عبدالجليل أحمد ناجي - عاش جنوبنا اليمني ما يقارب 129 عاماً تحت هيمنة الاحتلال البريطاني المستعمر الغاصب وقد كانت بريطانيا خلال كل هذه المدة ربة مصالحها لا تفعل إلا كل ما يعود بالنفع المادي على حكومتها ضاربة بمصالح الشعب الجنوبي اليمني عرض الحائط وبما أن مصالح بريطانيا التجارية كانت تتركز في محمية عدن وميناء عدن فقد حرصت بعد احتلالها بقوة السلاح على فرض مشروعية زائفة على عدن وما حولها من خلال إبرام صكوك تأجير في الميناء والمساحات داخل محيط عدن مقابل مبالغ وامتيازات زهيده كانت تمنحها لبعض السلاطين المتحالفين معها.. كما عملت على مد نفوذها إلى بقية المناطق والمحميات تارة بالقوة العسكرية وتارة بعقد اتفاقات مصالح مع بعض سلاطين ووجاهات محميات الجنوب اليمني لضمان تأمين الطرق إلى مواقع حامياتها العسكرية في هذه المناطق وبما يضمن أيضاً تأمين مرور قوافلها التجارية التي تنقل البضائع لمناطق واسعة داخل اليمن بما فيها المناطق الشمالية وبالمقابل تجلب المنتجات الزراعية والحيوانية التي تحصل عليها من جهد وعرق الفلاح اليمني الفقير بثمن بخس، سوى ذلك لم تكن بريطانيا تهتم بتطوير بقية الجوانب التي يحتاج إليها المواطن الجنوبي اليمني في الريف والحضر عدا توفير بعض ما يحتاجه المستعمر لنفسه من خدمات داخل محمية عدن .
أما من ناحية سياساتها فقد كانت بريطانيا خلال فترة استعمارها للجنوب اليمني تنتهج سياسة قذره (فرق تسد) سواء ضد المواطن الجنوبي في نطاق المحميات في المحافظات الجنوبية والشرقية أو على مستوى علاقة الجنوبي بالشمالي.. تقوم هذه السياسة القذرة على زرع الخلافات البينية المناطقية والعشائرية واصطناع الحدود بين المحميات من أجل إبقاء هذه المحميات والمناطق ضعيفة ومفككة لا تمتلك أيٍ من عوامل القوة السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية فقط تكوين اقطاعيات داخل اقطاعيات ورموز مصالح ضيقة على حساب طبقة واسعة مسحوقه من أبناء الشعب اليمني في الجنوب المحتل.. وكانوا يعملون كذلك على توتير العلاقة بين أبناء الجنوب المحتل وأبناء الشمال الرازح تحت نير الحكم الإمامي الكهنوتي المستبد من خلال العزف على وتر الطائفية المقيتة، فمثلاً كان المندوب السامي البريطاني يقول: في خطاباته "إنما وجدنا هنا في الجنوب لحمايتكم من هجمات الزيود الشماليين" ولكن تلك السياسة لم تستطع الصمود أمام تنامي الوعي القومي التحرري لدى شعبنا المناضل الصامد في الجنوب الذي خاض ملاحم بطولية عسكرية وفدائية وسياسية على مدى سنوات طوال حتى تحقق له الاستقلال الكامل من الاستعمار البريطاني في الـ30 من نوفمبر عام 1967م ..
لقد مثلت ثورة 26 سبتمبر 1962م انطلاقة تحررية قوية عندما قضت على اعتى نظام إمامي كهنوتي متخلف في شمال اليمن، لتنطلق بعدها بسنة واحدة ثورة الـ14 من أكتوبر عام 1963م من جبال ردفان الشماء ضد الاستعمار البريطاني فشكلت الثورتين المجيدتين اقوى مسيرة تلاحم وطني شعبي ورسمي يمني شمالاً وجنوباً، فمثلما كان الجنوب يمثل رافداً قوياً وعمقاً استراتيجياً لثورة 26 سبتمبر، أصبح الشمال أيضاً يمثل رافداً قوياً وعمقاً استراتيجياً لثورة 14 أكتوبر، فتوحدت مسيرة الثورة اليمنية شمالاً وجنوباً نحو هدف التحرر والاستقلال والجمهورية حتى تحقق النصر المبين فتم القضاء على الإمامة في الشمال ورحيل الاستعمار وتحقيق الاستقلال في الجنوب في 30 نوفمبر عام 1967م .
|