الميثاق نت -

الخميس, 26-أكتوبر-2023
ا‮. ‬د‮. ‬عبدالعزيز‮ ‬صالح‮ ‬بن‮ ‬حبتور‮* ‬‬‬‬‬‬‬ -
‮ ‬‬ودَّعت جامعة عدن، ومدينة عدن واليمن عموماً الفقيد العزيز البروفيسور/ علي أحمد الوالي اليافعي "أبو أحمد" في يوم حزين جداً، ودَّعته أسرته القريبة، وطلابه وزملائه ورفاق دربه بسيل من دموع الفراق الحزين، مُسلَّمين أمرهم لله عز وجل، وبألم طاغ لفراق عزيز عليهم عاش‮ ‬معهم‮ ‬طيلة‮ ‬ما‮ ‬يزيد‮ ‬عن‮ ‬سبعة‮ ‬عقود‮ ‬ونيف‮ ‬من‮ ‬السنوات‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ففي يوم السبت 23 سبتمبر 2023م، شيَّع محبوه جثمانه الطاهر إلى مثواه الأخير في لحظة وداع مؤلمه وموجوعة وصاعقة، في وداع ابدي مهيب، مستسلمين ومسلمين للإرادة الربانية بأزلية الحياة والموت للإنسان على مر العصور والأزمان.
ينتمي البروفيسور/ علي اليافعي إلى أسرة يمنية يافعية مثقفة، وإخوته جميعهم مؤهلين علمياً وناشطين في المجال السياسي الذي يخدم اهدافهم وتوجهاتهم، وابنائهم سلكوا ذات الطريق في المجال العلمي والثقافي وحتى السياسي، وحتى أبناء عمومتهم انتهجوا ذات المنهج العلمي والثقافي‮ ‬والإنساني،‮ ‬والعديد‮ ‬منهم‮ ‬ينتمون‮ ‬لجامعة‮ ‬عدن‮ ‬ولحج‮ ‬وينتسبون‮ ‬للأسرة‮ ‬الاكاديمية‮ ‬المثقفة،‮ ‬والآخرون‮ ‬موزعون‮ ‬في‮ ‬الأجهزة‮ ‬الحكومية‮ ‬والخاصة‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
تعرفت‮ ‬على‮ ‬البروفيسور‮/ ‬علي‮ ‬اليافعي‮ ‬مُنذ‮ ‬ما‮ ‬يقارب‮ ‬النصف‮ ‬الأول‮ ‬من‮ ‬ثمانينيات‮ ‬القرن‮ ‬العشرين،‮ ‬وكان‮ ‬زميلاً‮ ‬محترماً‮ ‬يبادل‮ ‬الآخرين‮ ‬ذات‮ ‬الاحترام‮ ‬والتقدير‮ ‬والوقار‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
تعمقت علاقتي الأخوية وزمالتي الأكاديمية به بعد أن كُلفت بقرار جمهوري لرئاسة جامعة عدن في منتصف 2008م، ووجدته عميداً لكلية الطب والعلوم الصحية بجامعة عدن، وعند تقييمي لنشاطه القيادي الاكاديمي وجدته كادراً مؤهلاً تأهيلاً عالياً، وثقافته الاكاديمية متميزة، ومستواه‮ ‬العلمي‮ ‬رفيع،‮ ‬ولذلك‮ ‬استمر‮ ‬معي‮ ‬كزميل‮ ‬وصديق‮ ‬يقود‮ ‬العمل‮ ‬الأكاديمي‮ ‬بالجامعة‮ ‬كعميد‮ ‬دون‮ ‬أن‮ ‬أنوي‮ ‬تغييره‮ ‬واستبداله‮ ‬بزميل‮ ‬آخر،‮ ‬بالرغم‮ ‬من‮ ‬اختلافنا‮ ‬السياسي‮ ‬الحزبي‮ ‬الواضح‮ ‬بيني‮ ‬وبينه‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
استمر‮ ‬يقود‮ ‬العمل‮ ‬الأكاديمي‮ ‬طيلة‮ ‬بقائي‮ ‬كرئيس‮ ‬للجامعة‮ ‬حتى‮ ‬يوليو‮ ‬2015م‮ ‬حينما‮ ‬حلت‮ ‬كارثة‮ ‬تدخل‮ ‬العدوان‮ ‬العسكري‮ ‬السعودي‮ ‬والخليجي‮ ‬على‮ ‬مدينة‮ ‬عدن‮ ‬والجمهورية‮ ‬اليمنية‮ ‬في‮ ‬مارس‮ ‬2015م‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
اصطحبته معي في عدد من الرحلات والأسفار الاكاديمية لعدد من بلدان العالم، وشارك معي في التوقيع على عدد من البروتوكولات والاتفاقيات الأكاديمية والعلمية لعدد من الجامعات الأجنبية، كالجامعات الألمانية والإيطالية والروسية والسعودية والأردنية والمغربية والمصرية، وكان‮ ‬خير‮ ‬رفيق‮ ‬في‮ ‬الطريق‮ ‬لعدد‮ ‬من‮ ‬البلدان‮ ‬التي‮ ‬سافرنا‮ ‬إليها‮ ‬وقصدناها،‮ ‬وكذلك‮ ‬في‮ ‬رجاحة‮ ‬رأيه‮ ‬الأكاديمي‮ ‬في‮ ‬المشورات‮ ‬العلمية‮ ‬الاكاديمية‮ ‬والثقافية‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
يقولون في الأمثال الشعبية "عليك اختيار الرفيق قبل الطريق" وهذا هو حال ونفسية صديقي الغالي البروفيسور/ علي أحمد يافعي "أبو أحمد" رحمة الله عليه وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله ومحبيه الصبر والسلوان.
لقد‮ ‬خسرت‮ ‬شخصياً‮ ‬صديقاً‮ ‬عزيزاً‮ ‬ورفيق‮ ‬درب‮ ‬يعتمد‮ ‬عليه‮ ‬في‮ ‬المشورة‮ ‬العلمية‮ ‬والاكاديمية‮ ‬وحتى‮ ‬السياسية،‮ ‬لأن‮ ‬الاختلاف‮ ‬بيننا‮ ‬في‮ ‬الرأي‮ ‬لا‮ ‬يفسد‮ ‬للود‮ ‬قضية‮ ‬كما‮ ‬يقول‮ ‬العرب‮ ‬في‮ ‬ثقافتهم‮ ‬وتراثهم‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
أتذكر بأني اصطحبته معي في الوفد الاكاديمي الأخير لجامعة عدن متجهين إلى جمهورية روسيا الاتحادية لزيارة عدد من المؤسسات الاكاديمية والثقافية، ومنها زيارة جامعه موسكو الحكومية، جامعة الصداقة مع الشعوب، وجامعة سانت بطرسبورغ الحكومية، وكذلك العديد من المراكز والكليات البحثية ذات التاريخ العريق، وكان عدد من الزملاء ضمن الوفد وهم: البروفيسور/ علي أحمد يافعي، البروفيسور/ محمد عوض سالم الصبيحي، والبروفيسور/ يعقوب عبدالله قاسم، والبروفيسور/ محمد طه شمسان، والدكتور/ سابر عباد باحلوان، كانوا جميعاً خير من يمثل جامعة عدن على أحسن وجه وتمثيل، وكان وفدنا الأكاديمي لم يكتف بزيارة الجامعات والمراكز البحثية، بل إنه عمل وقام بإلقاء محاضرات سياسية وثقافية عدة حول الأوضاع في الجمهورية اليمنية على أساتذة وطلاب كليات الاستشراق واللغات والتاريخ في الجامعات الروسية، وأتذكر بأن العلماء‮ ‬المستشرقين‮ ‬الروس‮ ‬قد‮ ‬تفاعلوا‮ ‬تفاعلاً‮ ‬كبيراً‮ ‬مع‮ ‬القضايا‮ ‬السياسية‮ ‬والاجتماعية‮ ‬والفكرية‮ ‬والثقافية‮ ‬اليمنية‮ ‬يومذاك‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
يستحق الصديق البروفيسور/ علي اليافعي من محبيه وطلابه وأسرته بأن يوثقوا جزءاً من تاريخه السياسي والأكاديمي والنقابي، في كتاب يشمل ويوثق تاريخه الطويل والمتشعب، والجاد، كيف لا وهو قد امضى الجزء الأهم من حياته يخدم بجد واجتهاد جميع المؤسسات التي عمل فيها، وأنه قد خدم شخصياً عدد كبير من الأفراد والجماعات كي يلتحقوا بالعمل الأكاديمي بجامعة عدن ولحج وأبين، هؤلاء جميعاً معنيون بتوثيق أعماله وأنشطته، كما أن جامعة عدن معنية بالاهتمام بتوثيق تاريخه كي يصبح جزءاً من وثائق ذاكرة جامعة عدن التي تأسست منذ ما يزيد عن عقد من‮ ‬الزمان،‮ ‬وهو‮ ‬العمل‮ ‬الموثق‮ ‬والمكتوب‮ ‬والمنقوش‮ ‬على‮ ‬جدار‮ ‬ولوحة‮ ‬جامعة‮ ‬عدن‮ ‬الخالدة‮ ‬بإذن‮ ‬الله،‮ ‬هذا‮ ‬وحده‮ ‬ما‮ ‬سيخلد‮ ‬ذكرى‮ ‬صديقنا‮ ‬على‮ ‬مر‮ ‬الأجيال‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
إضافة‮ ‬إلى‮ ‬إعادة‮ ‬ترتيب‮ ‬وطباعة‮ ‬كتابه‮ ‬الأكاديمي‮ ‬الطبي‮ ‬المنهجي‮ (‬الكتاب‮ ‬الجامعي‮) ‬الذي‮ ‬حدثني‮ ‬حوله‮ ‬مراراً‮ ‬في‮ ‬رحلاتنا‮ ‬المتكررة‮ ‬معاً‮ ‬للخارج‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
ذاكرة جامعة عدن من الدوائر والإدارات المهمة في المؤسسة والحفاظ عليها وتطويرها غاية في الأهمية، لأن كل أعمالنا ستندثر نحن الاكاديميين ولن يبقى لنا أي أثر سوى ما تحتفظ به اضابير وأرفف تلك الذاكرة، ولهذا الجميع معني بالحفاظ عليها، لأنها ستحفظ للأجيال نماذج من الكتب الجامعية والصور الفوتوغرافية والمحاضر الاكاديمية التي ستُذكِّر الأجيال القادمة بما أنجزه جيلنا من أعمال وأنشطة وذكريات، هكذا تعمل الجامعات المحترمة في العالم، ونحن كما أظن وأعتقد وأجزم بأننا ننتمي إلى تلك الجامعات العالمية المحترمة والعريقة التي تحافظ‮ ‬على‮ ‬ذاكرتها‮.‬‬‬‬
في آخر مرثاتي المتواضعة الحزينة على صديقي المغفور له/ علي اليافعي "أبو أحمد"، أدعو الله العلي القدير أن يتغمده بواسع رحمته وأن يسكنه جناته الواسعة وأن يلهم أهله وطلابه وزملاءه ومحبيه الصبر والسلوان.. إنا لله وإنا إليه راجعون.
بسم‮ ‬الله‮ ‬الرحمن‮ ‬الرحيم‮ »‬يَا‮ ‬أَيَّتُهَا‮ ‬النَّفْسُ‮ ‬الْمُطْمَئِنَّةُ‮ ‬ارْجِعِي‮ ‬إِلَى‮ ‬رَبِّكِ‮ ‬رَاضِيَةً‮ ‬مَرْضِيَّةً‮ ‬فَادْخُلِي‮ ‬فِي‮ ‬عِبَادِي‮ ‬وَادْخُلِي‮ ‬جَنَّتِي‮« ‬صدق‮ ‬الله‮ ‬العظيم‮.‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬‬
‮»‬وَفَوْقَ‮ ‬كُلِّ‮ ‬ذِي‮ ‬عِلْمٍ‮ ‬عَلِيمٌ‮«‬‬‬‬‬‬‬
‮* ‬رئيس‮ ‬مجلس‮ ‬الوزراء‮ - ‬صنعاء‬‬‬‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 21-نوفمبر-2024 الساعة: 09:26 م
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-64935.htm