علي ناصر محمد - صادف السبت 11 نوفمبر الذكرى التاسعة عشر لرحيل الشهيد الكبير ياسر عرفات ، وهو نفس اليوم الذي صادف انعقاد مؤتمر القمة العربية الاسلامية الاستثنائية في السعودية بالتزامن مع اليوم الـ36 للحرب الوحشية التدميرية على غزة ، والتي راح ضحيتها عشرات آلاف الشهداء والجرحى من نساء وأطفال وتدمير البنية التحتية واستهداف للمستشفيات وقطع الماء والكهرباء والغذاء والدواء والوقود، ولم يحدث في تاريخ العالم الحديث مثل هذا العمل الاجرامي وسط صمت دولي عربي إلا صوت الشعوب العربية وشعوب العالم قاطبة المحبة للسلام..
وقد سجلت غزة وأبناؤها ونساؤها ورجالها أروع البطولات في التاريخ الفلسطيني والعربي والاسلامي والعالمي.
إن الشعوب العربية والاسلامية اليوم تتطلع وتناشد باسم فلسطين والمسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين قمة الرياض لإصدار قرارات تاريخية بوقف الحرب وفك الحصار عن غزة باستخدام كافة الامكانيات الهائلة التي تمتلكها الامة العربية والاسلامية للضغط على اسرائيل وحلفائها كما حدث في حرب عام 1973م.
وفي ذكرى رحيل الشهيد ياسر عرفات يحضرني المشهد الذي لم يفارق ذاكرتي طوال السنوات الماضية، مشهد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات يلوح لمودعيه، بنظرات مليئة بالمحبة وحزن الفراق، ويرسل لهم القبلات في الهواء من باب الطائرة العمودية التي غادرت به إلى عمان فباريس.. وبذكاء المدرك أنه الوداع الأخير، أصر "الختيار" الخارج من الحصار رغم مرضه على أن يتماسك ليودع شعبه مبتسماً، كاتباً السطر الأخير في الملحمة العاصفة التي استمرت لأكثر من أربعين عاماً، كتبه بذات القوة والشجاعة التي كتب بها سطورها الأولى قبل نصف قرن من الزمن.
المشهد الآخر أو الأخير، كان مشهد التابوت الملفوف بالعلم الفلسطيني محمولاً على أكتاف الحرس الجمهوري الفرنسي إلى الطائرة التي ستقل جثمان القائد الفلسطيني الكبير »المصري الهوى« إلى القاهرة، ومنها إلى رام الله ليوارى الثرى هناك، منتظراً اليوم الذي ينقل فيه رفاته إلى القدس عاصمة الدولة الفلسطينية ليتحقق حلمه الكبير.
تابع الملايين حول العالم باهتمام خلال فترة مرضه، التطور الدراماتيكي الغامض لصحة الزعيم الفلسطيني، والاعتقاد يتزايد بأنه قتل بأحد السموم التي يعمل الإسرائيليون منذ سنين طويلة على تطويرها فيما يسمى وحدة السموم السرية، والتي تنتج سموماً لا يمكن اكتشافها ومنها ما هوجم به المناضل خالد مشعل في عمان يوم ضغط الملك حسين رحمه الله على إسرائيل لجلب الترياق الذي أنقذه .
لماذا بالسم؟ كالرئيسين جمال عبدالناصر وهواري بومدين والمناضل وديع حداد.
بالسم لأنه لم يكن ممكناً قتله بشكل مباشر أو علانية، وهو رمز وحدة ونضال الشعب الفلسطيني والرمز الدولي الذي استطاع أن يعطي قضية فلسطين بعدها العالمي رغم سيطرة إسرائيل على وسائل الإعلام، وهو الذي وجه حديثه مباشرة إلى الدكتور كورت فالدهايم الأمين العام للأمم المتحدة عام 1974م قائلاً: »سيدي الرئيس، لقد جئتكم ياسيادة الرئيس بغصن زيتون مع بندقية فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي، سيدي الرئيس الحرب تندلع من فلسطين، والسلام ثائر... يبدأ من فلسطين«.
رحل أبو عمار، ذلك الرجل الذي اعتاد أن يحمل قضيته في قلبه، ورجاله خلفه، يتنقل بها في أصقاع الأرض، مرة يرحل عن عمان عام 1970م وتارة يرحل عن لبنان عام 1982م وأخرى عن طرابلس عام 1983م وكان من العدل أن يرحل هو وشعبه إلى وطنهم الذي اغتصبته إسرائيل وشردت شعبه وآخرها ما يجري في غزة اليوم من قتل وتدمير ومحاولة تهجير لشعب غزة على غرار ما جرى للشعب الفلسطيني منذ 1948م وحتى اليوم.
النصر للشعب الفلسطيني..
المجد والخلود لشهداء الثورة الفلسطينية وفي مقدمتهم المناضل ياسر عرفات..
|