‮ ‬في‮ ‬بعض‮ ‬الانظمة‮ ‬ولكن‮ ‬القاعدة‮ ‬العامة‮ ‬هي‮ ‬غياب‮ ‬الديمقراطية‮ ‬التي‮ ‬كان‮ ‬ينظر‮ ‬لها‮ ‬آنذاك‮ ‬انها‮ ‬بوابة‮ ‬الرأسمالية‮ ‬والغرب‮ ‬للتأثير‮ ‬في‮ ‬بلداننا‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
حاليا نعيش وضعاً مشابهاً لتلك الايام فما زالت الديمقراطية هي الوصفة التي جربتها أغلب دول العالم واستقرت عليها ما عدا بلداننا العربية التي تنظر لها باستهجان فحيناً نجد الحاكم يتعامل معها بمراوغة وخفة ويستخدمها بطريقة مهارية تجعلها وصفة مسكنة، وأحياناً اخرى يتجنبها‮ ‬بصراحة‮ ‬شديدة‮ ‬تحت‮ ‬أستار‮ ‬الملكية‮ ‬والسلطة‮ ‬المطلقة‮ ‬التي‮ ‬تبحث‮ ‬عن‮ ‬السيطرة‮ ‬الكاملة‮ ‬على‮ ‬جميع‮ ‬مقدرات‮ ‬الدولة‮ ‬والتحكم‮ ‬في‮ ‬جميع‮ ‬قراراتها‮ ‬المصيرية‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
وبعد الربيع العربي المشبوه بدأت تظهر أنظمة حكم يقتصر فكرها على الغيبيات والاسقاطات والحديث عن نواقض الوضوء وكيف يتم قتلك شهيداً وتدخل الجنة لتحقيق مشاريعها والوصول بها إلى سدة الحكم وإلى ان تقوم الساعة، مما جعلنا نتذكر تلك القيادات القومية التي ظهرت منذ الستينيات‮ ‬وكانت‮ ‬تشمئز‮ ‬من‮ ‬الديمقراطية‮ ‬بحجة‮ ‬انها‮ ‬قدمت‮ ‬علينا‮ ‬من‮ ‬الغرب‮ ‬بحنين‮ ‬شديد‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
الواقع ان الحركات الدينية تربط بين الدين والدنيا وتعتبر نفسها ممثلة لله في الارض وتبدأ تمارس الديكتاتورية الدينية كونها التي ستجعلها توصل المواطنين الى الجنة وتهديهم الى الحق الذي لا يتعدى على كرسي الحكم الذي قد أخذوه عنوةً ومن يخالف هذا الواقع فإنه من الذين ضرب الله في قلوبهم النفاق ولا يحق لهم الا ان يموتوا بغيظهم وان يعذبهم الله بأيديهم وأيدي المؤمنين، وهذا لعمري اكثر نزعة للديكتاتورية ويجعلنا نطالع الى الوراء ناحية الستينيات بحنين فقد كانوا في خضم ديكتاتوريتهم يهتمون ببناء اقتصاديات اشتراكية وخدمات عامة محترمة ومشاريع عملاقة واستثمارات صناعية ضخمة لتحقيق المقولة الشهيرة (ويل لشعب لا يأكل مما يزرع ولا يلبس مما يصنع) وظهرت دول لها وزنها في الجزائر والعراق وسوريا ومصر طبعا والسودان وتونس واليمن والصومال ولكن حاليا أنظر إلى أحوال أغلب هذه الدول فقد دخلت في أنفاق مظلمة كل دولة فيها تشهد انتكاسة مختلفة ونهايتها مختلفة ولا أحد يعلم كيف سيتم الخروج من هذه الانفاق كون الحديث بحرية في هذه النقطة أصبح من المحرمات والتي تورث النفاق وتقلل من درجة الايمان وفي هذه اللحظة نشهد ما يحصل في أرض فلسطين من مذابح صريحة والكل مستسلم لا هم له إلا البقاء وعدم التدخل بأي صورة مؤثرة ووصل هذا العجز إلى منع المظاهرات الشعبية التلقائية واصبحت حتى حركات الاحتجاجات الشعبية والتضامن مع أبناء غزة ينظر له على انه مقدمة ثورة شعبية ضد تلك الانظمة واستمرت أنظمة الحكم المؤمنة في الاستعداد للصلاة القادمة بلا رؤية ولا نية للتقدم للأمام لان نخب الحكم اصبح هدفها الرئيس الانكفاء على الذات ولم يعد هناك هَمٌّ قومي او عربي والحديث عنها اصبح مشبوها والحديث عن الوحدة العربية اصبح مثاراً للسخرية لان الثوب الابيض لا يجب ان يخالطه الدنس واصبحنا نبكي الديكتاتورية‮ ‬القومية‮.‬‬‬
تمت طباعة الخبر في: الأربعاء, 17-يوليو-2024 الساعة: 10:38 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-64934.htm