الميثاق نت -

الخميس, 07-ديسمبر-2023
إبراهيم‮ ‬ناصر‮ ‬الجرفي -
إن توجيه الرأي العام والتحكم به يتوقف على درجة وعي وثقافة أفراد المجتمع، فكلما كانت درجة وعيهم وثقافتهم مرتفعة كلما كانت مهمة التوجيه والتحكم صعبة ومعقدة، فليس من السهولة بمكان توجيه إنسان واعٍ ومثقف ومتعلم والتحكم بقراراته وتصرفاته وردود أفعاله تجاه قضايا معينة حسب رغبة القوى السياسية، وكلما كانت درجة وعي وثقافة أفراد المجتمع متدنية كلما كانت مهمة التوجيه والتحكم سهلة وميسرة، لأنه من السهولة بمكان توجيه إنسان جاهل ومتخلف والتحكم بقراراته وتحركاته وردود أفعاله تجاه قضايا معينة، وذلك لأن الإنسان الواعي والمثقف يقرأ كل ما يدور حوله من أحداث ومستجدات بميزان العقل والمنطق والحكمة، ولا يسمح لعواطفه وانفعالاته أن تتحكم في قراراته وردود فعله تجاه كل القضايا، بينما الجاهل والمتخلف لا يقرأ كل ما يدور حوله بميزان العقل وإنما بميزان العواطف والانفعالات، وكم هو سهل إثارة‮ ‬العواطف‮ ‬والانفعالات‮ ‬والتحكم‮ ‬بها‮ ‬وتسييرها‮ ‬وفق‮ ‬رغبة‮ ‬القوى‮ ‬السياسية‮ ‬في‮ ‬كل‮ ‬زمان‮ ‬ومكان‮!!‬
ومن أفضل الوسائل التي تستغلها وتستخدمها القوى السياسية لاستغلال الرأي العام واستغفاله والتحكم به والسيطرة عليه، وسيلة استثارة مشاعر الجماهير حول القضايا الجوهرية والمهمة في حياتهم، والتي لها ارتباط قوي بمعتقداتهم أو بمقدساتهم أو بحقوقهم أو بمصالحهم.. الخ، وأن تجعل من نفسها المدافع القوي عنها أمام ما تتعرض له من تحديات وأخطار، لدرجة أن تصبح في نظر المتعصبين لها والمتعاطفين معها، المعبر عن ضمير الجماهير والمدافع عن حقوقهم وحرماتهم ومصالحهم وحياتهم وممتلكاتهم، حتى لو كان الأمر ليس أكثر من مزايدة سياسية ومتاجرة إعلامية، لغرض تحقيق مكاسب سياسية وأطماع سلطوية، وكسب المزيد من الأتباع والمؤيدين، وصولا إلى التحكم والسيطرة في مواقف وقرارات حتى المعارضين لها، وجعلهم بدون علم يتحركون ويتفاعلون مع توجهات وسياسات تلك القوى السياسية، وهنا يكمن الدهاء السياسي والخبرة الإعلامية الكبيرة في توجيه الرأي العام والتحكم به، وهل هناك ما هو أكثر دهاء وخبرة وذكاء من أن تتحكم بآراء وقرارات حتى المعارضين لك، وتجعلهم يتحركون حسب توجيهاتك وإملاءتك وسياساتك وأهدافك، ويرفعون شعاراتك ويتبنون سياساتك الإعلامية، وهم لا يشعرون ولا يدركون ذلك!!
نعم في مثل هذه المواقف تكمن العبقرية السياسية والإعلامية في أبهى تجلياتها، وهذا الأمر لا يحدث إلا بتبني القضايا التي تهم الجميع، وهذا ما تقوم به القوى السياسية التي تتبنى نهج المقاومة والتحرير والثورة حول العالم في كل زمان ومكان، بعد أن تجعل من نفسها القوة التي تدافع عن حقوق ومعتقدات ومقدسات الجماهير، والقوة التي تسعى لتحريرهم وهزيمة أعدائهم، وتحقق هذه القوى نجاح ملحوظ في الجانب السياسي والإعلامي والدعائي ما يمكنها من التأثير الكبير على الرأي العام في النطاق المستهدف، وتوجيهه بما يتوافق مع سياساتها ومصالحها وأهدافها، خصوصا في المجتمعات المعروفة بعاطفيتها وانفعالاتها وتعصباتها، وتزداد عملية التأثير والتوجيه والجاذبية عندما تتحول تلك القوى من مجال الأقوال والشعارات إلى مجال الأفعال والمناورات، ما يجعلها تشعر بأنها تمتلك الحق الحصري في السيطرة والتحكم والاستبداد في توجيه الرأي العام حسب ما تراه مناسبا، وقد يصل الحال بها وبأتباعها والمؤيدين لها إلى تخوين كل من يعارضهم أو ينتقد سياساتهم وتصرفاتهم، لأنهم يشعرون أنهم فوق النقد وفوق الاعتراض وفوق الشبهات، وما على الجميع إلا السمع والطاعة والامتثال لأوامرهم وقبول تصرفاتهم وتأييد سياساتهم وأفعالهم، بغض النظر ودون اعتبار لنتائجها وآثارها وإفرازاتها وتداعياتها على المدى القريب أو المنظور، وكل ما يهمها في الأمر هو الاستغلال الإعلامي والدعائي اللحظي لتلك المواقف وتضخيمها وتهويلها، وهو ما يساعدها في توجيه العدد الأكبر من الجماهير‮ ‬وكسب‮ ‬المزيد‮ ‬من‮ ‬المؤيدين‮ ‬والمناصرين،‮ ‬وهنا‮ ‬يكمن‮ ‬الدهاء‮ ‬السياسي‮ ‬والإعلامي‮ ‬المخطط‮ ‬والمبرمج‮ ‬بدقة‮ ‬عالية،‮ ‬وهنا‮ ‬تكمن‮ ‬الخبرة‮ ‬في‮ ‬كسب‮ ‬النقاط‮ ‬والظهور‮ ‬بمظهر‮ ‬السوبر‮ ‬مان‮ ‬المنقذ‮ ‬والمخلص‮.‬
تمت طباعة الخبر في: الخميس, 18-يوليو-2024 الساعة: 05:28 ص
يمكنك الوصول إلى الصفحة الأصلية عبر الرابط: http://www.almethaq.net/news/news-65167.htm