د . عبدالعزيز محمد الشعيبي - تأتي ذكرى الـ30 من نوفمبر 1967م لتشعرنا بمعان كثيرة أولاها ما تلخصه الأحداث اليوم من عودة الاستعمار بشكل جديد، والأدهى والأمر من ذلك أن الكثير من الدول العربية أصبحت تابعة بعناية لهذا الاستعمار وتعمل معه بإخلاص..
نتذكر اليوم تلك البطولات الرائعة في الاطار العربي وأخص منها ذكرى رحيل الاستعمار البريطاني من جنوب اليمن، هذا الاستعمار الذي جثم على هذه البقعة الطاهرة من هذه الأرض اليمنية العربية لأكثر من 120 عاماً، وكان قد ظن أنه من خلال وجوده الطويل في الأرض اليمنية انه قد استطاع أن يحولها إلى جزء تابع له، ولم يدرك تماماً عمق الثورة اليمنية العربية التي وإن كانت منطلقها اليمن في شماله وجنوبه إلا أن محيطها وبيئتها كانت عربية، لأن الشعور والوجدان اليمني والعربي لم يكن ليتجزأ بأي حال من الأحوال، والعدو وإن جثم على بقعة جغرافية معينة فإن محيطها بالكامل لم يكن ليؤول لمصلحة الاستعمار سواء أكان بالطبيعة أو من خلال الجبر والقوة، لذلك فإن الثورة العظيمة في 14 أكتوبر 1963م وما تحقق بعد ذلك من جلاء للاستعمار في 30 نوفمبر عام 1967م إنما يحقق معنى السيادة الوطنية بكل معانيها..
بعد قيام هذه الثورة المباركة وجلاء الاستعمار امتدت التفاعلات اليمنية لتشمل محيطها العربي والإقليمي والدولي لتتفاعل معه بصورة طبيعية ومنطقية يتناسب مع حق الدول في العيش بكرامة واستقلال، وأن الغازي مهما كان لا يمكن له أن يبقى في الأرض إلى ما لا نهاية، فما هي إلا سنين معدودة وينتهي أجله فيها ليبرز الدور الوطني المخلص معبراً عن السيادة الوطنية للأرض التي حاول الاستعمار أن ينال منها ..
وعلى الرغم من كل المغريات التي قدمها الاستعمار وكذلك الأنواع المختلفة من الترهيب التي بثها في نفوس الضعاف من أبناء اليمن إلا أنها لم تستقم بأي حال مع ثوابت التاريخ والمنطق والحق والعدل، وأن النفس الوطنية لا يمكنها إلا أن ترفض هذا الاستعمار سواء بشكله المباشر أو غير المباشر، كذلك فإن الثورة اليمنية المباركة في 26 سبتمبر و١٤ أكتوبر ودحر الاستعمار البريطاني في الثلاثين من نوفمبر عام 1967م جعلت لليمن مكانتها بين الدول العربية التي نالت استقلالها بطرد الاستعمار أو بالتخلص من طواغيت النظم السياسية، وتحمل المسئولية فيها أبناء مخلصين من هذا الشعب الأبي ليقودوا مسيرة التنمية والبناء بما تمتلك الدولة من موارد للمصلحة الوطنية وحتى تكون رقماً مميزاً بين الأمم والشعوب ..
ولأن الاستعمار أدواته عدة ومختلفة فقد حاول بكل الطرق والوسائل الممكنة وغير الممكنة أن يُبقي على كثير من الصعوبات والمشكلات ليخضع هذا البلد لإرادته في التوجهات المختلفة، ومع بروز ظروف غير تلك الظروف التي كانت سائدة أيام الثورة المباركة ومع تفكك النظم السياسية العربية وكذلك المتغيرات الدولية الجديدة استطاع الاستعمار بأدوات جديدة مختلفة على مستوى الصعيد الداخلي والإقليمي أن يعبث بكثير من المضامين والثوابت والمنطلقات تحت دعاوي الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يجب أن تكون مكفولة لكل مواطن وأن يتبنى من القضايا ما يريد حتى لو أدى ذلك إلى تمزيق الوطن وتفتيته، وذلك في سبيل الحرية والديمقراطية المزعومة والتي روَّج لها ما يسمى بالنظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها في المنطقة الدولة العبرية البغيضة، وفي الوقت الذي تدعم هذه الدولة الكبرى أي الولايات المتحدة الأمريكية هذه الحقوق والحريات في دول العالم الثالث بهذا المعنى الذي يؤدي إلى تشرذم وتقزم الدول تأبى هي ذاتها وتقف في وجه من ينادي بالانفصال أو بالخروج عن الثوابت الوطنية العامة..
أما في مواجهة الدول الأخرى وخصوصاً الدول الضعيفة فإنها تشجع هذه الأفكار وتدعمها بكل ما أوتيت من قوة، وذلك لتحقيق أهدافها المتمثلة في مزيد من التشظي والتشرذم في الإطار العربي ..
وتأتي هذه الذكرى اليوم في الخلاص من الاستعمار لتذكرنا بقضية من أهم القضايا العربية ألا وهي القضية الفلسطينية التي تعتبر هي محور اللقاء العربي ومحور كل القضايا العربية، وتتركز عليه قضية الأمن القومي العربي لتعيد إلى الأذهان أهمية النضال ضد المستعمر وحق فلسطين على الأمة العربية جمعاء، بل على الأمة الإسلامية الوقوف صفاً واحداً معها في وجه الاستعمار القديم المتجدد الذي يتجمع اليوم بكل قواته، دول كبرى وغير كبرى في مواجهة جماعة محدودة تريد أن تسلبها حقها في الحياة وفي العيش بحرية وكرامة، ومما يؤسف له أن كثير من النظم السياسية والأشد أسفاً أن من هذه النظم أنظمة عربية تروج لهذا الاستعمار وتدافع عنه وتبرر له وتحاول أن تغير حقيقة التاريخ والجغرافيا لمصلحة من لا يجب أن يكون له مصلحة في هذه الأرض العربية، ولذلك فإن المواقف الرائعة الوطنية لبعض الدول ومن بينها اليمن تجسد اليوم أسمى المعاني النضالية الشريفة في مواجهة القوى المستبدة للاستعمار المتغطرس ولتعطي درساً قوياً لمن لا يفهم معنى الوطنية والقومية والانتماء إلى الأرض العربية، لان الحق واضح وسكوت بعض النظم السياسية عن هذا الحق لا يعني بأي حال من الأحوال مشروعية الآخر في استلاب الأرض العربية، إنما هو وقت قصير وسوف يزول بإذن الله، وأن الخيرية هي دائمة في هذه الأمة العربية، ولا شك أن بروز بعض النظم السياسية إلى السطح بهذه الكيفية وهذا المنطق الملوث سرعان ما سيزول وتبقى خيرية هذه الأمة، وهنا تكون المواجهة بين خير هذه الأمة والباطل فيها المزروع في أرضها .. وهيهات لجسم غريب طفيلي محدود أن يؤثر في الجسم الكبير، وإن غداً لناظره قريب ..
|