إبراهيم ناصر الجرفي - نادراً ما يتعرض شعب للاستعمار الخارجي أو للاستبداد الداخلي بدون وجود عنصر محلي داعم ومساعد له ، فالاستعمار والاستبداد لا يتحققان ولا ينجحان بدون وجود تواطؤ ودعم محلي من داخل الشعب نفسه ، فالاستعمار الخارجي من أهم مقومات استمراره وبقائه أطول فترة ممكنة في أي مكان ، وجود عملاء وخونة ومرتزقة محليين يساعدونه على ذلك ، وكذلك الحال بالنسبة للاستبداد الداخلي فديمومة سيطرته وهيمنته على البلاد والعباد تحتاج لأعوان ومؤيدين من بين أفراد المجتمع ، ومن يتعاون مع الاستعمار أو الاستبداد هم الأشخاص الذين يخافون على فقدان مراكز نفوذهم ووجاهاتهم المجتمعية أو القبلية ، أو الذين يخشون على خسارة مصالحهم التجارية أو المالية أو الاستثمارية ، أو الذين يطمحون في تولي مناصب قيادية ، أو الذين لا هم لهم سوى اشباع بطونهم وغرائزهم بغض النظر عن من الحاكم وكيف يحكم ، أو المفسدين وقطاع الطرق وأصحاب السوابق بهدف تحسين أوضاعهم من خلال إخلاصهم وتفانيهم في خدمة المستعمر الخارجي أو المستبد الداخلي ، الذي لا يبحث عن أخلاق الأفراد وسلوكياتهم بقدر بحثه عن إخلاصهم وولائهم له ..!! وعلى العموم يظل العنصر المحلي أياً كانت أهدافه وغاياته ومبرراته ، هو الأداة المسهلة والمساعدة لبقاء واستمرار المستعمر الخارجي للوطن ، وهو القوة الداعمة والساندة لبقاء واستمرارية وسيطرة المستبد الداخلي على السلطة أطول فترة ممكنة ، فلا يمكن للمستعمر الخارجي إحداث أي اختراق في بنية المجتمع الداخلية إلا بتعاون وتواطؤ وخيانة وعمالة أفراد وقوى من داخل المجتمع نفسه ، ولا يمكن للمستبد الداخلي الاستيلاء على السلطة والاستمرار فيها وممارسة استبداده وطغيانه وظلمه إلا بمساعدة ودعم وتخادم وتواطؤ قوى وأفراد من أبناء الشعب نفسه ، وبدون دعم وتعاون العنصر المحلي لن يستطيع المستعمر الخارجي البقاء والاستقرار داخل الوطن ، ولن يتمكن المستبد الداخلي من السيطرة على السلطة والاستفراد بها ، وبذلك فإن للعنصر المحلي أهمية بالغة في نجاح مساعي المستعمر الخارجي أو المستبد الداخلي ، ومن يقوم بهذا الدور هو العنصر المحلي السلبي ..!!
والعنصر المحلي السلبي هو موجود في كل مجتمع وشعب ، ومن النادر جداً أن تجد شعباً أو مجتمعاً خالياً منه ، ولا يتوقف هذا العنصر عن تبرير سلوكياته السلبية ، فقد تراه وهو يصنع المبررات لبقاء واستمرار المستعمر الخارجي لوطنه ، بل قد يصل به الحال إلى تجميل صورة المستعمر ، وإلى تبرير جرائمه وانتهاكاته ضد أبناء شعبه ، وقد تراه وهو يصنع المبررات لاستمرار وبقاء المستبد الداخلي ، بل قد يصل به الحال إلى تجميل صورة المستبد ، وإلى تبرير طغيانه وظلمه وانتهاكاته ضد المواطنين ، كل ذلك من أجل مصلحة أو منصب أو وظيفة أو فتات ، ولا يتوقف العنصر المحلي السلبي عن تقديم الخدمات وكل فروض الولاء والطاعة للمستعمر الخارجي أو للمستبد الداخلي لنيل رضاهم ، وللأسف مهما فعل فإنهم ينظرون إليه باستصغار واحتقار ، ولا يثقون به فالمصلحة هي دينه ومبدأه وغايته ، وأينما كانت سعى لها ولهث خلفها ..!!
وبذلك فإن العناصر المحلية السلبية هي نقطة الضعف في كل المجتمعات والشعوب ، فمن خلالها وعبرها تعبر كل المؤامرات والتدخلات الخارجية في شئون الأوطان ، وبسببها تسقط الأوطان في فخ الاستعمار وتقع في مستنقع الاستبداد والطغيان ، وهكذا عناصر هم العاهة المستديمة التي تشوه صورة كل شعب أو مجتمع بشري ، كما أنها تمتلك أقنعة متعددة تبدلها حسب مقتضيات مصالحها ، ولا وفاء ولا عهد لها ، فهي لا تؤمن بأي قيم دينية ولا بأي مبادئ وطنية أو إنسانية ، فقط يؤمنون بالمصلحة والمال فأينما كانت يمموا وجوههم نحوها ، وهي التي تدفع بهم نحو التصرفات السلبية التي يقومون بها ، والمصلحة لها تأثير كبير ليس على تصرفات الأفراد فحسب، بل على تصرفات الدول ، ففي سبيل المصلحة تتصرف بعض الدول بتصرفات عدوانية ضد الدول الأخرى ، دون اعتبار للنتائج الكارثيه التي قد تسببها تلك التصرفات على شعوب الدول المستهدفة ، من أجل ذلك جاءت الأديان السماوية بالكثير من التشريعات والأحكام التي تسعى إلى ضبط النزعة المادية داخل النفس البشرية ، والتي تعمل على تعزيز القيم الروحية وتقويتها داخل النفس ، بهدف وضع حدود للمصلحة أياً كان شكلها ، فالمصلحة العامة مقدمة على المصلحة الفردية ، وتحريم أي مصلحة أياً كان نوعها إذا ترتب عليها إلحاق الضرر بالآخرين ، لكن القليل هم الذين يلتزمون بالتشريعات والأحكام الدينية.
|